سلطت الباحثة في معهد الكانو الملكي الإسباني، هيزام أميرة فرنانديز، الضوء على تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع اقترابه من شهره الثالث، مشيرة إلى أن تطورات الأحداث تؤكد أن “الاعتراف بفلسطين شرط أساسي للسلام” وإلا فإن حركة حماس ستزدهر.
وذكرت هيزام، في تحليل ، أن الشرق الأوسط والعالم أجمع يحتاج إلى بديل للعنف الدوري بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فالمخاطر المترتبة على تكرار الاحتلال والإرهاب والعقاب الجماعي والدمار والكراهية مرتفعة للغاية، ولا بديل عن العنف إلا من خلال السياسة.
وأضافت أن حجم الدمار البشري والمادي في غزة “تأكيد على فشل الصيغة القديمة التي تتجنب حل الدولتين”، مشيرة إلى 4 حقائق وصفتها بأنها باتت واضحة:
الأولى: أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم تتم تسويته بعد التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
والثانية: أن هذا الصراع يحتفظ بقدرة عالية على زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله وجواره.
والثالثة: أن محاولة إدارة الصراع من خلال إعلان النوايا المنفصلة عن الواقع لا تؤدي إلا إلى تفاقم عواقبه.
والرابعة: أن الغرب يستخدم معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بجرائم الحرب، اعتماداً على مكان ارتكابها ومن يرتكبها.
واعتبرت هيزام أن الأمر يتطلب تغييراً عميقاً في الطريقة التي يتم بها التعامل مع الصراع إذا كان الهدف هو إيجاد حل يجلب الأمل والأمن لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ويتضمن ذلك: إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
وأوضحت أن الخطوة التي من شأنها أن تعدل الحلقة المفرغة الضارة للعقود الأخيرة هي: الاعتراف بفلسطين كدولة من قبل الدول الغربية التي لم تفعل ذلك بعد، وكذلك من قبل الأمم المتحدة، زاعمة أن من شأن هذا الاعتراف أن يضعف حركة حماس وأنصارها، خاصة إذا تم تجديد وتعزيز السلطة الفلسطينية.
ووصفت هيزام إسرائيل بأنها “ليست دولة طبيعية، وتفتقر إلى حدود محددة وفقا للقانون الدولي” ولم تعترف بها سوى 163 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
ومن بين 15% من الدول التي لا تعترف بإسرائيل، العديد من الدول العربية والإسلامية، التي أظهرت رفضها لاحتلال الأراضي الفلسطينية.
كما أن فلسطين دولة “أقل طبيعية”، حسب توصيف هيزام، إذ لا يعترف بها سوى 139 عضوا في الأمم المتحدة (72%)، بما في ذلك عضوان دائمان في مجلس الأمن (الصين وروسيا).
ومن بين الدول التي لا تعترف بدولة فلسطين أغلبية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية والجزر الصغيرة في المحيط الهادئ.
وأشارت هيزام إلى فلسطين (السلطة) اعترفت بدولة إسرائيل منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، لكن الاعتراف ليس متبادلاً.
حل الدولتين
ومن المفارقة أن الدول الغربية التي تكرر في كثير من الأحيان أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يرتكز على “حل الدولتين” هي تلك الدول التي تعترف فقط بواحدة منهما (إسرائيل) دون الأخرى (فلسطين)، ويرجع ذلك أساسًا إلى الضغوط التي تتلقاها العديد من هذه الدول من إسرائيل والولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، ساهم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بمنح مليارية للفلسطينيين منذ بدء عملية السلام في مؤتمر مدريد عام 1991، لصالح حل الدولتين بموجب صيغة “الأرض مقابل السلام”. ومن المثير للدهشة، بحسب هيزام، أن هذا الدعم لم يسفر سوى عن اعتراف 9 دول فقط من دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 بالدولة الفلسطينية.
وفي أعقاب خرب غزة التي اندلعت في صيف عام 2014، والتي كانت أقل حدة بكثير من الحرب الدائرة حاليا، وافقت العديد من البرلمانات الأوروبية، بما في ذلك برلمانات فرنسا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان ولوكسمبورغ وأيرلندا والمملكة المتحدة، على اقتراحات تطالبهم بالتحرك للاعتراف بفلسطين كدولة، كما صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة لصالح قرار غير ملزم يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كوسيلة لإحياء عملية السلام المحتضرة.
وفي حالة إسبانيا، صوت البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بالإجماع تقريباً وبدعم من جميع المجموعات البرلمانية، على اقتراح غير قانوني يحث الحكومة الإسبانية على الاعتراف بفلسطين كدولة. كما أصدرت بعض البرلمانات المستقلة، مع حكومات إقليمية لأحزاب سياسية مختلفة، بيانات مؤسسية تدعم الاعتراف بفلسطين.
((3))
وأشارت هيزام، في هذا الصدد، إلى أن حكومة إسبانية يسارية هي التي اعترفت بدولة إسرائيل في عام 1986، في حين صوتت حكومة يمينية لصالح الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
ورغم أن الظروف لإعلان دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة غير متوفرة اليوم، فإن “الاعتراف بها من قبل المزيد من الدول الغربية سيكون خطوة حاسمة لكسر الحلقة المفرغة الحالية من الدمار والكراهية، مما يقوض موقف الطرف الأكثر تطرفا على كلا الجانبين (الإسرائيلي والفلسطيني)، بحسب هيزام.
وأشارت إلى أن العديد من الأصوات الإسرائيلية تطالب الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بفلسطين، لأنها ترى أن الدولة الفلسطينية المستقلة والديمقراطية هي أفضل ضمان لأمن إسرائيل.
بوابة التطبيع
وإضافة لذلك، فإن الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وفلسطين من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع وضع الدولة الإسرائيلية مع الدول العربية والإسلامية الـ 57 التي تشكل منظمة التعاون الإسلامي (ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة)، والتي يمثل عدد سكانها ما يقرب من 25% من سكانها لعالم.
ويشكل هذا الحافز للمجتمع الإسرائيلي أساس مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تتلخص في 3 نقاط، هي: توفير الأمن للإسرائيليين، وإقامة دولة للفلسطينيين، والرخاء لكلا الشعبين وجيرانهما.
ودعت هيزام العالم إلى أن يدرك الفرق بين الفلسطينيين وحماس، زاعمة أن “هناك صيغة لاتزال غير مستكشفة لإنهاء هذه الحركة الأصولية” وهي: تطبيق القانون الدولي وتقديم ضمانات أمنية دولية للإسرائيليين والفلسطينيين، وتطبيع وضع إسرائيل في جوارها، وإعطاء الأمل للفلسطينيين والاعتراف بإنسانيتهم”.
واعتبرت هيزام أن حماس هي “نتاج فشل السياسة والإضعاف المتعمد للسلطة الفلسطينية من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بقيادة: بنيامين نتنياهو”، مشيرة إلى أن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال في المنتدى الإقليمي الأخير للاتحاد من أجل المتوسط: “حماس فكرة. ولا يمكنك قتل فكرة ما لم تتمكن من إثبات أن لديك فكرة أفضل”.
وخلصت هيزام إلى أن حماس، أو أي منظمة متطرفة أخرى (حسب توصيفها) قد تظهر في المستقبل، تتغذى على اليأس والظلم والكراهية وازدواجية المعايير، وفي غياب الأمل في السلام والكرامة للفلسطينيين، لن يتمتع الإسرائيليون بالأمن، وستتبنى حكوماتهم سياسات متطرفة على نحو متزايد، ما يزيد من تعميق انقساماتها الداخلية ويعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.