لقد فجروا بيروت وفجروا معها قلوبنا، تحولت بيروت مؤخرًا بشكل سريع وكانت حزينة ومتعبة بالفعل، كان مثيرًا للحزن والغضب أن نرى مدينتا المحبوبة تتغير، وكيف لم تعد حياتنا كما كنا نرغب وكما كنا نعرف، كيف أصبح الناس منهكون وكيف فقدوا وظائفهم ودخلهم، وكيف أصبح البؤس مصيرنا الوحيد.
لم يكن معقولًا أن نضطر للتعامل مع السقوط المالي الحر الذي تسبب فيه حكم المافيا والثورة المضادة وقمع المعارضة ثم جائحة كورونا التي استنزفت البنية التحتية والقدرات الطبية للبلاد.
لقد كنا نعش بلا كهرباء ونعاني من نقص الخبز والوقود ولا توجد دولارات أو تأشيرات سفر للخروج من هذا الجحيم، كنا نعيش في الجحيم بالفعل، لقد فقدنا الثقة -ربما لم تكن لدينا من الأساس- لكننا بدأنا نشعر أيضًا بفقدان الأمل بعد الوعود الكبيرة لثورة أكتوبر والإحساس بالهزيمة الذي أعقبها، كل هذا كان قبل الانفجار.
مع انفجار 4 أغسطس تضاعف كل ذلك بمقدار زليون، ما حدث لنا في لبنان لم يكن حادثة ولم يكن سوء حظ، إن وصف حياتنا بأنها سلسلة من المصائب وسوء الحظ أمر مثير للغضب، وإزالة المسؤولية عن المجرمين الذين لم يسرقوا حاضرنا فقط بل ماضينا ومستقبلنا هو أمر مهين.
أي انتخابات دون تحولات هيكلية جادة في النظام لن تؤدي إلى شيء أكثر من تغييرات تجميلية.
لم تتبخر أموالنا لكنها سُرقت، ولم تفشل ثورتنا بل تم إيقافها بالقوة، لم تسقط منازلنا لكنها دُمرت، ولم تنته حياتنا لكننا قُتلنا، كل ما حدث يعد جريمة، إنها جرائم متعمدة ومدروسة، لقد كان انفجار 4 أغسطس جريمة ضخمة ضد الإنسانية ومع ذلك استغرق الأمر أسبوعًا من الحكومة لتستقيل.
ظهرت الانتخابات البرلمانية المبكرة كأكثر سيناريو محتمل، لكن أي انتخابات دون تحولات هيكلية جادة في النظام لن تؤدي إلى شيء أكثر من تغييرات تجميلية، وغالبًا ستنتج المزيد من نفس الحكام المسؤولين عن انفجار بيروت.
قريبًا من الموت
لأكثر من 6 سنوات كان الموت يجلس بجوارنا في مرفأنا الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي لصادراتنا التي نعتمد عليها بشكل أساسي للبقاء على قيد الحياة، من المثير للسخرية أن يكون شريان حياتنا الرئيسي هو مكان موتنا القبيح أيضًا.
منذ 2013 كان هناك حوالي 2750 طن من نترات الأمونيوم مخزنة في مرفأنا بواسطة دولة المافيا الإجرامية التي تحكمنا، طوال هذه السنوات كان الموت جارنا لكننا لم نكن نعلم، كان السياسيون يعلمون بشأن المتفجرات في المرفأ لكن لم يفعل أي منهم شيء لحمايتنا.
كان لديهم أكثر من 6 سنوات لفرزها لكن بدلًا من أن يكون الأمر أولوية لهم، كانوا مشغولون بكيفية التربح منها ومن كل شيء آخر حولهم، كانوا يعلمون حجم الكارثة التي قد تنجم عن هذه المتفجرات وتم تحذيرهم من ذلك عدة مرات لكن الإهمال كان شعارهم، هذا ليس سوء حظ، إنه أمر مثير للغضب.
لقد عشت أكثر من 10 انفجارات في بيروت، وكانت جميعها مروعة وصادمة لكن لا شيء يشبه ما عشناه في 4 أغسطس، كان كبيرًا بشكل لا يُصدق، حتى الآن لا أصدق أننا نجونا، لقد رأينا الموت بأعيننا، كانت الأرض تهتز تحت أقدامنا والسماوات تسقط فوق رؤسنا.
كان هناك دماء وزجاج مكسور وغبار وأشخاص يصرخون في كل مكان، كان الناس يجرون في كل الاتجاهات وهم في جراحهم يبحثون عن أحبابهم، امتلأت المستشفيات خلال دقائق ولم يكن أحد يفهم ما حدث، عندما رأيت الأخبار تقول أن الانفجار حدث نتيجة انفجار يتضمن ألعاب نارية مخزنة في ميناء بيروت، شعرت كأننا في فيلم هووليودي بائس.
دولة الزومبي
منذ أن وقع الانفجار فقدنا ذكرياتنا وشوارعنا ومنازلنا وحياتنا وآمالنا وقدرتنا على التنفس دون استنشاق مواد كيميائية سامة، فقدنا قدرتنا على الاستمتاع بلحظة من الصمت دون أن نسمع طنينًا في آذاننا وتطاردنا أصوات الزجاج المكسور، والأهم من ذلك أننا فقدنا قدرتنا على الاعتقاد بأننا وصلنا للحضيض.
هذه المافيا -كل من كان في السلطة خلال الثلاث عقود الماضية- مسؤولة بشكل مباشر عن تدمير بيروت وتدمير حياتنا، إنهم مسؤولون عن تحويل البلاد إلى جحيم، لقد دمرونا وتعاملوا مع حياتنا وكأنه يمكن التخلص منها وخلقوا دولة من الزومبي دون أي خضوع للمسائلة ودون أي قواعد أمان أساسية.
لقد أفرغوا مؤسسات الدولة من أي سلطة مفيدة وخلقوا نظام مافيا بديل مستعد لقتل أي شخص من أجل بقائه، ما فعلوه ليس أقل من أن يكون جريمة ضد الإنسانية، لم يكن لدنيا سوى البحر وصوامع الحبوب في المرفأ لنشكرهم على امتصاص الكثير من الانفجار، فلولا وجودهم لم يكن ليبقى أحد على قيد الحياة ليروي ما حدث.
لندع الغضب يقودنا في الأيام القادمة، فبيروت ومواطنيها يستحقون الأفضل بكثير.
لقد فقدنا مع الانفجار كل شيء ولم يبق لنا سوى الغضب، وهذه المرة اللعبة صفرية، فإما أن ننجو ونضع حدًا لتلك المافيا الحاكمة، أو تنجو هذه العصابة وتقتلنا جميعًا.
بعد تفجير وحرق مدينتنا أعلن المسؤولون عن حالة طواريء وأصبحت بيروت تحت الحكم العسكري، بعدها بيوم واجه المتظاهرون في وسط بيروت قمع شديد وغاز مسيل للدموع ورصاص مطاطي يستهدف عيون المتظاهرين مرة أخرى.
هذه القصة لم تنته بعد، فالشوارع ستنفجر مرة أخرى، لكن هذه المرة إما ستكون حربًا شاملة أو ثورة شاملة، إذا لم يؤد هذا الانفجار الضخم لتغيير جذري في لبنان فلن يفعل أي شيء آخر، إذا مر هذا الأمر دون حساب ودون تحول سياسي جاد فإننا بذلك نوقع على مذكرة وفاتنا.
مع ظهور الحديث عن انتخابات مبكرة، من الضروري أن نطالب بمنع جميع الأحزاب والسياسيين الذين كانوا في منصب سلطة منذ اتفاقية الطائف عام 1990، من المشاركة في الحياة السياسية بعد 4 أغسطس.
يجب أن ينتهي نظام مشاركة السلطة على أساس طائفي نيوليبرالي قبل أن نتمكن من بدء الحديث عن تحول ديموقراطي من خلال انتخابات في لبنان، لندع الغضب يقودنا في الأيام القادمة، فبيروت ومواطنيها يستحقون الأفضل بكثير.