فؤاد البطاينة
تعرف إسرائيل، بأن بقاء احتلالها لفلسطين ومشروعها الصهيوني مرتبط بعوامل لا تنتهي. وهي في منطقتنا لا تنحصر بإخضاع الدولة العربية، بل أيضاً في استدامة تربعها على عرش التفوق العسكري النوعي والردعي في المنطقة، وتعلم أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيشكل أكبر خطر على ميزان القوة والردع بينهما وليس الأسلحة التقليدية بما فيه الصاروخية المعزولة عن السلاح النووي. ناهيك عن أن إسرائيل في هذا تنظر أيضاً الى أن نجاح ايران بمسعاها سيحفز تركيا وربما دول شرق أوسطية أخرى في أن تتبع وتحاكي إيران في بناء مشروعها النووي ً.
ما أود قوله هنا، أن إسرائيل تواجه مُعضلة أساسية في تسوية الملف النووي الإيراني تمثل لها نقطة ضعف أساسية. ومن الأهمية بمكان لإيران الإنتباه لها. وهي أن طبيعة النظرة والمفهوم لهذا الملف بالنسبة للغرب وأمريكا مختلفة عن طبيعة ونظرة ومفهوم إسرائيل له، وبالتالي فإن طبيعة الصراع القائم مع إيران على خلفية الملف مختلفة ما بين الغرب وإسرائيل، والهدف بينهما مختلف. فانضمام دولة ما للنادي النووي لا يشكل خطراً وجوديا على الغرب ولا هو حدث جلل لها ولا يسوى التضحيات لمنعه ولا منعه أمر سهل، وهناك العديد من الدول النووية في مرتبة إيران. بل ما يهمهم في الملف النووي الإيراني الصعب جدا هو استثماره أو استخدامه كأداة ضاغطة على إيران من أجل ابتزازها السياسي والتفاهم معها لإخراجها من المعسكر المعادي لهم وتأمين استقرار تحالفاتهم ومصالحهم الإستعمارية والإقتصادية والجغرافية في المنطقة العربية. ولن يصروا على تحقيق كل ما يريدونه من إيران دفعة واحده في المفاوضات الدائرة وإنما يهمهم إنجاحها على شروط وثغرات تكفي لبناء قاعدة لمفاوضات قادمه نحو الحقيقة التي يسعون إليها.
من هنا فإن على إيران أن تتأكد من حقيقة اختلاف طبيعة صراع الغرب معها عن طبيعة صراع إسرائيل معها لحيوية ما يترتب على هذا من ضرورة الحذر من الإنجرار لمواقف متصلبة تؤدي لفشل هذه المفاوضات الذي سيعزز مساعي إسرائيل لتأمين حرب دولية على إيران لا يسعى لها الغرب ولا إيران. ولا أقول هنا بتنازلات إيرانية جوهرية أو غير محسوبة بل تطويل النفس. فنجاح المفاوضات من مصلحة أمريكا والغرب أيضاً، الذين يعلمون بأن لا قوة في المحصلة تستطيع منع إيران من إنتاج سلاحها النووي. فالحرب القائمة الآن بالنسبة لإيران يجب أن تُفهم على أنها حرب سياسية على الطاولة بينها وبين الغرب لا تحتمل أن يكون فيها خاسر ولا تحتمل الفشل. وأسجل هنا لإيران قدرتها في مواجهتها السياسية التفاوضية منفردة لكل الغرب مجتمعين وأعيب على روسيا هروبها عن الطاولة.
وعلى إيران أن لا تنسى بأن نظرة أمريكا والغرب لها وأهدافهم فيها تختلف جذريا عن نظرتهم للدول العربية وللوطن العربي وأهدافهم فيه. فهناك مصلحة مشتركة وانسجام كبير بين السياستين الغربية والإسرائيلية إزاء تدمير الوطن العربي واستعماره. وما جرى في العراق لا يُخطط له أن يجري في إيران. فالعراق كان مستهدفاً كقطر عربي ناهض أولاً ومُتمرد ويُشكل خطرا على استعمار أمريكا للمنطقة العربية ولأنظتها الحليفة والخاضعة ثانياً. ونتذكر هنا تصريح كيسنجر في حينه بأن العراق سيكون التالي لافغانستان على الرغم من علمهم بسقوط ذريعة الارهاب عن العراق. ولذلك كان من مصلحة أمريكا أن تتمسك بذريعة أسلحة الدمار الشامل الساقطة أيضاً وبجعلها قضية لها زيفاً مطلوبا.
من الصعب أن نتصور أمريكا والغرب يصلون لمرحلة شن حرب مفتوحة على إيران، ولكن من الخطورة بمكان لإيران أن تستبعد حدوثها عند نقطة، فغالباً ما يجر الخطأ الى أخطاء أكبر، والأبواب المغلقة تولد حلول المغامرات. ولا مصلحة لحدوثها إلّا لإسرائيل التي تحاول خلط الأوراق في المنطقة وتهدد بأخذ المهمة على عاتقها وحدها. لذلك فإن نجاح المفاوضات الغربية مع إيران سيُحبط بالتأكيد نوايا إسرائيل ويجعل من خيار شنها هجوما منفرداً على مرافق نووية إيرانية أو منتقاه خياراً قاسيا عليها وبالتالي مُستبعد بالمنطق، وإذا ما أقدمت عليه فسيكون هذا نقطة تحول غربي وعالمي سلبية إزاءها، ولكن لطبيعة الكيان الصهيوني اللاأخلاقي وعبثية غرور مقولته never again فقد تفعلها.
وفي حال فِعلها المستبعد منطقياُ، فستفقد ما يتجاوز عدم تحالف الغرب معها في شن الهجوم على إيران، إلى صنع سابقة في عدم قدسية تعاطف الغرب معها بلا حساب. وستقتصر مشاركة الغرب في هذه المرة فقط على حماية وجودها. ومن المرجح جداً في حالة انفرادها بشن هجوم على الداخل الإيراني، أن يكون الرد الإيراني محدودا ومحسوباً إذا كان في العمق الإسرائيلي، ولن تسمح إيران لحزب الله في المشاركة بالرد لأن هذا سيصنع فرقاً كبيراً في النتائج السلبية جداً على إسرائيل وجبهتها الداخلية وإمكاناتها المبنية، مما يُقحم الغرب في حرب على وجود حزب الله. وهذا إن حصل سيشكل فرصة لأمريكا والغرب لنزع أكبر ورقة عسكرية سياسية من يد إيران ويضع النظام السوري في موقف ضعيف جدا تأخذ فيه روسيا دورا إملائياً مباشراً عليه يؤدي لتقطيع أوصال سوريا بين الطامعين.
وبالمناسبة المتصلة بالموضوع، فإن جانباً كبيرا من تفسير توجه دول الخليج للتقارب مع إيران هو أمر لا يمكن فصله عن خوف هذه الدول من عواقب وخيمة ترتد عليها من حرب محتملة على إيران، ولا فصل هذا التقارب عن رغبة إسرائيل وتعليماتها، وعن تسريبات خادعة ً للتسويق. فهناك مصلحة لإسرائيل في أن تتم مسرحية التقارب بين عملائها وأعدائها.. وإيران بدورها تبادل التقارب هذا بالقبول، بل وتسعى إليه في محاولة لتطمين دول الغرب على مصالحها في الخليج. إلا أن هذا التقارب لا أراه بوقته لصالح أمريكا. ولكن على أية حال فإن اندلاع حرب مفتوحة يشترك بها الغرب ستكون دول الخليج كلها متورطة فيها بحكم كونها قواعد غربية وستكون أهدافا سهلة. وأيضاً في حال أن اتجهت اسرائيل منفردة لهجوم على أهداف منتقاة في إيران ووجدت الأخيرة نفسها في وضع صعب للرد في العمق الإسرائيلي فسوف تضطر لضرب أهداف في دول الخليج كعامل ضغط على المصالح الأمريكية والغربية عموماً.
وبهذا، تهمنا إيران وسلامتها كدولة اسلامية وتناطح عدونا الوجودي وداعميه بصرف النظر عن أهداف أخرى تقال. وتعز علينا أيضاً مقدرات ألوطن العربي بأي قطر كان. ولكن يؤسفنا عندما تكون هذا المقدرات المالية والاقتصادية والخدماتية مسخرة من أنظمة عربية لخدمة كيان الإحتلال لفلسطين ومشروعه في الوطن العربي. فإذا كانت هذه المقدرات وأراضي الأقطار العربية الخليجية تستخدم أيضا أو استخدمت للعدوان على ايران فماذا ستكون مشاعر وردة فعل الشعب العربي من ضرب ايران لتلك المقدرات في أية حرب محتملة. أترك الجواب لضمير المواطن العربي.
أمّا بقدر ما يتعلق الأمر بفلسطين فإن تحريرها لا يكون إلّا من خلال مشروع فلسطيني المنشأ والقيادة، طبيعته ونهجه المقاومة المسلحة التي لا تعرف المحذورات أمام محذور وطن مقدس يُحتل ويهوَّد ويطرد شعبه. مقاومة تكون متاحة ً لمشاركة كل مواطن عربي أو مسلم أو حر، ولكل عقل وتمويل شريف. وبمساندة ودعم من ترغب من أنظمة الدول العربية والإسلامية والدول الحرة في العالم، قوامه فرض الضغوطات بأنواعها على أمريكا والغرب وعلى كل من يدعم الكيان الصهيوني أو يعترف به وباحتلاله. ولا تعويل على غير هذا المشروع إلّا انتظار تخلي أمريكا والغرب عن تبني الكيان الصهيوني ليسقط عندها من ذاته. أمّا مشروع المقاومة هذا فلا يحتاج إلّا لبزوغ نخبة فلسطينية – عربية مؤهلة تقفز عن الوضعين الفلسطيني والعربي وتتداعى لهذا الغرض وتطوف العالم من أجله.. ومشروع سلطة أوسلو قد لا يسقطه إلا مقابلته بمشروع المقاومة. تماما كما أسقطت إسرائيل انتفاضة التحرير الأولى بمشروع أوسلو.
كاتب وباحث عربي