استقبال الصين لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ومن قبله نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، هو إعلان رسمي لبكين تحديها للعقوبات الأمريكية المفروضة على عدد من الدول التي تجمعها وبكين علاقات تعاون استراتيجية.
هكذا يتحدث تحليل لمركز “الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”، وسط توقعان بربط صيني لأهدافها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط عامة، وسوريا خاصة، بدور سياسي أكثر فعالية وطموحاً خلال المرحلة المقبلة.
ويلفت التحليل، إلى أن زيارة الأسد للصين من شأنها تقليل حدة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الاقتصاد السوري المنهك بفعل العقوبات المفروضة من قبلهما، وأن سوريا قد تصبح بوابة العبور الصيني الجديد إلى منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً.
وقام الأسد بزيارة رسمية إلى الصين في 21 سبتمبر/أيلول الجارى، تلبية لدعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ، لحضور افتتاح دورة الألعاب الآسيوية التاسعة عشرة في مدينة هانغتشو يومي 22 و23 سبتمبر/أيلول.
وتعد تلك الزيارة أول زيارة يقوم بها الأسد للصين منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وهي الثانية من نوعها، حيث سبق له زيارة الصين خلال عام 2004.
وتأتي الزيارة وسط تفاعلات دولية وإقليمية متغيرة ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على حالة الاستقرار والأمن الدولى من ناحية، وما نتج عنها من اصطفافات دولية تدعم طرفي الصراع من ناحية ثانية، فضلاً عن حالة التعاطي الأمريكى مع القضايا الأمنية في منطقة الإندوباسيفيك، وإعلان الولايات المتحدة اعتبار الصين “مصدر قلق” يهدد بصورة مباشرة المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية الأمريكية فى المنطقة من ناحية ثالثة.
هذا إلى جانب ما تشهده سوريا على مدار العامين الماضيين من محاولات لكسر العزلة عبر حالة التقارب الإقليمى مع النظام السورى بعد 12 عاماً من اندلاع الأزمة السورية، وفق التحليل.
ووفق الرئاسة الصينية، فإن الزيارة في مضامينها العامة، تأتي انعكاساً لرغبة الدولتين في إقامة شراكة استراتيجية، ومواصلة الدعم في القضايا المتعلقة بمصالح الدولتين وتثير قلقهما، والعمل الثنائي على تعزيز قدرة سوريا بشأن إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية، فإن الأسد، استفاد بدعم صيني واسع، تمثل في امتناع بكين عن التصويت لقرارات من شأنها إدانته في المحافل الدولية، فضلاً عن استخدام “الفيتو” تجاه العديد من مشاريع القرارات في الشأن نفسه داخل أروقة مجلس الأمن الدولي.
من هنا، وفق التحليل، جاءت زيارة الأسد للصين لتتعلق برغبة النظام السورى في دعوة الصين للاستثمار في البنية التحتية السورية تحت مسميات إعادة الإعمار، وهي العملية التى تربطها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بمستقبل التسوية السياسية للأزمة السورية وفقاً لمشروطية “التسوية مقابل إعادة الإعمار”.
كما تتعلق الزيارة بمدى تقييم الصين لمستقبل النظام السوري في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي، نتيجة لغياب أية محاولة من قبل النظام لتسوية الأزمة سياسيا.
وكذلك، تتعلق الزيارة بمدى توظيف الصين لحالة الشراكة الاستراتيجية مع نظام الأسد في مواجهة الأطراف الأخرى، التي تناوئ كلاً من الصين والنظام السوري على حد سواء، وهى الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ووفق التحليل، فإن الزيارة حملت طابع “التحدى”، وعكستها حفاوة الاستقبال الضخم الذى استقبلت به بكين الرئيس السورى على كافة المستويات السياسية والإعلامية، والذي يخضع نظامه لعقوبات أمريكية.
وتنصرف إلى تصنيف الزيارة على كونها إحدى محاولات النظام السوري لاستكمال مساعي “كسر العزلة” التي بدأتها عدد من الدول العربية، وبعض القوى الإقليمية تجاهه، على مدار العامين الماضيين.
ويلاحظ أن كلاً من روسيا وإيران (خصوم الولايات المتحدة الرئيسيين) قد ساهما بفعالية في محاولات كسر عزلة النظام السوري والتقريب بينه وبين العديد من الدول العربية والإقليمية، على الرغم من أن مردود هذا التقارب لم يعكس حتى اللحظة النتائج المرجوة منه بصورة كاملة.
كما ترتبط الزيارة بمحاولة الصين تنويع نمط علاقتها بدول الشرق الأوسط، لتشمل الأبعاد السياسية، بدلاً من قصرها ولسنوات طويلة على العلاقات الاقتصادية والتجارية فقط، حيث بات واضحاً أن ثمة مساراً تحاول الصين تفعيله في منطقة الشرق الاوسط، مؤداه السعى إلى لعب دور سياسى جديد في المنطقة التي كانت لعقود طويلة “حكراً” على تفاعلات الولايات المتحدة.
وتتمثل الزيارة كذلك في مدى نجاعة الاتفاقات الاقتصادية والتعاون المشترك بشأن مشاركة الصين فى مجال إعادة الإعمار فى سوريا، والقيود والعقبات التى تواجهها، ليس فقط بسبب العقوبات الدولية المفروضة على النظام، والتي تؤثر بالفعل على عملية الإعمار، ولكن أيضاً بسبب مدى جهوزية الوضع الاقتصادى والأمنى فى سوريا لاستقبال الشركات الصينية العملاقة، والتى بالضرورة تستثمر من أجل العائد الربحى.
وتتعلق الزيارة كذلك بسعى نظام الأسد إلى الانتقال بمستوى أعلى بشأن الحصول على الدعم من مستوى “الدعم الإقليمى” إلى مستوى “الدعم الدولى”، وذلك بالحصول على شراكة استراتيجية مع “شريك دولى” يثق به.
ووفق التحليل أيضا، فإن الصين تسعى من وراء هذه الزيارة، فى الاستفادة من موقع سوريا الاستراتيجى فى مبادرة الحزام والطريق الصينية والتى انضمت سوريا إليها فى عام 2022.
كما أن هناك “ثمة تطلعات صينية تستهدف الاستثمار فى مينائى طرطوس واللاذقية، على الرغم من التمركز الروسى التجارى والعسكرى فيهما”.
ولكن وبالنظر للعلاقات المتوازنة بين روسيا والصين، فمن المحتمل أن تسمح روسيا للاستثمارات الصينية الدخول إلى المينائين، هذا إلى جانب الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لمباردة الحزام والطريق التي يعسكها مسار الربط السككي بين إيران والعراق وصولاً إلى ميناء اللاذقية في سوريا.
وتسعى الصين كذلك للاستثمار في قطاع النفط السوري، حيث أعادت الشركة الصينية الوطنية للطاقة والكيماويات هيكلة نظمها الإدارى لفرعها الموجود في سوريا، بخلاف المباحثات التي تتم من وقت لآخر بين الشركة وبين الإدارة الذاتية الكردية فى شمال سوريا بشأن إدارة آبار النفط فى شمال شرق سوريا.
ووفق التحليل أيضا، فإن الصين تحاول لعب دور أكثر فعالية على مستوى التسوية السياسية للأزمة السورية التي لازالت وبعد 12 عاماً من الصراع عصية على الحل، حيث أن سعى الصين إلى تغيير نمط إدارة النظام الدولى من شأنه أن يغير بالتبعية فى نمط “إدارة التسوية” للأزمات الكبرى.
في المقابل، ووفق التحليل، يحاول النظام السورى الوصول إلى شراكات استثمارية وتجارية جديدة وسريعة مع الصين من شأنها مساعدته على مواجهة أعباء وتداعيات الأزمة الاقتصادية المستحكمة، خاصة مع بوادر جديدة لتظاهرات شعبية فى بعض المناطق احتجاجاً على تردى الأوضاع المعيشية بها.
كما يستهدف النظام السورى الحصول على مزيد من الدعم من قوى دولية فى مثل الوزن السياسى والاقتصادى للصين، لاسيما بعد عدة تطورات طرأت خلال الأسابيع الماضية على خريطة التفاعلات الخاصة بالأزمة السورية.