الرئيسية / أخبار / كورونا يزيد قبضة الديون الصينية على العالم

كورونا يزيد قبضة الديون الصينية على العالم

ارتفع الدين الخارجي المستحق على الصين بمقدار 16.7 مليار دولار في الربع الثالث 2021، ليستقر عند 2.7 تريليون دولار أمريكي.

وذكر بيان صادر، الأحد، عن المتحدث باسم إدارة الدولة للنقد الأجنبي وانج تشون ينج، قوله إن مسار الدين العام المسجل حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بقي مستقرا في نسب النمو.

ويعود ارتفاع الدين العام الخارجي المسجل، إلى زيادة مشتريات المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الصينية، والتي تمثل أموالا مستحقة على السلطات المحلية.

وتملك الصين أصولا احتياطية تتجاوز قيمتها 3.3 تريليونات دولار أمريكي، منها قرابة 1.1 تريليون دولار، عبارة عن استثمارات للمركزي الصيني في السندات والأذونات الأمريكية.

بشكل عام، يمكن تقسيم ديون الصين إلى ديون محلية ودين خارجي، فالدين المحلي الصيني، المقوم بـ “اليوان” يتكون من ثلاثة مكونات، ديون الشركات، والأسر المعيشية، والديون الحكومية. ديون الشركات تشمل قروض القطاع الخاص والشركات المملوكة للدولة، والدين العام هو مزيج من ديون الحكومة الوطنية والمحلية، وديون الأسرة هي الدين المشترك لجميع أفراد الأسرة، بما في ذلك ديون المستهلك وقروض الرهن العقاري، أما الدين الخارجي للصين بعملات أخرى غير “اليوان”، فهو يشمل اقتراض شركات القطاع الخاص من البنوك الأجنبية، والائتمان المتعلق بالتجارة للشركات الصينية من الشركاء التجاريين الأجانب، وسندات الدين الصادرة عن الشركات الصينية المملوكة للدولة وشركات القطاع الخاص للمستثمرين الأجانب، وهكذا فندت “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”، الصحيفة المملوكة لـ “مجموعة علي بابا” والتي تواجه ضغوطاً من بكين لإغلاقها ديون الصين.

العالم مدين للصين

كل الديون التي يدين بها العالم للصين تقريباً رسمية، تأتي من الحكومة والشركات التي تسيطر عليها الدولة، وعلى مر السنين كانت الصين أكبر مقرض سيادي في العالم، تقرض اقتصادات ناشئة مثل تلك الموجودة في أفريقيا، كما أن بكين مالكة كبيرة لسندات الخزانة الأميركية، وتمول بشكل فعال عجز الموازنة الفيدرالية في الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن العديد من القروض في البلدان النامية تتم بين الحكومات، ولا تكشف الصين في كثير من الأحيان عن تفاصيل أو شروط القروض.

وتعمل بكين على توسيع مشاريعها الخارجية الممولة بقروض مدعومة من الدولة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة استثمار طموحة في البنية التحتية لبناء السكك الحديدية والطرق والبحر وطرق أخرى تمتد من الصين إلى آسيا وأفريقيا وأوروبا.

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد التمويل الدولي في يناير (كانون الثاني) 2021، زادت مطالبات الديون الصينية المستحقة على بقية العالم من حوالى 1.6 تريليون دولار أميركي في عام 2006 إلى أكثر من 5.6 تريليون دولار أميركي اعتباراً من منتصف عام 2020، مما يجعل الصين واحدة من أكبر الدول التي تقرض البلدان منخفضة الدخل.

مستوى ديون الصين الحالي

وارتفعت مستويات ديون الصين بشكل كبير عام 2020 نتيجة للسياسة المالية المتساهلة للمساعدة في إنعاش الاقتصاد المتضرر من فيروس كورونا، لكن الحكومة الصينية قالت منذ ذلك الحين إن خفض الديون يمثل الآن أولوية في منع تراكم مزيد من الديون المعدومة.

وقدرت المؤسسة الوطنية الصينية للتمويل والتنمية، وهي مؤسسة فكرية مرتبطة بالحكومة، الدين الإجمالي للبلاد عند 270.1 في المئة من إجمالي الديون، والناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020، ارتفاعاً من 246.5 في المئة في نهاية عام 2019.

وانخفضت الرافعة المالية الإجمالية بمقدار 2.1 نقطة مئوية في الربع الأول من عام 2021 إلى 268 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفض الدين المنزلي إلى الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى على أساس ربع سنوي منذ عام 2012، ولكن بنسبة ضئيلة فقط، وفقاً لـ “المؤسسة الوطنية الصينية للتمويل والتنمية (إن إف آي دي)”، من 62.2 لكل فرد.

وفي نهاية عام 2020 وصلت إلى 62.1 في المئة في الربع الأول من عام 2021، وضمن فئة ديون الأسرة، ارتفعت قروض المستهلكين من 13.4 في المئة أواخر عام 2020 إلى 13.9 في المئة في الربع الأول من عام 2021.

وانخفض الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2021، وأظهرت تقديرات المؤسسة الوطنية الصينية للتمويل والتنمية أن نسبة الرافعة المالية للحكومات المحلية انخفضت من 25.6 في المئة في نهاية عام 2020 إلى 24.7 في المئة في الربع الأول من عام 2021.

وبلغ الدين الخارجي المستحق للصين، بما في ذلك ديون الدولار الأميركي، 2.4 تريليون دولار أميركي في نهاية عام 2020، بزيادة أربعة في المئة مقارنة بالإجمالي في نهاية سبتمبر (أيلول) 2020، وفقاً لإدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي.

من يملك ديون الصين؟ 

معظم ديون الحكومة المحلية في الصين مملوكة من قبل المؤسسات المالية المملوكة للدولة أو التي تسيطر عليها الدولة، ولعقود من الزمان اعتمدت الحكومات المحلية في الصين على الاقتراض خارج الموازنة العمومية من خلال آليات التمويل الحكومية المحلية، ولا يتم تسجيل العديد من هذه القروض، فالشفافية ضعيفة عندما يتعلق الأمر بكيفية استخدام الأموال. وقدرت “ستاندرد آند بورز” هذه الديون الخفية بما يتراوح بين 30 تريليون يوان (4.2 تريليون دولار أميركي) و40 تريليون يوان (6.2 تريليون دولار أميركي) في عام 2018.

وبالمقارنة، بلغ إجمالي الدين الحكومي المحلي المستحق 26.6 تريليون يوان (4.1 تريليون دولار أميركي) في نهاية أبريل (نيسان)، وفقاً لوزارة المالية، وعادة ما يحتفظ بالديون الصينية مستثمرون مؤسسون محليون مثل البنوك التجارية، تليها بنوك السياسة، وهي بنوك مملوكة للدولة، وتدعم ممارسات الاستثمار والإقراض السياسات الحكومية، بما في ذلك إصدار سندات لجمع الأموال للاستثمار في البنية التحتية وشركات التأمين.

ومن ناحية أخرى، وضع المستثمرون الأجانب أموالهم في سوق السندات الصينية والتي تتكون من السندات الصادرة عن الحكومة الوطنية والمحلية، الحكومات والشركات الخاصة، إلى جانب الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري وغيرها من الأوراق المالية المدعومة بالأصول.

وتعد سوق السندات الصينية الآن ثاني أكبر سوق بعد الولايات المتحدة، ومنذ عام 2016 أصبح متاحاً للمستثمرين الأجانب من خلال المخططات التي تسيطر عليها الحكومة مثل برنامج “بوند كونيكت” و”برنامج المستثمر المؤسسي الأجنبي المؤهل”.

وتشكل السندات الصينية في نهاية أبريل حوالى 3.4 في المئة من السندات المتداولة في سوق ما بين البنوك، وإجمالاً 58 في المئة من هذه السندات هي سندات الخزانة، و27.9 في المئة مستثمرة في السندات المصرفية السياسة، وفقاً بيانات من بنك الشعب الصيني.

كيف تغير مستوى ديون الصين؟ 

ينمو الدين المحلي للصين بمتوسط معدل سنوي يبلغ نحو 20 في المئة منذ عام 2008، أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي. وفي محاولة لمواجهة تأثير الأزمة المالية العالمية، أطلقت بكين حزمة تحفيز بقيمة أربعة تريليونات يوان (586 مليار دولار أميركي) في عام 2008 لتعزيز اقتصادها، ما أدى إلى زيادة الاقتراض من قبل الحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة.

ومنذ عام 2016 زادت الصين من جهودها لخفض تراكم ديونها للحد من الأخطار المالية في إطار حملة تقليص المديونية التي يقودها البنك المركزي.

ومع ذلك فقد أدى الوباء الذي بدأ في عام 2020 إلى ارتفاع معدل الرفع المالي الإجمالي للصين مرة أخرى.

نتيجة لذلك، جددت الحكومة الصينية جهودها للسيطرة على مستويات الدين المحلي، وبخاصة في سوق العقارات المضاربة، وأثارت سلسلة من حالات التخلف عن السداد في السندات المباعة من قبل الشركات الحكومية التي تسيطر عليها الحكومات المحلية في أواخر عام 2020 مخاوف من أنها قد تؤدي إلى أزمة مالية في القطاع المصرفي الذي تهيمن عليه الدولة في الصين.

وفي أبريل قال مجلس الدولة، مجلس الوزراء الحكومي، إن آليات التمويل الحكومية المحلية التي تستخدمها الحكومات المحلية لتجاوز حدود الاقتراض، يجب إعادة هيكلتها أو إفلاسها إذا كانت غير قادرة على سداد الديون، ونمت أيضاً بسبب سعي الدولة إلى الحصول على الأصول الأجنبية، ومع ذلك فقد تباطأ توسعها في الخارج إلى حد ما منذ عام 2015 بسبب مجموعة من العوامل مثل تباطؤ النمو المحلي، وضوابط رأس المال والتنظيم، وزيادة التدقيق من قبل الدول الأجنبية في الاستثمار الصيني.

كيف تغيرت ديون الصين للأسواق الناشئة؟ 

هناك دلائل على أن الإقراض المصرفي الصيني للسياسة الخارجية في إطار مبادرة الحزام والطريق قد تباطأ منذ عام 2016 بعد عدد من الجدل حول اتفاقات القروض مع دول مثل سيريلانكا وباكستان وفنزويلا وماليزيا وغيرها، وسلطت سيريلانكا الضوء على ممارسات الإقراض الخارجية الصينية، وزعمت حكومة الولايات المتحدة أن بكين تنخرط في دبلوماسية “فخ الديون”.

ومنذ ذلك الحين، أعادت بعض البلدان مثل ماليزيا تقويم مقترحات البنية التحتية، وألغت أو أعادت التفاوض على مشاريع جديدة، وقالت بكين من جانبها إنها ستركز على الإقراض لمشاريع أكثر استدامة.

وقالت مجموعة “روديوم” ومقرها الولايات المتحدة في مذكرة بحثية في يناير 2021 إنها تتوقع أن تشهد انخفاضاً حاداً في إقراض البنية التحتية العالمية في الصين في عام 2020، إذ حشدت الصين والبلدان المتلقية الموارد من أجل أزمة كورونا، وسعت إلى تخفيف ضغط الديون من خلال إعادة التفاوض على القروض الحالية.

ما هي التوقعات بالنسبة لمستوى ديون الصين والإقراض الخارجي؟ 

كان مستوى الدين المحلي للصين مدفوعاً بشكل أساس برغبتها في تنمية اقتصادها بأسرع ما يمكن، ولطالما تم تقويم أداء المسؤولين الحكوميين المحليين بشكل كامل تقريباً على أساس قدرتهم على تحقيق النمو الاقتصادي، وقد كان هيكل الحوافز هذا جزءاً لا يتجزأ من النجاح الاقتصادي للصين منذ أن أطلقت إصلاحات السوق منذ أكثر من 40 عاماً، وما دامت الصين تنمو، بمعدل سريع معقول، يستطيع المقترضون تحقيق أرباح كافية في مشاريعهم لسداد الديون المستحقة عليهم، ومع ذلك أشارت الحكومة الصينية إلى أن سرعة النمو الاقتصادي ليست مرغوبة كما كانت من قبل، وبالتالي قالت إنها تنوي للحفاظ على متوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي على مدى السنوات الخمس المقبلة ضمن نطاق “معقول” في خطتها التنموية للفترة 2021 – 2025، وتم تسليط الضوء على خفض الديون كواحدة من خمس مهمات رئيسة هذا العام، إذ تسعى بكين إلى خفض مخزون المساكن الفائض وتقليل الطاقة الزائدة في قطاعات معينة.

ويوفر الاستثمار الخارجي للصين فرصة لزيادة التجارة والأعمال وتعزيز اقتصادها، في حين تمكّن مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة السياسة الخارجية المميزة لبكين، الصين من الاستفادة من قوتها الاقتصادية لزيادة نفوذها في الخارج، وعلى هذا النحو سيتأثر مستوى الدين الخارجي للصين أيضاً بأهداف سياستها الخارجية في إطار مبادرة الحزام والطريق، وأثار الإقراض الخارجي المتزايد تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي أن يستمر في تلقي قروض من البنك الدولي كدولة نامية، فقد عارضت الولايات المتحدة بصفتها أكبر مساهم في البنك الدولي، إقراض الصين.

وكان رئيس مجموعة البنك الدولي، ديفيد مالباس، قد انتقد وزير المالية الصيني، ليو كون، وعمليات الإقراض التي تبذلها الصين لتمويل مشاريع البنية التحتية للطرق والحزام، قائلاً إن القروض تترك البلدان الأضعف في ظل “ديون مفرطة ومشاريع منخفضة الجودة”.

وشدد مالباس على أن من المهم إيجاد “حلول دائمة لأعباء الديون التي لا يمكن تحملها على أفقر بلدان العالم”، وحث الصين على التركيز على “شفافية الديون والحاجة إلى المشاركة الكاملة في معالجة الديون من قبل حاملي السندات والدائنين من القطاع الخاص، وكذلك جميع الدائنين الثنائيين الرسميين “.