حسناء نصر الحسين
كأحجار الدومينو تتهاوى المخططات الأمريكية الغربية في النيل من تاريخ روسيا الاتحادية التي لم يسجل لها خسارة لأي حرب خاضتها عبر مر التاريخ بالإضافة لأنها لم تكن يوما جزءا من تاريخ أي احتلال لأراضي دولة أخرى بل ساهمت بشكل كبير في صناعة مستقبل دول كانت تحت الاستعمار الأمريكي و الغربي بل كانت جزءا هاما في صناعة انتصار الغرب في الحرب العالمية الثانية ودفعت أثمانا باهظة لتحرر هذه الشعوب من النازية ورسمت مستقبل هذه الدول بدماء ابنائها .
وان كنا نؤمن ان في السياسة لا يوجد عواطف ولا معاملة مثالية تتمثل برد الدين لروسيا ، الا اننا نحافظ في هذا المقام على سرد هذا التاريخ لنذهب الى ما هو واقعي والمتمثل بأن روسيا التي دحرت النازية في عقود سابقة لأجل اوروبا من حقها ان تحاربها اليوم لأجل أمنها واستقلالها ومستقبل شعبها وحمايته من الأخطار الجسام التي ستتعرض لها في حال نجح المشروع الأمريكي في أوكرانيا .
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الرابع وما زالت امريكا ومن معها تراهن على خسارة روسيا في هذه الحرب او على الأقل منعها من اعلان النصر مع ان الواقع الميداني يقول بعكس ذلك تماما ، وعلى الرغم من ذلك نرى الاستماتة الأمريكية في المضي قدما بدعمها بترسانات الأسلحة المتطورة لأوكرانيا والعصابات المتواجدة فيها التي اتت من اكثر من دولة في العالم لتقاتل الجيش الروسي في محاولة منها لإحداث تغيير في خارطة السيطرة الروسية الا ان النتائج بأغلبيتها تكون لصالح الجيش الروسي ولو كان قد تعثر قليلا في بداية الحرب .
راهنت واشنطن في الأسابيع الأولى لهذه الحرب على انهيار الاقتصاد الروسي الذي لو حصل سينعكس بشكل كبير على المواطن الروسي الذي وبحسب الرغبة الأمريكية سينتفض في وجه حكومته ويسقطها ، الا ان الرياح لم تجري كما اشتهت السفن الأمريكية والغربية بل بدأت العملة الروسية في ارتفاع غير مسبوق امام الدولار بما انعكس على الاقتصاد الامريكي الأوروبي بشكل كبير فبدل ان تعم المظاهرات شوارع موسكو رأيناها في العواصم الغربية .
كل المحاولات والعقوبات الامريكية الغربية على موسكو والآن يتم الحديث عن اعلان الحزمة السادسة من العقوبات الهستيرية التي ستؤدي حتما الى ثورة اقتصادية عالمية كما وصفها كبار الكرملين وهذا يعني أن امريكا تقامر بمستقبل العنصر الابيض قبل غيره من شعوب المعمورة وسيزيد من نسبة التضخم في الاقتصاد العالمي بشكل لم يشهده العالم من قبل وهذا سيكون احد أهم عوامل انهيار حكومات عالمية وصعود أخرى بدت أكثر قوة وقدرة على الصمود .
عند بدء الحرب الروسية الأوكرانية كانت واشنطن ترغب في انزال خسارة مدوية لموسكو عبر انتهاج استراتيجية الدفع بهذه الحرب للدرجات القصوى واعاقة سبل المفاوضات والاستمرار بهذه الحرب حتى آخر مواطن أوكراني اما اليوم فمن الواضح ان استراتيجية واشنطن تغيرت مع تغير الاستراتيجيات الروسية بإدارة هذه المعركة الدولية لتتبنى استراتيجية مفادها الاستمرار في التسليح والابتزاز حتى آخر أوروبي .
بعد فشل واشنطن بتحشيد دول وحكومات ضد موسكو ومنهم من هم في حلف الناتو الذين طالبو باستثنائهم من مقاطعة الغاز الروسي ودول اخرى في الشرق الأوسط والعالم تسعى واشنطن لبث الذعر في نفوس شعوب العالم من خلال تقديم الكرملين على انه المسؤول عن مجاعة عالمية باتت وشيكة تهدد الحياة الإنسانية وهنا يتضح للجميع كذب واشنطن من هذه الدعاية لأن من امتهن سياسة افقار الدول وشعوبها عبر شن الحروب وسرقة مقدراتها لا يحق له ان يبدي اي مخاوف على مستقبل الغذاء العالمي .
عمدت واشنطن وطيلة عقود مضت ومن بوابة الهيمنة الأمريكية على احتلال دول وتدمير بنيتها التحتية وسرقة مواردها وفرض العقوبات الجائرة عليها بما انعكس على شعوب هذه الدول وعاشت مجاعة حقيقية وهنا لا اجد افضل من ذكر سورية كأنموذج للسياسات الامريكية المعتمدة على التجويع لأجل التركيع والانصياع لمخططاتها ، سورية الدولة الوحيدة التي كانت تعيش باكتفاء ذاتي وليس عليها اي مديونية لصندوق النقد الدولي وفيها من المحاصيل الزراعية والثروة الذهبية المتمثلة بسنابل القمح ما يكفي شعبها لسنوات واليوم الشعب السوري يعاني بفعل الاحتلال الأمريكي التركي وعصاباتهم من العطش والجوع .
ركزت واشنطن منذ بدء عدوانها على سورية على رسم مخططات لأذرعها الارهابية باستهداف صوامع الحبوب وحرق المحاصيل الزراعية وسرقة القمح عبر احتلالها وذراعيها الادارة الذاتية (قسد ) و العثماني وأعوانه في الجغرافية التي تعتبر السلة الغذائية والاقتصادية للشعب السوري في الجزيرة السورية ، فكيف لدولة كهذه ان تخاف او تقلق على مصير الشعوب من الجوع ، الا ان واشنطن ترى هزائمها امام اعينها وهذا ما يدفع قادتها للجنون عبر الذهاب لهذه الحملة الاعلامية الجديدة النغمة باتهامها موسكو بأنها ستكون مسؤولة عن عدم خروج القمح الاوكراني من مرفأ اوديسا الذي يسيطر عليه الجيش الروسي المزروع بالألغام الاوكرانية وهنا نستطيع ان نجزم بأن المخاوف الأمريكية ليست على القارة الافريقية بل على كراسي حلفائها الذين سيطاح بهم في حال نفاذ مخازنها من القمح .
وهنا نقول بأن السياسات الأمريكية الطامحة للحفاظ على هيمنتها ستعيد عمليات القرصنة الى الواجهة وستكون امريكا والغرب اول من يقوم بهذا العمل كما فعلوا سابقا خلال فترة ازمة كورونا وكيف كانت القرصنة الامريكية الغربية للسيطرة على المواد الطبية المتجهة لدول اخرى .
هذا السناريو مرجح بشكل كبير مما يشكل خطرا كبيرا على أمن وسلامة الملاحة لناحية ظهور عصابات القرصنة بجانب الدول لسرقة شحنات القمح المتجهة الى أصحابها بما يساهم في كشف الوجه الحقيقي للمجتمع الدولي الحالي الذي مارس القرصنة عبر سرقاته واحتلاله لمقدرات الشعوب ولم يحاسبه احد، وسنرى شقاقا جديدا في صفوف امريكا وحلفائها الغربيون لرغبة كل منها بالسطو على البواخر المحملة بالقمح وسنرى تبدد هذا التحالف وهو يغرق في عرض البحار والمحيطات. .