بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء زيارة لإسرائيل تستمر عدة ساعات، ليس فقط لإظهار الدعم لها في ظل الحرب مع حركة “حماس”، ولكن أيضا للحيلولة دون اتساع الصراع بما يورط واشنطن في حرب إقليمية ربما تؤثر على دعمها لأوكرانيا ضد روسيا ومنافستها مع الصين، بل وقد تلقي بظلال قاتمة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
تلك القراءة طرحها ألكسندر وارد وجوناثان ليمير، في تحليل بموقع “بوليتيكو” الأمريكي (politico) ترجمه “الخليج الجديد“، فيما تتواصل الحرب لليوم الثاني عشر على التوالي؛ ما أودى بحياة 3200 فلسطيني وحوالي 1400 إسرائيلي، بينهم 30 يحملون أيضا الجنسية الأمريكية.
وقال خمسة مسؤولين أمريكيين إنه “لا أحد في المكتب البيضاوي (الرئاسي) يرغب في جعل معركة إسرائيل ضد حماس على رأس أولويات السياسة الخارجية، وخاصة مع تصاعد المخاوف الداخلية والنضال المتزايد للحفاظ على الدعم لكييف في حربها مع روسيا”.
أحد المسؤولين قال: “سنواصل مساعدة الإسرائيليين في المعركة، ولا توجد مصلحة في رؤية اتساع نطاق الحرب”.
وفي مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” بُثت الأحد الماضي، استبعد بايدن إرسال قوات أمريكية إلى الحرب وحذر إسرائيل من احتلال غزة، حيث يعيش نحو 2.2 مليون فلسطيني.
وبحسب وارد وليمير “تقترن هذه الرسائل بتحذيرات متكررة لإيران والجماعات الوكيلة لها، أي حزب الله (اللبناني)، بالابتعاد عن الصراع، فدخولهم لن يجبر إسرائيل على القتال على جبهتين فحسب مما يعرض دفاعها للخطر، بل سيزيد أيضا من احتمال اضطرار بايدن إلى إرسال المزيد من الدعم العسكري؛ مما قد يؤدي إلى نشر قوات أمريكية على الأرض”.
وأضافا أنه أيضا لتحقيق هذا الهدف، “سيحمل بايدن معه إلى إسرائيل رسالة عاجلة: على إسرائيل أن تلتزم بقواعد الحرب وأن تحافظ على سلامة المدنيين. وقد تأكد هذا الخطر أمس الثلاثاء عندما أصاب صاروخ مستشفى في غزة”.
وتابعا أن القصف أسفر عن مقتل 500 شخص، وهو انفجار قالت وزارة الصحة في غزة إنه نجم عن غارة جوية إسرائيلية. وبعده سرعان ما تم إلغاء قمة كانت مقررة في عمّان الأربعاء بين بايدن وقادة الأردن وفلسطين ومصر.
الصين وروسيا
“تولى بايدن منصبه (يناير/ كانون الثاني 2021) وهو يركز على إخراج الولايات المتحدة من الحروب في الشرق الأوسط الكبير، مع إعطاء الأولوية للمنافسة مع الصين (..) ولاحقا الدفاع عن أوكرانيا (ضد حرب روسية مستمرة منذ 2022)”، كما أردف وارد وليمير.
واستدركا: “لكن الهجوم المميت الذي تشنه حماس على إسرائيل (عملية “طوفان الأقصى” منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، والرد الإسرائيلي الضخم، يهددان بإغراقه في واحدة من أكثر الأزمات استعصاءً على الحل في العالم”.
وأضافا: “ناقش مستشارو بايدن الحكمة من سفره إلى إسرائيل، إذ يعتقد بعض المساعدين أن المخاطر الأمنية كبيرة للغاية، ورأى آخرون أنها ستكون هدية لبنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي)، الذي يخضع لتدقيق هائل بسبب الإخفاقات الاستخباراتية التي عجلت بهجوم حماس”.
و”أوضح بايدن لمساعديه أنه لا يحب نتنياهو، الذي تربطه به علاقة فاترة منذ عقود ويعتقد أنه يقوم بمحاولة غير ديمقراطية لإضعاف القضاء الإسرائيلي، بحسب مستشارين. لكن المسؤولين قالوا إن الرئيس شعر بأنه بحاجة إلى إظهار التضامن مع دولة ديمقراطية زميلة، وكذلك دفع جيرانها العرب لمساعدة الفلسطينيين”، وفقا لوارد وليمير.
ولفتا إلى أن بايدن أمر بإرسال أصول عسكرية إلى المنطقة، بينها مجموعتان هجوميتان من حاملات الطائرات وطائرات مقاتلة وسفن بحرية أخرى تحمل الآلاف من عناصر قوات مشاة البحرية، بهدف “دعم المواطنين الأمريكيين الفارين وردع الخصوم عن تصعيد الصراع”.
رسالة ردع
لوارد وليمير قالا إنه “من غير الواضح ما إذا كانت رسالة الردع فعالة أم لا، إذ حذر وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبداللهيان)، الإثنين الماضي، من أن حزب الله قد يتخذ “إجراء وقائيا” ضد إسرائيل قبل أن تشن غزوا بريا متوقعا”.
وأضافا أن “الجماعة، التي لديها حوالي 150 ألف صاروخ موجه نحو إسرائيل، بدأت بالفعل في تدمير كاميرات المراقبة على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وتبادلت قواتهما إطلاق النار والهجمات الصاروخية بشكل متقطع؛ مما أدى إلى مقتل حوالي 13 شخصا منذ السبت الماضي”.
ويقول خبراء إن “التهديد آخذ في التزايد؛ مما يجعل رغبة الإدارة في الابتعاد عن القتال أكثر صعوبة”.
و”حتى لو لم يتعمق حزب الله وإيران في القتال، فإن الأسئلة تدور بالفعل في واشنطن حول كيف يمكن للصراع أن يصرف انتباه الولايات المتحدة عن أوكرانيا أو يستنزف القدرات الأمنية للبلاد، لكن بايدن رفض أي تلميح إلى أن واشنطن لا تستطيع التعامل مع كل شيء”، كما زاد لوارد وليمير.
وقال بايدن، خلال مقابلة برنامج “60 دقيقة”: “نحن الولايات المتحدة الأمريكية (…) أقوى دولة في تاريخ العالم، ويمكننا الاهتمام بكلا الأمرين والاستمرار في الحفاظ على دفاعنا الدولي الشامل”.
“لكن المعركة في الشرق الأوسط محفوفة بالمخاطر من الناحية السياسية أيضا بالنسبة للرئيس، الذي سيترشح لإعادة انتخابه بعد ما يزيد قليلا عن عام، وقد استثمر الكثير في التوسط في صفقات التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب”، بحسب لوارد وليمير.
وشددا على أن “هذا الصراع وتحركات إيران والنظام السياسي (الأمريكي) المنقسم واضطراب الكونجرس، يمكنها صرف انتباه بايدن عن المخاوف المحلية والعالمية الأخرى، كما يخشى بعض المستشارين، على الرغم من أنهم يتوقعون منه الابتعاد عن هذا المستنقع”.