الرئيسية / أخبار / تراجع مكانة “اسرائيل” في امريكا

تراجع مكانة “اسرائيل” في امريكا

هناك مؤشرات كثيرة من داخل امريكا تظهر ان “اسرائيل” قد تحولت بالفعل الى موضوع خلافي بين الحزبين الرئيسيين, او في طريقها لتصبح كذلك. وهذا تطور مهم جدا ولافت للنظر ولم يكن احد يتصور حدوثه قبل سنين قليلة. فعلى مدى عقود طويلة كانت “اسرائيل” ومصلحة “اسرائيل” محل اجماع بين الحزبين الذين قد يختلفان على كل شيء باستثناء تأييد “اسرائيل”. كان السياسيون يتسابقون على ايّهم يتخذ مواقف علنية اكثر دعما والتصاقاً بــاسرائيل.

الامور تتغير. وقبل فترة قصيرة نشرت صحيفة الغارديان البربطانية مقالا تتحدث فيه جيل جديد مؤيد للفلسطينيين يصعد في صفوف الحرب الديمقراطي وحتى في ادارة بايدن. الشباب بالذات لم يعودوا يترددون في التعبير عن مواقف ناقدة جدا لاسرائيل ومؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال. لم تعد الرواية الاسرائيلية للاحدث تؤخذ على علاتها حتى في اوساط الاعلام الأشد تأييداً لاسرائيل من ناحية تاريخية.

وحتى الزعماء الكبار التقليديون للحزب الديمقراطي, ومنهم بايدن نفسه, خفتت نبرة تأييدهم لاسرائيل وإن كانوا لا يزالون يحافظون على موقفهم العام الداعم لها. صار هؤلاء أكثر تركيزاً على الحديث عن “حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها” ورفضهم “للهجمات الصاروخية عليها” ولم يعد كلامهم يحمل في ثناياه معنى الدعم المطلق لاسرائيل كما في السابق بل صار غالباً يأتي محشواً بعبارات مزعجة نوعاً ما لاسرائيل من قبيل ذكر المستوطنات او حدود 1967 .

الاسباب كثيرة. ومنها المزاج العالمي الذي لم يعد يطيق الاستعمار وأنظمة الاحتلال. ومنها وسائل التواصل الاجتماعي وخروجها عن سيطرة الاعلام التقليدي. ومنها ايضاً الخطأ الكبير الذي ارتكبه بنيامين نتنياهو, الذي يحكم اسرائيل من سنين طويلة جدا, في زجّ “اسرائيل” كطرف في السياسة الداخلية الحزبية في الولايات المتحدة. لقد كسر نتنياهو تقليداً راسخاً في السياسة الاسرائيلية منذ ايام دافيد بن غوريون بأن تبقى “اسرائيل” على مسافة واحدة من الحزبين الكبيرين في امريكا, الديمقراطي والجمهوري, بحيث تحظى بدعمهما معاً وحتى لا تتأثر بتغير الرؤساء والحكومات, وبالفعل هذا ما كان حاصلاً فتمكنت اسرائيل من ضمان استمرار الدعم السياسي والمالي والعسكري لها من امريكا بجميع مؤسساتها التنفيذية والتشريعية.

الخطأ الفاحش الذي ارتكبه نتنياهو كان بالانحياز الى الحزب الجمهوري والانخراط العلني في سياسة داخلية امريكية معادية للحزب الديمقراطي,وخصوصا الجناح الليبيرالي والتقدمي فيه. صار نتنياهو اليوم, ومن خلفه اسرائيل ككل, مرتبطاً بأقصى يمين الحزب الجمهوري وترامب وجماعات المسيحيين الانجيليين المتطرفين. وأصبح خصوم ترامب في امريكا, وهم كثر, يرون نتنياهو في مربّع خصمهم وتابعاً له. وقد كانت لحظة الذروة في سياسة نتنياهو المعادية للحزب الديمقراطي وقيادته في ايام ادارة اوباما حين زار واشنطن دون التنسيق مع الادارة وألقى خطاباً عاطفياً طويلا في الكونغرس داعياً اعضاءه الى معارضة الرئيس وإحباط خططه في ابرام اتفاق مع ايران. تلك لحظة لا تنسى في التاريخ الامريكي حين كرّس نتنياهو نفسه وحكومته كطرف في السياسة الامريكية الداخلية. الصدام العلني مع الرئيس الامريكي كان خطأ فادحاً عواقبه طويلة المدى ومن الصعب اصلاحه, علماً بأنه لم يؤدّ الى النتيجة التي ارادها نتنياهو, فنفّذ اوباما سياسته وأبرم اتفاقه مع ايران رغم أنفه. وفي تقديري أن ذلك الموقف من نتنياهو لم يكن ناتجاً عن جهل او غباء او قلة خبرة بل كان بسبب اختلاف في النظرة الاستراتيجية بين اوباما و نتنياهو الذي يرى في ايران خطراً وجودياً على كيانه وبالتالي فالتصالح الامريكي معها يمثل تهديدا لا يمكن السكوت عنه ويستحق المخاطرة لأجل إفشاله.

تخطى نتنياهو حدوده حين تصادم مباشرة مع الرئيس الامريكي, فاسرائيل هي الذنب وأمريكا هي الرأس, والتابع لا يمكن أن يقود المتبوع. وعليه ان يدفع ثمن ذلك ولو بعد حين.