د. بسام الهلول
دعني اقف ساعة قبل ان ترحل الى طيات عزلتك، لم خرجت مغاضبا قومك ؟! ألانك قلت للقيصر انك خادم لشعبك وأجبره ( كالأكّار)..اي الحراث في مزرعته اذ تستويان مثلا!!!!ام لأنك قلت للجشع المتخم والمتكرش من اصحاب الفدادين والاراضين ان اقسمها مع المعوزين والمخدوشة وجوههم ؟؟ ام ان الكاهن وفقيه السلطان ضاقت بك ذرعا اذ قلت لهم: ان المسيح ومحمد عليهما السلام لقيا. عنتا ورهقا من اقوالهم التي لا تقر الظلم؟! فتوعدوك بأن يصدر فيك حق الحرمان او حد الحرابة!!!؟
وبعد وداعك اعذرني ان تجدني متسكعا صعلوكا في ازقة ( مجريط)..اي مدريد. وقد اصطحبت العافية من بلاد الفقر والخصاصة ..تراني بين ازقتها باحثا عن وجبة اسد بها( قرقرة)..معدتي ..ذلك اني انوي السفر قاصدا بلاد الجولوا مع بيات النية اكل (الحلال)..
دلفت الى شارع خلفي ذلك اني من ابناء الاحياء الخلفية علني احد ضالتي (الحلال)..وزادي لكنة بل تصل الى العجمة جملا من خطابي الانجليزية ويسير من الفرنسية لعلهما يسعفنني في اقناع نادل مطعم ما ( اني باحث عن طعام حلال)..كما كان يحلو لزميل لي ابان مقعد الدرس ان يجمع مفردة المرأة( Alhareem ان اكون موفقا في الاصرار واقناع النادل المنظور( Al Halal)… وحاولت ان استجمع قواي واستنفرت خبيء اللغة مع النحت الذي تعلمته مما كان ينطق به رفيق مقعد الدرس وما استحضرته مما تركه لنا المعلم( عودة الله)..من ذخيرة ومكتنز…ابان تدارسنا الانجليزية بين يديه…وغالبتني الضحكة هنا فتذكرت ذلك اليوم الذي جاء به المفتش لتقييم حصة الدرس عند معلمنا وجلس هدا المفتش ولم يكن اذ ذاك من القابهم ( الموجه التربوي).. فكتب المعلم الجملة التالية على السبورة What is this…..
is this a pencil? وكرر السؤال اكثر من مرة ونحن محدقين الابصار في وجه المفتش ذي الوجه الاحمر المتبغدد عافية وليس خجلا وبلغ الحنق بالمعلم ان قال: لعاد وشي it’s….كنا مشدوهين لزرقة عينيه ووجهه الاملس كحجرة التيمم عند المغاربة ذلك لاننا لم نألف هذا النموذج حيث وجوه معلمينا تصلح مدفنا( لأصحاب الاخدود)..كأنها اخاديد اعدت لقبر كل العقائديين آنذاك من الشيوعيين والبعثيين والناصريين ولا زال النظر منا منعما في وجه المفتش القادم من( عمّال)..اي عمان حتى كنا نغير بعضنا عندما نجد رقة من احدنا( يا قوم من عيال عمال)..ولا زلنا محملقين كيف تجلى الله في صنعته مثلنا مثل نديم السلطان وهو يحدق في كلب ….. ووجدت ضالتي واخذت مقعدا من المطعم وجاء النادل احاول اقناعه اني اريد وجبة الحلال وكان مصرا على اسلاميته الا ان رجلا كان يجلس قبالتي من البرتغال حاول ان يفهمه انه يريد طعاما (حلالا) واذ به يعود بطبق من الارز وزبدية او (سحلة) فيها مرق واشياء في قعرها تقرقع واذ بها حصى مع شيء من الكروفيت وصحت في النادل ظننته يستهزئ بي كعربي. الى ان تدخل ذلك الرجل وفك عقدة الخصام ما بيننا وشرح له النادل ان هذا اليوم نقدم فيه هذه الوجبة المرق مع الحصا حصى البحر تخليدا لذكرى مسكينة من موروثهم الاسباني ان جاءت مسكينة تطلب بعض رواد المطعم ولم يعطها احد الا مسكين مثلها اذ التقط حصيات من الارض واعطاها كي لا ترد يدها خائبة ففي هذا المكان خلدت ذكراها وان الانسان قادر ان بعطي ولو حصاة من الارض على ان لا ترد يد السائل فاعتذرت له مما تركه عودة الله من كلمات وقلت في نفسي الله الله لم تخلُ حياتهم وتأريخهم ساعة فضيلة من ارشفة مشهد من تراثهم فبكيت ورقيت نفسي كيف يسهم السفلة من محو تاريخ بأكمله وعدت ادراجي انشد محطة القطار لأكمل سفري الى بلاد هزم فيها العربي وخرج منها لقد اخرجتهم الكرمة والنساء لا مضاء سيوف الفرنجة
د. الهلول كاتب ومفكر أردني