فؤاد البطاينة
الحرب الاوكرانية انتشرت وتحولت الى حرب باردة بين الكبار في الشرق والغرب لن تسخن. نعم التهديد النووي أصبح معلناً على لسان الطرفين ومن يتابع ما وراء الأخبار يلمس استعدادات هجومية ودفاعية واستخبارية تشمل وسائل الإتصال والإمداد بحرا وجوا ويابسة، إلا أن كل هذا لا يعني أن الحرب العالمية النووية ستكون خيارا لطرف، فلا أحد يريدها. لكنه الحذر والحيطة من خطأ غير محسوب. إذاً على ماذا نحن مقبلون؟ سؤال شروط الإجابة عليه غير ناضجة لدى أصحاب العلاقة المباشرة، وهذه بحد ذاتها أزمة مكللة بعدم وضوح الرؤية سببها أن أمريكا لم تكن تضع في حسابتها هذا الصمود والتحدي الروسي ولم تحسب أن انعكاس التبعات السلبية التي أرادتها على روسيا سترتد بقسوة عليها وعلى حلفائها الأوروبيين.
طالما افترضنا أن الإجابة على السؤال غير جاهزة عند أي طرف، فهي ولا شك ستتحدد في ضوء ما تحقق على الأرض للآن ومن التطورات الميدانية التي سنعرفها من مؤشراتها. وبهذا أمامنا النقاط التالية التي تساعدنا على تبلور الإجابة لدى أمريكا من خلال قراءة سلوكها وسيرورته، بصفتها في ورطة والأكثر حرجا:
ـ أولا: من أهم النتائج التي استقرت للآن نتيجة مجريات الحرب أن القرار أصبح مختمراً ومتخذاً من قبل المعسكر الشرقي غير المتشكل كحلف بأن “لا ” للقطب الواحد، و”لا” للنظام النقدي وشرعية الدولار واحتكاره وتسيده، وتشكل حوله توافق دولي واسع. فتجربة القطب الواحد بعد تفكك الإتحاد السوفييتي شهدت إيغالاً بالتطبيق الإمبريالي الإستعماري وتحييداً للقانون الدولي وبطشاً بسيادة الدول وبالأمن الجماعي للعالم والشعوب وأنتجت فوضى سياسية أدخلت البشرية في حالة من عدم الاستقرار والأمان وتشرد شعوب بحالها واتساع رقعة اللجوء، والعنف والفقر والمرض. بينما كان فرض الدولار وسيلة أساسية لكل ذلك ولسرقة مقدرات الشعوب والسيطرة الأمريكية. هاتان النقطتان القطب الواحد والدولار هما المطروحتان على الطاولة الأمريكية كمحددين لسلوكها في هذه المرحلة، وتعلم أمريكا بأن مسألة القطب الواحد أصبحت في خبر كان بالنسبة لروسيا على الأقل.
ـ ثانياً: المرحلة الحالية لا تشهد مبادرات لحل سياسي رغم الحاجة الدولية الماسة لها، بعكس ما شهدناه في بداية الحرب، وهذا أمر طبيعي لاتساع رقعة التورط والتوريط للدول في ذيول الحرب. لكنا نشهد استقطاباً أمريكاً وروسياً للدول المؤثرة. فنحن هنا أمام إصرار روسيا وأقطاب الشرق على نظام دولي جديد يلغي القطب الواحد وربما ثنائيته ويُلغي نظام الدولار، وأمام أمريكا الامبراطورية العالمية وتقودها الصهيونية اليهودية لمخططاتها، وأمام أوروبا القوية وهي تحت الإستعمار الأمريكي. وبالمناسبة فالدول العربية بفضل حكامها المأجورين بكراسي، تستعمرها أمريكا لحساب الصهيونية وما هي إلا للنهب والإستخدام.
ـ ثالثاً: كون دول أوروبا الحليف الأساسي لأمريكا تحت ضغطي شعوبها المتنامي، ووعي حكامها على أن استخدامهم لمعاداة روسيا أو عزلها عنهم يعرض أوروبا ومصالحها للخطر وللأزمات المتصاعدة التي يعيشونها نتيجة الحرب. فهي مؤهلة للتغيير بعلاقاتها التحالفية مع أمريكا وعدم الدفع باتجاه التصعيد. وهذا سوف يكون له تأثير سلبي على أمريكا على المستوى الدولي، وتأثير توعوي إيجابي لدى الدول التي اعتادت الخضوع لرغبات أمريكا على حساب مصالحها الوطنية. وكما تعلم أوروبا بأن التصعيد قد يصنع محوراً من (روسيا، الصين، الهند من البنليكس الأسيوي) الى جانب إيران على سبيل المثال وسيكون أكبر تحدياً ناجحا ومتفوقاً في مواجهة أمريكا وحلفائها اقتصادياً وعسكرياً وبالتأكيد هذا سينمي ضغطها على أمريكا.
أخلص الى أن أمريكا تشعر بظرفها السياسي الحرج، وبعدم قدرتها على إسعاف حلفائها الأوروبيين، وبعدم دعم الناتو للتصعيد ضد روسيا، وبعدم رغبتها بالمغامرة بمواجهة روسيا في حرب عالمية، وبتراجع ثقة حلفائها عامة بها. ولذلك فهي في ورطة بعنوان “ماذا أفعل “. وفي مثل هذه الحالة فإنها ستبحث عن وسيلة لخلط الأوراق لتغيير الإتجاه الدولي وتعزيز مركزها. فهناك مؤشرات متعمدة وغير مسبوقة على نيتها في التصعيد لحرب طالما دُفعت إليها من قبل “إسرائيل ” تبدأ بعدوان سافر على أيران. وإيران في أزمة داخلية. ومن المؤكد أن مثل هذه الحرب إن حدثت فلن تسقط إيران ولن تُحدث أي تأثير جوهري فيها. ولكنها ستستهدف السعودية لتحدث تغييرا فيها يؤمن سيطرتها على نفطها، وستنال من مقدرات بقية دول الخليج وتفرض نفسها قيمة على مقدراتها من الغاز والنفط.
سيناريو أمريكا هذا إن نُفذ فسيوفر فرصة اتساع ساحة المناورة أمامها، ويخفف من ضغوطات الشعوب الأوروبية على حكوماتها، وسيوقف بوادر تفكيك انسجام دول حلف الناتو، وسيجعل من منطقة الشرق الأوسط والإقليم بلا إيران منطقة نفوذ أمريكي بلا معيقات أو تحديات. وسينزع ورقة الطاقة من روسيا وبالتالي سيضعف من صمودها ويغبر مسار الحرب الاوكرانية ونتائجها، وهذا لن يكون في صالح الصين ويأتي ببالغ الضرر على العرب وقضيتهم. ولا بديل عن تجاوز مشكلة اختلاف السياسات والاستراتيجيات بين روسيا والصين لصالح مأسسة حلف شرقي عسكري ردعي بموازاة حلف الناتو الذي تعاظم وضم العديد من أعضاء وارسو بعد تفكيكه. فنظرة الدولتين لجانب كبار أسيا، موحدة على مفهوم الخطر الأمريكي عليهم جميعاً وأبرزه الاستفراد بهم. فلا سلام ولا صلح ممكن بين الفكر الإمبريالي والأخر. وأخيراً لماذا لا يكون سيناريو العدوان على إيران وهدفه أمام دول الخليج.