سلطت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية الضوء على اقتراب وقوع الحرب البرية في قطاع غزة وأراضي فلسطين التاريخية، خاصة بعد القصف الوحشي لمستشفى الأهلي المعمداني، الذي أدى إلى مقتل المئات، واشتعال حدود إسرائيل مع لبنان بالقصف وغارات الطائرات المقاتلة.
وذكرت الصحيفة، في تقرير ترجمه “الخليج الجديد“، أن الآمال معلقة على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، اللذين من المقرر أن يستضيفا قمة طارئة في القاهرة يوم السبت، لكن احتمالات نشوب حرب أوسع نطاقاً تجتاح لبنان والمنطقة برمتها وسقوطها في فوضى عنيفة مرة أخرى تتزايد كل ساعة.
وبينما أعلن حزب الله عن “يوم غضب” ضد إسرائيل، استهدفت الاحتجاجات البعثات الأمريكية في المنطقة، وبدأت المزيد من السفارات ببيروت في إجلاء الموظفين غير الأساسيين، ما نشر شعورا متزايدا بالخوف والقلق على بلاد الشام.
وأرسل قصف المستشفى، حيث كان مئات المدنيين الفلسطينيين يحتمون بعد أيام من الغارات الجوية الإسرائيلية، موجات صادمة على نطاق واسع، وأدى إلى خروج رحلة بايدن إلى المنطقة عن مسارها، حيث كان لا بد من إلغاء اجتماعه المقرر يوم الأربعاء مع القادة العرب في الأردن.
وكان من المفترض أن يتم عقد الاجتماع بعد زيارته لإسرائيل، حيث كان أمام بايدن مهمة صعبة تتمثل في إظهار التضامن، مع الضغط أيضًا على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المتردد في السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقال بيان صادر عن البيت الأبيض إن قرار إلغاء الاجتماع مع العاهل الأردني الملك، عبدالله الثاني، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، تم اتخاذه بشكل مشترك، لكن الزعماء العرب أوضحوا أنه لا أمل لديهم في أن يكون الاجتماع مثمرا.
وانسحب عباس أولاً، قبل أن يشير وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى أن الاجتماع سيكون بلا جدوى، قائلا: “لا فائدة من الحديث الآن عن أي شيء سوى وقف الحرب”، في إشارة إلى القصف الإسرائيلي المستمر لغزة.
وأضاع إلغاء الاجتماع في الأردن فرصة كبيرة للرئيس الأمريكي لتجاوز الأزمة، ما ترك الجهود الأمريكية لدرء صراع أوسع نطاقاً في حالة من الفوضى.
وكانت الولايات المتحدة تواجه بالفعل انتقادات شديدة في المنطقة بسبب وقوفها إلى جانب إسرائيل وفشلها في إدانة قتل المدنيين في غزة.
وفي هذه الأثناء، تجاهل القادة العرب جهود وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لحملهم على إدانة حماس، فهم يرفضون تصنيف المنظمة على أنها جماعة إرهابية، معتبرين أن هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، هي نتيجة حتمية للفشل في تحقيق حل الدولتين.
ومن غير المؤكد ما إذا كان أي شخص يستطيع الآن إيقاف حرب أكبر، ولكن برزت كلمة واحدة في تصريحات بايدن المباشرة بعد هجمات حماس، وهي “لا تفعل”، التي وجهها إلى”أي دولة، وأي منظمة، وأي شخص يفكر في الاستفادة من الوضع القائم”.
ومع ذلك، فقد سيطر الغضب على جميع الأطراف في المنطقة، مع تفاقم الكراهية والمظالم القديمة وتسارع الضربات المتبادلة.
وفي أعقاب هجوم “طوفان الأقصى”، الذي نفذته حركة حماس، الأسبوع الماضي مباشرة، سيطر الغضب على الإسرائيليين، ووجه نتنياهو هذا الغضب، وتعهد “بالانتقام القوي” من الحركة الفلسطينية بسبب الهجمات المفاجئة، وتدميرها.
ومع ذلك، لم تعلن إسرائيل رسميًا عن عزمها إطلاق مهمة برية، وهو أمر امتنعت عن القيام به في السنوات الأخيرة بسبب خطر فقدان عدد كبير من الجنود، لكنها قامت بحشد القوات والمدرعات على طول الحدود، وتجنيد 300 ألف جندي احتياطي، وهو أكبر استدعاء منذ عقود.
وبعد يومين من عملية حماس، أخبر نتنياهو بايدن أنه ليس أمام إسرائيل خيار سوى شن عملية برية، وحذر الإسرائيليين علنا من أن البلاد تواجه “حرباً طويلة وصعبة”.
وإزاء ذلك، تشير “بوليتيكو” إلى أن الأمل الوحيد في عدم انتشار الفوضى بالمنطقة يعتمد الآن، إلى حد كبير، على خفض إسرائيل لأهدافها العسكرية واتخاذ قرار بعدم شن هجوم بري على غزة، وهو ما سيكون الدافع الأكثر ترجيحاً لحزب الله وحلفائه للتحرك، والبدء بهجوم واسع النطاق، إما عبر الحدود الجنوبية أو على مرتفعات الجولان.
وكانت تلك رسالة أحمد عبدالهادي، ممثل حماس الرئيسي في لبنان، الذي قال للصحيفة الأمريكية، إن الهجوم البري الإسرائيلي على غزة سيكون أحد الأسباب الرئيسية التي يمكن أن تدخل حزب الله بشكل كامل في الصراع، وأن حماس وحزب الله ينسقان الآن ردودهما بشكل وثيق.
وأضاف: “حزب الله لن يلتفت لتهديدات أحد ضد دخوله الحرب؛ سيتجاهل التحذيرات بالبقاء بعيدًا عنه. التوقيت الذي يريد فيه حزب الله الدخول في الحرب أم لا سيرتبط بالتصعيد الإسرائيلي والحوادث على الأرض، وخاصة إذا حاولت إسرائيل دخول غزة على الأرض”.
ويعلق السياسيون اللبنانيون الآن آمالهم على عدم قيام إسرائيل باختيار شن هجوم بري على قطاع غزة المكتظ بالسكان، وهي عملية من شأنها أن تؤدي بشكل شبه مؤكد إلى عدد كبير من الضحايا المدنيين وتثير المزيد من الغضب العربي، بالإضافة إلى تدخل محتمل لحزب الله، ويرون في وصف بايدن لأي تحرك من جانب إسرائيل لإعادة احتلال غزة بأنه “سيكون خطأ كبيرا”، علامة متأخرة على أن واشنطن تحاول الآن فرض حد لتصرفات إسرائيل.
لكن يظل كيفية توافق ذلك مع هدف نتنياهو المعلن، المتمثل في “تدمير حماس”، أحد الشكوك الرئيسية التي ستحدد ما إذا كان سيتم إطلاق العنان لكلاب الحرب بالكامل، حسب تعبير “بوليتيكو”، مشيرة إلى أن التوقف الواضح في العمليات البرية الإسرائيلية يعطي سبباً للأمل، خاصة بعدما أعلن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء أن هجومًا بريًا واسع النطاق قد لا يكون هو ما يتم الإعداد له.
ويشك مايكل يونج، المحلل في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، في أن هناك “إعادة تفكير” جارية، ومن المرجح أن يكون الدافع وراء ذلك هو إدراك قادة الجيش الإسرائيلي أن الهجوم البري لن يكون دموياً فحسب، بل لن يخلص غزة من حماس أيضاً.
وقال: “عندما أجبرت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من لبنان عام 1982، كانت لا تزال قادرة على الحفاظ على وجودها في البلاد، وعاد ياسر عرفات إلى لبنان خلال عام واحد”.
وبالمثل، قال النائب أشرف ريفي، المدير السابق لقوى الأمن الداخلي اللبناني، لـ “بوليتيكو”، “القادة العسكريون دائمًا أقل حماسًا لخوض الحرب من السياسيين، والقادة العسكريون الإسرائيليون دائمًا حذرون (..) دعونا نأمل ذلك، وإلا فسوف نلقى جميعا في الجحيم”.