الرئيسية / أخبار / الحرب بين إسرائيل وحماس اختبار لاستراتيجية الصين الدبلوماسية

الحرب بين إسرائيل وحماس اختبار لاستراتيجية الصين الدبلوماسية

سلطت مجلة “فورين بوليسي” الضوء على ما ظهر من تناقض في رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية والصين على هجوم حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل، إذ وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالعمل الإرهابي، فيما ظل الرئيس الصينيـ، شي جين بينج، صامتا، مشيرة إلى أن الحرب المتوقعة في غزة تمثل اختبارا لاستراتيجية الصين الدبلوماسية.  

وذكرت المجلة، في تقرير ترجمه “الخليج الجديد“، أن وزارة الخارجية الصينية لم تذكر حماس في بيان أولي أصدرته يوم الأحد الماضي، ودعت بدلا من ذلك “الأطراف المعنية إلى التزام الهدوء وضبط النفس وإنهاء الأعمال العدائية على الفور لحماية المدنيين”.

ويوم الإثنين، أضافت وزارة الخارجية بيانا عاما يدين الضرر الذي يلحق بالمدنيين، وقالت إن الصين “صديقة لكل من إسرائيل وفلسطين”.

وانتقد المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون علناً رد الصين، وأعرب نائب مدير وزارة الخارجية لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، رافي هارباز، عن “خيبة الأمل العميقة” تجاه الصين لفشلها في إدانة هجوم حماس، كما ردد الخبراء الإسرائيليون في شؤون الصين خيبة الأمل هذه.

وقال جيداليا أفترمان، رئيس برنامج السياسة الآسيوية في معهد الدبلوماسية الدولية بجامعة رايخمان، لمجلة فورين بوليسي: “تقول الصين إنها لاعب إقليمي جديد، لكن الرد الأولي لم يكن متسقًا مع هذا الدور الجديد”.

لكن لدى فان هونغدا، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، وجهة نظر مختلفة، وهي أن الاحتكاك بين إسرائيل والصين يرجع إلى اختلاف في التأطير، موضحا: “تؤكد إسرائيل على الصراع الحالي بالتحديد، بينما تؤكد الصين على المسار الأساسي لحل القضية الفلسطينية”.

وفي حين تختلف الآراء حول رد فعل الصين، إلا أن أحداً لم يتفاجأ به، فالتصريحات تتناسب مع نمط السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط وخارجه.

فقد كانت الصين داعمًا لفلسطين منذ فترة طويلة؛ واعترفت بفلسطين كدولة في عام 1988، وفي حين أنها واصلت أيضًا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في عام 1992، فقد قدمت عادةً المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية، وقد ساعد هذا التضامن الصين على كسب الأصدقاء في المنطقة.

وفي السياق، قال داون ميرفي، الأستاذ المشارك في كلية الحرب الوطنية الأمريكية، الذي درس العلاقات بين الصين والشرق الأوسط: “نهج الصين الحالي تجاه هذه القضية يمكن أن يتردد صداه في العالم العربي، كما يمكن أن يكون له صدى في العالم الأوسع ذي الأغلبية المسلمة”.  

وأضاف: “هناك أجزاء كثيرة من الجنوب العالمي حيث تردد صدى موقف الصين فيما يتعلق بمعاملة الفلسطينيين على مدى عقود”.

كما ساعد هذا الدعم الإقليمي الصين على صرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأقليات المسلمة لديها، وخاصة في شينجيانغ. فقد التزمت الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط الصمت إلى حد كبير بشأن معاملة الصين للأويغور.

وقال محمد ذو الفقار رحمت، أستاذ الأبحاث في جامعة بوسان للدراسات الأجنبية، والذي يدرس العلاقات بين الصين والشرق الأوسط: “على السطح، يبدو أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الصين وإسرائيل (..) كلاهما حكومتان أمنيتان عاليتا التقنية تكرسان قدرًا كبيرًا من الوقت والطاقة لتنظيم واضطهاد السكان المسلمين الذين يُنظر إليهم على أنهم خطر أمني. ومع ذلك، فإن الجغرافيا السياسية غالبا ما تجمع بين الأشياء الغريبة”.

الوصول للأسواق

تاريخياً، كانت مصالح الصين في الشرق الأوسط مدفوعة إلى حد كبير بالاقتصاد، فهي تسعى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة لحماية الوصول إلى الأسواق وتدفقات الموارد الحيوية.

وتعد الصين الشريك التجاري الأول للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة، ويمثل الخليج العربي مصدرا لنصف وارداتها النفطية.

لكن ميرفي قال إن الصين سعت، في الآونة الأخيرة، إلى تعزيز العلاقات مع دول الشرق الأوسط والجنوب العالمي على نطاق أوسع كثقل موازن لتخفيف العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة.

وقالت: “يُنظر إلى العالم العربي، خاصة الخليج، على أنه منطقة من الدول التي تشترك في مصالح الصين، ولديها بالفعل القدرة على إقامة علاقة تكاملية مع الصين”.

وفي شهر مارس/آذار، لفتت الصين الأنظار من خلال استضافة المحادثات بين السعودية وإيران، والتي أسفرت عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. واعتبر الاتفاق على نطاق واسع بمثابة اختراق دبلوماسي كبير للصين، وإشارة إلى استعدادها للعب دور سياسي أكبر في المنطقة.

ومع ذلك، على الرغم من اهتمام الصين المتزايد بالشرق الأوسط، قال الخبراء إنها ليس لديها رغبة تذكر في التورط بشكل مباشر في الصراعات.

وقال ميرفي إن الصين، على الأقل في الوقت الحالي، لا تريد التنافس مع الولايات المتحدة على دور أمني أكبر في المنطقة.

وبدلاً من ذلك، حاولت الصين الحفاظ على موقف الحياد والعمل كوسيط بين الدول، كما فعلت مع المملكة العربية السعودية وإيران.

وفي هذا السياق فإن تردد الصين في انتقاد حماس، وجهودها بدلاً من ذلك في الظهور بمظهر الحياد، لا يتماشى إلا مع الاتجاه السائد.

ولكن في هذا الصراع، فإن حياد الصين له حدود، وقارنت توفيا جيرينج، الباحثة في مركز السياسة الإسرائيلية الصينية في معهد دراسات الأمن القومي، الوضع برد الصين على الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، والذي أظهرت فيه ما أسماه جيرينج “الحياد المؤيد لروسيا”.

وفي الصراع الأخير، تبنت الصين الحياد المؤيد للفلسطينيين. ومع ارتفاع عدد القتلى إلى 2800 في غزة واستعداد إسرائيل لغزو بري، اتخذت الصين موقفاً أقوى.

وفي اتصال هاتفي مع نظيره في السعودية يوم السبت، قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إن “تصرفات إسرائيل تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس” ودعاها إلى “التوقف عن فرض العقاب الجماعي على شعب غزة”.

وأشار رحمت، أستاذ الأبحاث في جامعة بوسان، إلى أن “الصين لا ترى فائدة تذكر في الوقوف إلى جانب إسرائيل في النزاع الحالي بالنظر إلى أن إسرائيل صديق قوي للولايات المتحدة”.

وفي حين أن الصين ليست محايدة تمامًا في الصراع، كما تشير بعض تصريحاتها، إلا أن الخبراء يقولون إن موقفها قد يسمح لها بأداء دور الوساطة في المستقبل.

وسبق أن سعت الصين إلى لعب دور في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لذا فهي تتمتع ببعض الخبرة في هذا الموضوع.

وأجرى المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط، تشاي جون، مكالمات مع دبلوماسيين إسرائيليين ومصريين وسعوديين وفلسطينيين خلال الأسبوع الماضي.

وفي اتصاله مع نظيره المصري يوم الأربعاء الماضي، قال تشاي إن الصين ترغب في المساعدة في تنسيق وقف إطلاق النار.

 كما أخبر وانغ، كبير مستشاري الرئيس البرازيلي الأسبوع الماضي أن الصين تدعم “مؤتمر سلام دولي” للمساعدة في التوسط في حل الدولتين. ومن المقرر أن يسافر تشاي إلى المنطقة هذا الأسبوع، في زيارة وصفتها الحكومة بأنها محاولة لتعزيز محادثات السلام.

ومع ذلك، قال خبراء في شؤون الشرق الأوسط والصين لمجلة فورين بوليسي إنهم يشكون في أن تلعب الصين دورًا مركزيًا بالتوسط في الأزمة لأنها لا تسعى إلى الضغط بشكل نشط على الدول الأخرى.

وقال أفترمان: “إن الصين لا تحب أن يكون لها دور كبير في اللعبة”، كما أنها تفتقر إلى الخبرة الإقليمية للتوسط بمفردها. وحتى الآن، تعمل قطر كوسيط، وتنسق مع الولايات المتحدة بشأن احتمال إطلاق سراح الرهائن.

لكن الصين في وضع جيد يسمح لها بلعب دور في المفاوضات بين الدول الأخرى، سواء فيما يتعلق بالإفراج عن الرهائن أو وقف إطلاق النار على نطاق أوسع، نظرا لشبكة شراكاتها بما في ذلك مع إيران.

وقال مورفي: “إحدى الطرق التي تتمتع بها الصين بموقع فريد هي قدرتها التحدث مع جميع الأطراف، فحتى هذه اللحظة على الأقل الصينيون لديهم علاقة متوازنة نسبيًا مع جميع الأطراف المعنية”.

ورغم أن الحرب في أوكرانيا لا تشكل تشبيهاً مثالياً، فقد عرضت الصين أيضاً أن تلعب دور صانع السلام هناك، وفرضت بعض الضغوط على روسيا، على الأقل عندما يتعلق الأمر باستخدام الأسلحة النووية.

لكن إلى أي مدى ستكون إسرائيل مستعدة للعمل مع الصين في المفاوضات؟ يظل سؤالًا مفتوحًا، ومع ذلك، ربما لا تزال إسرائيل ترى بعض الفوائد في الاتصال مع الصين، وهو ما عبر عنه أفترمان، قائلا: “لا أعتقد أن إسرائيل تثق بالصين، لكنها بحاجة إلى المساعدة، خاصة فيما يتعلق بقضية إطلاق سراح الرهائن”.