د. شهاب المكاحله
لا يمكن فصل ما يجري في أفغانستان ولبنان والعراق وسوريا واليمن عما يسمى بالشرق الأوسط الجديد. الضغط الاقتصادي الذي يفرض على سوريا ولبنان والعراق وغيرها من الدول هو لإعادة ترتيب الأوراق من أجل الحصول على المزيد من التنازلات الصينية والروسية والإيرانية في الكثير من الملفات. لكن كيف سيكون ذلك؟
منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والأنظار تتجه إلى نقل عدد من المسلحين من العراق وليبيا وسوريا إلى أفغانستان حسب ما يراه الكثير من الاستراتيجيون. بدأت فكرة إعادة نشر المجموعات الإرهابية في أفغانستان في سيناريو يشبه إلى حد كبير ما حدث إبان المواجهة العسكرية بين ما سمي حينها بالأفغان العرب والاتحاد السوفيتي، ولكن هذه المرة لن تكون المواجهة مع روسيا وحدها بل مع الصين أيضا لأن واشنطن تنظر إلى العلاقة التشاركية بين موسكو وبيجينج على أنها حجر عثرة في وجه الطموحات الأميركية إذ من الصعب التأثير على كلا الدولتين ما لم يتم فك شيفرة التشابك المصلحي فيما بين القيادتين الروسية والصينية بما يخدم المصالح الأميركية.
ففي حال نقل عدد من الجهاديين المتحصنين في إدلب السورية ومن مناطق حدودية بين العراق وسوريا، فإن الهدف سيكون لممارسة المزيد من الضغط على إيران عبر الضغط السياسي والاقتصادي المتمثلين في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الدول التي تتواجد بها قوات إيرانية، تمهيداً لإخراج العراق وسوريا ولبنان من سياسة المحاور والتخفيف من تواجد القوات الأميركية في دول الخليج العربي بتشكيل تحالف ما بين العراق وسوريا والأردن ولبنان ومصر يحاكي في قوته الاقتصادية تركيا وإيران.
سيتم نقل عناصر من التنظيمات الإرهابية من سوريا والعراق وليبيا إلى أفغانستان لخلق بلبلة للصين وروسيا للحصول على تنازلات سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة تمهيداً للوصول إلى حل سياسي للأزمة السياسية في سوريا والتي ستنعكس نتائجها على العراق والأردن ولبنان لأن الخلاف الحالي بين واشنطن وموسكو على سوريا ليس اقتصادياً أو سياسياً فحسب بل يتعلق بآلية إدارة البلاد، إذ ترى الولايات المتحدة ضرورة التقسيمات الإدارية وفق فيدراليات لها صلاحيات إدارية لكن تتبع كلها للمركز من الناحية العسكرية والأمنية والسياسية.
حين أعلنت الولايات المتحدة عزمها الانسحاب من أفغانستان لم يكن ذلك بمحض الصدفة بل كان بعد دراسة كافة التداعيات والاحتمالات لانسحاب كبير وأثره على المصالح الأميركية. ولعل الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيكون باكورة الانسحابات الأميركية من مناطق ودول أخرى شرق أوسطية منها العراق وعدد من دول الخليج العربي وفق ما يراه بعض الاستراتيجيين الأميركيين.
فالمواجهة مع الصين أو روسيا طويلة وليست نزهة لذلك لا بد من إضعاف بيجينج أولاً ثم موسكو ثانياً بخلق بؤر توتر على حدودها لتبقى كلتاهما دوماً في دوامة الخطر. هناك أكثر من ٣٠٠٠ من المسلحين من الإيغور في سوريا وحوالي ٥٠٠٠ من أواسط آسيا ممن تشكل عودتهم إلى مناطق سكناهم قرب الصين وروسيا توتراً بالغاً للدولتين.
فهل سيتغير وجهه منطقة الشرق الأوسط بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟ وهل نقل عدد من المسلحين من سوريا والعراق وليبيا إلى كابول سيؤثر على طبيعة العلاقة بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى بما يزيد حدة التوتر أم أننا سنرى تنازلات من أحد الطرفين للآخر؟