«لبنان ليس وحيدًا»، حين غرَّد بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باللغة العربية عبر حسابه على «تويتر» جاءه الرد مفاجئًا «تعا وجيب معك الانتداب، ما بقى بدنا هالاستقلال». وعلى غرابة هذا الردّ الذي صاغته الممثلة اللبنانية كارمن لبس، تبيَّن أنه ليس مجرد رأي فرديّ، بل مطلب جماعي وقع عليه قرابة ما يزيد عن 61 ألف شخص حتى وقت كتابة هذه السطور كما يظهر على موقع «أفاز».
وسرعان ما انتقلت الشعارات الافتراضية إلى واقع على الأرض؛ ففي «مشهدٍ خارجٍ عن الأعراف» أصرّ ماكرون على الوقوف والاستماع لمطالب المُواطنين اللبنانيين «وكأنّما هو مسؤول في الحكومة اللبنانية». وفي المقابل طالبه لبنانيون – باعتباره المُخَلِّص – بأن يقدم المساعدات المالية مباشرة إلى ضحايا الانفجار والمنكوبين، دون تمريرها عبر الحكومة اللبنانية التي تعجّ «بالفساد»، وتجاوب معهم الرئيس الفرنسي بسرعة: «لاتقلقوا، سأحرص على أن تُسلَّم المساعدات مباشرة للضحايا».
حتى الانتقادات الموجهة لفرنسا بالتدخل الفجّ في الشأن اللبناني، مسحها مراسل صحيفة «لوموند» للشؤون الدبلوماسية، بيوتر سمولار، بجملة «ادعاءات متفهَّمة، لكنها مهتزة»، ووضع مكانها صورة ماكرون في بيروت التي رأى أنها «ستظل لحظة رئيسية في سياسته الخارجية»؛ بالنظر إلى الحشود التي خرجت لمطالبة فرنسا بإنقاذها، في مقابل الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى الطبقة الحاكمة اللبنانية.
غزوة ماكرون الاستعمارية الجديدة
ربما لم يخطر على بال اللبنانيين الذين فاض كيلهم وترنموا بشعارٍ يهدف إلى هدم المعبد على رؤوس كل النخب السياسية التي يرونها فاسدة حتى النخاع ولا أمل في إصلاحها؛ أن يصل اليأس لاستدعاء الاحتلال الفرنسي واستقبال ممثله بالورود.
لكن على جانب آخر، هناك من يرى أن «استجداء الانتداب» نتيجة مباشرة لانعدام الثقة المتفشّي في لبنان، والشعور المرير بالخذلان الذي تجاوز دهاليز السياسة ليحطّ في ساحة القضاء اللبناني، الذي شككت منظمة هيومن رايتس ووتش في قدرته على إجراء «تحقيق موثوق وشفاف»، ولذلك طالبت بـ«تحقيق حيادي يجريه خبراء دوليون».
وحين تقدم المنظمة الحقوقية «أدلة أولية» تشير إلى أن بعض القضاة كانوا على علم بتخزين نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت لكنهم لم يتحركوا، فأي بابٍ بقي ليطرقه اللبنانيون، خاصة وأن المنظمة وثقت حالات سابقة «لم يلتزم خلالها القضاء بالقانون أو يجرِ تحقيقات مستقلة وشاملة في ادعاءات ضد الانتهاكات الحكومية»؟
لكن – أيضًا – لا يزال البعض يحذر من أن فرنسا قد تكون «الخنجر المسموم لأمريكا والسعودية في خاصرة لبنان الجريح؛ فحصارهم فجّر لبنان قبل سماع دوي التفجير، ولبنان يعاني الحصار قبل أن تذرف دماؤنا على أرض بيروت الحبيبة».
بل ألمحت كل من أنجيلا تشارلتون وسارة الديب في تقريرٍ نشرته وكالة «أسوشيتد برس» أن فرنسا لا تساعد لبنان، بل تحاول «إعادة غزوه مرة أخرى»، واستشهدتا بغضب النقاد الذين وصفوا تصرفات ماكرون بأنها «غزوة استعمارية جديدة يشنها زعيم أوروبي يسعى لاستعادة السيطرة على أرض مضطربة في الشرق الأوسط، وصرف الانتباه عن المشاكل المتزايدة التي يواجهها في عقر داره».
علاقة فرنسا ولبنان في الماضي والحاضر
«وطبعًا أبدًا ما بننسى، أمنا الحنونة فرنسا»
جملةٌ اشتهرت في التسعينيات، أطلقها برنامج كوميدي لبناني بمناسبة كأس العالم الذي استضافته فرنسا. وحين يردد اللبنانيون وصف «الأم الحنون»، تختلف مقاصدهم كما تختلف مشاربهم؛ ما بين ساخرٍ يلمز المستعمر السابق، ومادحٍ يرى أن ساسة باريس أشفق بوطنه من ساسة بيروت.
ويمكن القول بأن هذا الشعار الذي يحمل في طياته توجُّهَيْن متناقضَيْن، يُلَخِّص باقتدارٍ العلاقة الإشكالية والمتشعّبة مع فرنسا، والتي لم تحظَ يومًا بإجماع اللبنانيين، ويلخص أيضًا نظرة فرنسا للبنان وكأنها لا تزال تحت «انتدابها».
صحيحٌ أن الدور الفرنسي تراجع في لبنان منذ انتهاء الحرب اللبنانية، لتحلّ محله مجموعة من الرعايات العربية والإقليمية – من «الطائف» إلى «الدوحة» – حتى انحصر الدور الفرنسي لفترةٍ في العلاقات الشخصية، إلا أن باريس تأبى أن تخسر صفة «الأم الحنون» المزعومة، لذلك لا تفتأ تحاول في كل نكبةٍ تحيق بلبنان أن تستدرك ما فاتها خلال السنوات الثلاثين الماضية.
هذا ما حرص عليه رؤساء فرنسا، على اختلاف توجهاتهم، من جاك شيراك مرورا بنيكولا ساركوزي وليس انتهاء بإيمانويل ماكرون، الذي لعب دورا علنيًا في أزمة سعد الحريري مع الرياض، وضغط على الفرقاء اللبنانيين لتعجيل تشكيل الحكومة، ورفض تصنيف بريطانيا لحزب الله منظمة إرهابية، باعتبارها ممثلًا في الحكومة، ورعى مؤتمر «سيدر» لدعم الاقتصاد اللبناني.
ولم يكن الفرنسيون وحدهم الحريصين على تقوية هذا الرابط، بل حين استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عند درج الإليزيه في عام 2015، ذكّره الأخير في لقائهما الذي استمر 45 دقيقة بـ«العلاقة التاريخية التي كانت تربط الآباء المؤسسين لدولة لبنان الكبير بأحفاد نابوليون».
«من نحن؟».. خلافٌ على الهوية ممهورٌ بتوقيع الدم والاستعمار
ما بين يمينٍ ينادي بفينيقيّة لبنان والتماهي مع الثقافة الفرنسية، ويسار وقوميين ينادون بعروبته والتمسك بالعمق الإقليميّ؛ تمزّق لبنان أشلاء، ليس فقط على المستوى المجازيّ بل حرفيًا في ساحة الحرب الأهلية التي انطلقت شرارتها عام 1975. ومثلما كانت الخلافات على الهوية هي الوقود الأكثر اشتعالًا في الحرب الأهلية، فإنها لا تزال وقود الجدل الدائر حاليًا بين اللبنانيين على مواقع التواصل وفي شوارع بيروت.
ولفهم هذا النوع من الحكايات المتشابكة لا بد وأن نعود إلى الجذور؛ ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اخترع القسيس والمستشرق البلجيكي لامِنس هوية «فينيقية» لمنطقة جبل لبنان، التي تمكنت فرنسا وحلفاؤها من إجبار الخلافة العثمانية على منحها حكمًا ذاتيًا في عام 1861.
نشر لامنس هذه الفكرة بين مسيحيي لبنان عندما كان يدرس في جامعة القديس يوسف في بيروت التي أسسها اليسوعيون في عام 1875 لتواجه الجامعة السورية البروتستانيتة التي أسسها المبشرون الأمريكيون في بيروت في عام 1866، والتي أصبح اسمها فيما بعد الجامعة الأمريكية في بيروت.
ومن المفارقات أن رائد النزعة الفينيقية اللبنانية القومية، الملياردير والناشط اللبناني شارل قرم، أسس المجلة الفينيقية في عام 1920، وهو العام نفسه الذي احتلت فيه فرنسا لبنان.
تدور الأيام، وينبش المستشرق الإسرائيلي آشر كوفمان في هذا الخلاف ليبث فيه الروح، ويؤكد في كتابه «إحياء الفينيقية: البحث عن الهوية في لبنان» على أن هوية لبنان هي هوية فينيقية ليست من العروبة في شيء، ويعترف بأنه بدأ التنقيب في هذا الموضوع عندما كان جنديًا في الجيش الإسرائيلي الذي كان يحتل لبنان.
واستكمالًا لهذه الجهود الاستعمارية – الفرنسية والإسرائيلية – يحاول بعض مؤرخي لبنان الحديث البناء على هوية الكنيسة المارونية، باعتبارها نواة للهوية اللبنانية، أو البناء على تاريخ الفينيقيين السحيق. وعلى الهامش، يسعى فريق من تونس ولبنان – عابرين بحرًا من قرطاج إلى سواحل أمريكيا اللاتينية – لإثبات أسبقية اكتشاف الفينيقيين للعالم الجديد قبل كريستوف كولومبوس.
هكذا اختُرعَت هوية لبلدٍ لم يكن له وجود في التاريخ، على أنه بلد «لا عربي ولا سوري»، وحتى اليوم يحتفي لبنانيون بوجود دستة مدن فينيقية لا تزال قائمة حتى اليوم في لبنان وجبيل الأقدم، ويؤكدون أن انتشار الفينيقيين في أنحاء البحر الأبيض المتوسط كان «من خلال التجارة وليس من خلال العسكر».
ومثلما كانت فرنسا في قلب الخلافات الهوياتية اللبنانية بالأمس، فإنها كذلك اليوم لكن هذه المرة بحضور لاعبين جدد، فرس وروس وما خفي أعظم. وكم كان موحيًا مشهد وزير الصحة حمد حسن في الحكومة المدعومة من حزب الله وهو يقوم بجولة في المستشفيات الميدانية التي تبرعت بها إيران وروسيا؛ اللاعبان الرئيسيان الآخران في المنطقة، وكأنه يوجه رسالة ضمنية مناهضة لـ«استعراض النفوذ الفرنسي».
بدعوى «حماية المسيحيين».. هكذا عززت فرنسا نفوذها في لبنان
كان تراجع الخلافة العثمانية إيذانًا ببزوغ شمس فرنسا في لبنان، وما لبثت العلاقات بين البلدين أن تطورت تصاعديًا عبر السنين حتى «أضحى كلّ تاجر مسيحي أوروبي يقطن في السلطنة العثمانية في منتصف القرن السابع عشر، يعمل بحماية السلطة الفرنسية»، كما يوضح المحاضر في التاريخ المعاصر الدكتور عماد مراد.
وعندما أعلنت فرنسا قيام الجمهورية اللبنانية سنة 1926، «أعطتها علمًا هو العلم الفرنسي ذاته وقد أضيفت إليه شجرة أرز، وأطلق بعض الموارنة على الدولة اللبنانية اسم فرنسا الصغرى»، كما يذكر صنع الله إبراهيم في روايته «بيروت بيروت» الصادرة عام 1984.
وتحت ستار «حماية المسيحيين»، سعت الملكية الفرنسية لتأمين النفوذ في المنطقة، وبحلول زمن الانتداب الفرنسي (1920-1946) كانت هناك شبكة في لبنان من المدارس الفرنسية، والمتحدثين باللغة الفرنسية، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا تحت مظلة العلاقات الفرنسية الحميمة مع سماسرة السلطة في لبنان، وبعضهم تلاحقه الاتهامات بالتسبب في أزمته السياسية والاقتصادية.
وحتى بعد استقلال لبنان عام 1943، بقيت هذه الروابط قائمة حتى يومنا هذا، إذ لا تزال شرائح من النخبة اللبنانية تتحدث الفرنسية، بل تفرض الفرنسية نفسها على الطلاب في فصول العديد من المدارس، ويمتلك عدد كبير من اللبنانيين الأثرياء منزلاً ثانيًا في فرنسا، ولا تزال الجماعات المسيحية في لبنان ترى في فرنسا نوعًا من «القوة الحامية».
على جانب الآخر من الصدع الطائفيّ، نجد أن المارونية السياسية – التي كرّسها الانتداب الفرنسي ومنحت فريقًا بعينه كل مفاصل الدولة الدستورية والسياسية والعسكرية – أثارت استياء المسلمين وغذَّت بحثهم عن زعيمٍ يقودهم أو حتى يصفقون له مثلما يفعل غيرهم، إلى أن برز نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فأيّدوه في مظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف.
نشأ في لبنان تيار قومي ناصري حاول المسلمون من خلاله تعويض غياب الزعيم الوطني داخل دولتهم. ووجد السنّة اللبنانيون أجوبة على أسئلة عروبية متنوعة في الصعود الناصري بعد ثورة عام 1952، وعدُّوا كل انتصار أو إنجازٍ مع «مصر العروبة» يعني قوة إضافية للسياسيين السنّة.
وعندما أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا، «التهبت مشاعر العرب كافة ووجد زعماء السنة والشيعة المتمسحون بعبد الناصر والقومية العربية أن الوقت ملائم لاقتطاع جزء أكبر من الكعكة التي يفوز الموارنة بنصيب الأسد فيها، فأشعلوا بالتعاون مع كمال جنبلاط ما عرف بعد ذلك بثورة 1958، مستندين إلى حماس الشارع القومي، ولجأ المسلمون إلى السلاح رافعين صور جمال عبد الناصر»، كما يروي صنع الله إبراهيم.
لكن هذه ليست نهاية المشهد، إذ يرى أحد نواب تيار المستقبل أن الصعود السني في لبنان باعتباره نتيجة طبيعية للصعود الناصري في المنطقة لم يُترجَم ضمن حلقة التوازنات الطائفية الداخلية. بل حين يدقق أكثر في الصورة يخلص إلى أن «المد الناصري عزل إلى حد بعيد بين القيادات السنية التي كانت توصف بالتقليدية، وبين القواعد السنية المتعلّمة والشعبية».
هل تذر رياح التحولات الجارية بقايا النفوذ الفرنسي في لبنان أم تقويه؟
على الصعيد التجاري، تكافح فرنسا لحجز مكان لنفسها على الساحة الاقتصادية إلى جانب أبرز مورّدي لبنان؛ الصين وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة، لولا أن الأرقام تكشف أن عدد المنشآت الفرنسية التي تُصَدّر إلى لبنان انخفض اليوم مقارنة بما كان عليه الوضع في بداية العقد الأول من هذا القرن.
انفجار بيروت مرفأ بيروت نترات الأمونيوم
وما قد يفوت فرنسا في جانبٍ، تحاول تعويضه في ساحةٍ أخرى؛ إذ تتفاخر الخارجية الفرنسية بأن «الفرنكوفونية ما زالت حيّة في لبنان رغم الانتشار المتنامي للغة الإنجليزية في المحيط الاقتصادي والإعلامي، والتعايش المتزايد للغتين في الميدان التعليمي»، بل ويصف موقعها الرسمي ترويج اللغة الفرنسية في لبنان بأنه «ضرورة استراتيجية».
لكن إيلي أبو عون، مدير برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكتب تونس التابع معهد الولايات المتحدة للسلام، له رأي آخر إذ يعتقد أن فرنسا فقدت الكثير من نفوذها مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 20 أو 30 عامًا؛ ذلك لأسباب كثيرة لا تتعلق فقط بلبنان بل بالمنطقة ككل.
وحين يُمعِن الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إيلي أبو عون، النظر في الدور الفرنسي لا يرى أنها «تحتضن حقًا مطالب غالبية السكان»، التي تتركز أساسًا على التخلص من المؤسسة السياسية الفاسدة، بل يجد أن لها علاقات مع بعض هؤلاء القادة؛ وهذا من شأنه أن «يضع قيودًا أخرى على مدى قدرة باريس على أن تصبح المؤثر الرئيسي» في المشهد.
صحيحٌ أن لبنان شهد العديد من التحولات منذ تأسيسه عام 1920، لكنها لم تؤد إلى نسف النفوذ الفرنسي وإنهائه كليًا، لكن فرنسا تخشى أن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي – الذي تتحمل مسؤوليته منظومة الحكم التي ظلت الدبلوماسية الفرنسية تتعاون معها لسنوات – سيؤدي إلى خلق واقع يهدد ما بقي من نفوذ فرنسي ثقافي وتربوي ولغوي، أو يؤدي إلى تحولات ديموجرافية تضرّ بمصلحة فرنسا الاستراتيجية.
ما وراء السجالات التاريخية والكلام المعسول.. ماذا تقدِّم فرنسا للبنان؟
حقيقة أن فرنسا وبريطانيا يوم رسما خرائط دول المشرق، بعد الحرب العالمية الأولى، لم يفعلا ذلك «تصحيحًا للتاريخ الذي عبث به العثمانيون»، حسبما يعتقد لبنانيون وعلى رأسهم الجنرال المسيحي ميشال عون الذي انتفض على تويتر العام الماضي ضد ما وصفه بـ«إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين»، ولا لمصلحة السكان المحليين، حسب المفهوم المتصوَّر الذي يحاول ماكرون – على خطى أسلافه – ترسيخه اليوم بجولته في شوارع بيروت- بل لمصلحة الدولتين الاستعماريتين.
ولو نحَّينا السجالات التاريخية جانبًا، وتجاوزنا بريق الكلام المعسول، لوجدنا أن لبنان لا يزال غارقًا في أزمته الاقتصادية غير المسبوقة؛ فشبابه يعانون من بطالة تبلغ 25٪، وعملته في حالة سقوط حر مزمنة، وثلث سكانه يعيشون تحت خط الفقر. ولو دققنا في تصريحات ماكرون – بعيدًا عن الضجيج – لوجدنا أنه هو نفسه يعترف بعدم امتلاكه طوق نجاة لإنقاذ لبنان من الغرق سوى «اقتراح اتفاق سياسي جديد على جميع القوى السياسية».
ولو كان الصحفي اللبناني الشهير إبراهيم سليم النجار – الذي وُلِد في بيروت ومات فيها – لا يزال على قيد الحياة اليوم لكرر كلامه الذي كتبه إبان «الانتداب الفرنساوي العجيب المدهش»، حين قال: «وفي الأقوال المأثورة أن حبل الكذب قصير، وقد صدق القائل. فلو راجعنا تصريحات رجال الحكومة الفرنساوية، خصوصًا تصريحات الإداري العظيم، الجنرال غورو، وأسقطنا منه كلمات «فرنسا الحرة»، «فرنسا الأم الحنون»، «نحبكم وتحبوننا»؛ نجد أن الأعمال لا تنطبق اليوم قط على الأقوال التي قيلت لنا بالأمس، والتي ستعاد لنا غدًا كفرمانات الإصلاح في عهد الترك، كلما بليت أوراقها تستنسخ وتكتب على ورق جديد».