الرئيسية / أخبار / هل اقتربت الحرب؟

هل اقتربت الحرب؟

نادر الصفدي

“هل اقتربت الحرب بين إيران وإسرائيل؟”، بات هذا السؤال هو المُسيطر بقوة على الساحتين العربية والدولية، ويبحث عن إجابة مقنعة وواضحة تفسر ما يجري في ظل المؤشرات والتصريحات والتهديدات التي تُنقل ساعة بعد ساعة وجميعها تصل لنقطة واحدة وتؤكد بأن المواجهة اقتربت كثيرا.

إسرائيل وقبل أسابيع من إعلان موعد انطلاق المحادثات الدولية في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني وسبل انقاذ اتفاق 2015 المُهدد، لم تتوانى للحظة واحدة في بث مصطلحات “الحرب والتصعيد والتهديد والوعيد” لإيران للضغط عليها ومحاولة للتأثير وتغيير شروطها وقواعدها التي تضعهم دائمًا على طاولة الحوار مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي ومواجهة “السرطان الأكبر” في المنقطة وهو دولة الاحتلال.

ولكن، ما تم نشره اليوم من تقارير داخل إسرائيل يؤكد فعليًا بان الحرب قد اقتربت كثيرًا وأن ساعة إطلاق الصاروخ الاول فقط تنتظر القرار النهائي لإعلان الحرب التي بخشاها الجميع، وقد تكون لها نتائج كارثية وخطيرة على كل دول المنطقة وفق رؤية مراقبون ومحللون.

وتستعد إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، حال فشل المفاوضات مع إيران حول مستقبل برنامجها النووي، وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن إسرائيل متشائمة جداً من نتائج المفاوضات النووية بين إيران والدول العظمى في فيينا حيث تستعد جدياً لتوجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية.

وقالت الصحيفة إن:” الجيش رفع من درجة التأهب استعداداً لتنفيذ هجمات عسكرية في إيران وبخاصة سلاح الجو وجمع المعلومات، بينما اجتمعت لجنة التسلح التابعة للحكومة الأحد الماضي وأقرت ليس فقط شراء 12 طائرة “سوبر يسعور” للنقل الجوي بل أقرت أيضاً شراء ذخائر متعددة ومن بينها صواريخ للقبة الحديدية”.

وبالإضافة إلى ذلك أقرت الولايات المتحدة بيع “إسرائيل” صواريخ وقنابل ذكية من أنواع مختلفة وبكميات كبيرة حيث تبلغ تكلفة الاستعدادات العسكرية لضربة جوية ضد المنشآت الإيرانية حوالي 5 مليارات شيقل.

  • السيناريو الأخطر

وحول سيناريوهات ضربة عسكرية تجاه إيران وتداعياتها على الكيان من الناحية العسكرية أوضحت الصحيفة أن التقديرات تشير إلى إمكانية اندلاع حرب واسعة بعدها قد ينضم إليها حزب الله أيضاً وستتعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى هجمات صاروخية بمعدل 2500 صاروخ يومياً ودمار أكثر من 100 مبنى في كل يوم من أيام الحرب حيث جرى التدرب مؤخراً على سيناريوهات مماثلة.

في حين تظهر مسألة مقارنة الضرر الذي قد تلحقه حرب كهذه على الكيان مقابل الهجمات العسكرية تجاه المنشآت الإيرانية وكيفية إقناع الجمهور الإسرائيلي أن الفائدة من الضربات أكبر من الخسائر.

وحول ردود الأفعال الأمريكية على ضربة عسكرية كهذه فهنالك خياران الأول أن تقف على الحياد خلال الضربات، أما الخيار الثاني فهو مسألة الدعم والتغطية الأمريكية للكيان بعد توجيه هكذا ضربات واندلاع حرب حيث تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة ستهب لمساعدة الكيان بالأسلحة المختلفة حال اندلاع حرب كهذه.

وخلال الأيام الماضية تصاعدت التهديدات بأعمال عسكرية بين إيران وإسرائيل بشكل ملفت بالتزامن من عودة مفاوضات الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى، وإجراء مناورات عسكرية في البحر الأحمر وخليج عُمان، بإشراف أميركي ومشاركة كل من إسرائيل والإمارات والبحرين.

وقال عسكريون إسرائيليون كبار إن قواتهم تستعد لاحتمال نشوب صراع مسلح مع إيران ووكلائها في المنطقة، وذكر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال أفيف كوخافي، أن الجيش الإسرائيلي “يسرع الخطط العملياتية والاستعداد للتعامل مع إيران والتهديد العسكري النووي”.

في المقابل، رد قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني، العميد أمير علي حاجي زاده،  قائلا إن النظام الوحيد الذي يتحدث عن البقاء هو إسرائيل، “لذا، نظام يتحدث عن وجوده محكوم عليه بالتدمير ولا يمكن أن يتحدث عن تدمير دول أخرى”.

ورأى علي حاجي أن التصريحات الإسرائيلية هي “تهديدات موجّهة بالدرجة الأولى إلى الاستهلاك الداخلي وهم يعرفون أنهم يمكنهم أن يبدأوا (بالإعتداء)، لكن النهاية ستكون بيدنا، وهذه النهاية هي تدمير النظام الصهيوني”.

وزعم أنه “في حال قدموا لنا الذريعة سيكونون بالتأكيد يسرّعون من موعد تدميرهم”.

ويرى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، أن هذه التهديدات المتبادلة طبيعية بسبب الخلاف التاريخي بين البلدين، مشيرا إلى أن “التهديدات الإيرانية تعتمد على ثوابت الدولة منذ الثورة الإسلامية عام 1979”.

وأرجع صدقيان تصاعد حدة التهديدات هذه الأيام، إلى “رغبة إسرائيل في تعطيل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي 2015، من خلال إثارة التوترات في المنطقة وتوجيه التهديدات إلى طهران”.

وأشار إلى أن “إسرائيل تعارض أي مفاوضات مع إيران، وتلعب دورا نشطا منذ 2015، لتعطيل هذه المفاوضات”.

وكانت إسرائيل من المعارضين لإبرام الاتفاق النووي عام 2015 بين طهران والقوى الكبرى، وعقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، وفرض العقوبات مجددا على إيران، تخلت الجمهورية الإسلامية تدريجيا – وعلنا – عن القيود على برنامجها النووي، وأعلنت ارتفاع مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى أكثر من 210 كيلوغرامات، في أحدث بادرة على التحدي قبل انطلاق المحادثات النووية المقبلة مع الغرب.

تنظر إسرائيل إلى إيران على أنها تمثل تهديدا وجوديا، وحذرت من أنها ستستخدم القوة العسكرية إذا لزم الأمر لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، ونفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على أهداف عسكرية مرتبطة بإيران في سوريا المجاورة في العقد الماضي، لكنها نادرا ما تعترف بعملياتها.

وكانت قد قالت إن وجود إيران بالقرب من حدودها الشمالية خط أحمر، وإنها تستهدف شحنات أسلحة متجهة إلى جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران ومنشآت مرتبطة بإيران في سوريا.

وفي يناير الماضي، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أنه أصدر تعليمات للجيش بالشروع في وضع خطط هجوم جديدة لضربة على المنشآت النووية الإيرانية، وفي الشهر الماضي، كشفت تقارير صحفية أن الحكومة خصصت مليارات الدولارات لجعل هذه الخطط قابلة للتطبيق، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.

  • الثمن الباهظ

وعلى ضوء هذا التوتر استهل روبرت فارلي -الأستاذ بكلية باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية في “جامعة كنتاكي” (University of Kentucky) الأميركية- مقالا له في موقع “ناشونال إنترست” (National Interest) الأميركي يستشرف فيه مآلات التوتر بين إيران وإسرائيل، ويستعرض ميزان القوى بين البلدين والثمن الباهظ الذي سيدفعانه هما والمنطقة برمتها جراء الحرب.

ويرى فارلي -في مقاله- أنه بالرغم من المناوشات التي جرت بين إيران وإسرائيل على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن كلا البلدين يدركان أن الحرب المفتوحة ليست في مصلحتهما، لكن إذا تغيرت تلك النظرة في أي من البلدين، فإن ذلك قد يقود إلى نشوب حرب بينهما.

ويشير الكاتب إلى أن طهران قد تقرر دخول حرب مع تل أبيب لتحويل الأنظار عن مشاكلها الداخلية، كالانتفاضة الشعبية وتدهور الاقتصاد. وقد ترى أن حربا قصيرة ضد إسرائيل قد تعود عليها بمكاسب سياسية في المنطقة تفوق المخاطر المترتبة على الحرب.

ومن جهتها، قد تقرر إسرائيل أن حربا سريعة ومدمرة قد تساعد في نزع الشرعية عن إيران وزعزعة استقرارها، وتسهم في الحد من نفوذها في المنطقة. فالإسرائيليون يدركون أن قصف مدنهم بوابل من الصواريخ الإيرانية سيكون غير مريح، ولكنهم يرون أن الحرب مع إيران لا تشكل خطرا وجوديا بالنسبة لإسرائيل.

وفيما يتعلق بميزان القوى بين الطرفين، يرى فارلي أن إسرائيل تتفوق على إيران في شتى المجالات العسكرية باستثناء الصواريخ الباليستية التقليدية.

وباستطاعة سلاح الجو الإسرائيلي أن يضرب أهدافا في جميع أنحاء إيران، بالرغم من أنه قد يواجه تحديات للحفاظ على الإذن بالتحليق في أجواء الدول المجاورة لإيران إذا طال أمد الحرب.

ويقول الكاتب إنه سيكون من الحكمة عدم مشاركة سلاح الجو الإيراني في الحرب، الذي ربما لا يتجنب التعرض للتدمير بسبب بُعد قواعده الشرقية عن إسرائيل. كما تتمتع إسرائيل بقدرات بحرية كبيرة تستطيع عن طريقها التغلب على أذرع إيران على الأرض.

ومن جهتها، تملك إيران مقدرات عسكرية كبيرة في كل من سوريا والعراق. وتستطيع صواريخ إيران الموجودة في البلدين ضرب أهداف في جميع أنحاء إسرائيل، وقد تتغلب مؤقتا على شبكة أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، كما تستطيع إيران قصف إسرائيل بالصواريخ الباليستية من الأراضي الإيرانية.

ويتساءل البروفسور والمؤلف الأميركي -في مقاله- عن أمد الحرب في حال نشوبها، ويستعرض جملة من العوامل التي من شأنها أن تلعب دورا محوريا في تحديد ذلك، ومن بينها المخزون الصاروخي للفصائل والحركات التي تخوض حربا بالوكالة لصالح إيران، وقدرة تلك الجهات على تحمل “العقاب الإسرائيلي” كما يصفه الكاتب.

وفي المقابل، فإن إلحاق إسرائيل أضرارا كبيرة بإيران من شأنه استنفاد النوايا الحسنة لدول الخليج العربي، كما سيعتمد طول الحرب وقصرها على موقف الولايات المتحدة منها.

ويقول فارلي إنه بالرغم من تردد الولايات المتحدة الملحوظ في ضرب إيران خلال السنوات القليلة الماضية مع وجود ذرائع للقيام بذلك، فقد تكون أكثر ميلًا للتدخل لصالح إسرائيل.

وخلص المقال إلى أن تكلفة الحرب الباهظة سيدفعها -في النهاية- المدنيون الأبرياء في البلدان التي ستشملها، والذين لا علاقة لهم بكيفية وأسباب شن تلك الحرب.