الصناديق السيادية الخليجية.. استثمارات لما بعد حقبة النفط
«في غضون 15 عامًا، ستجف الموارد المالية لدول مجلس التعاون الخليجي الست، وستخسر ثروتها البالغة تريليونين دولار، وستصبح دولًا مقترضَة»؛ سيناريو قاتم، وتحذير رسم صورة سوداوية من أكبر مؤسسة مالية في العالم، هي الذي وضع مصيرًا محتملًا للآفاق المستقبلية لتبدد ثروة الدول الخليجية الممثلة في الصناديق السيادية بسبب التغيرات الجوهرية التي يشهدها قطاع النفط، المصدر الرئيس لاقتصاد تلك الدول، في ظل تهاوي الأسعار بمقدار الثلث منذ مارس (آذار) الجاري.
وبحسب «»، فإن الصناديق السيادية الخليجية قد تشهد انخفاضًا بنحو 300 مليار دولار نهاية العام الجاري، في وقتٍ تتجه فيه صناديق الدول المنتجة للنفط عبر العالم إلى التخلص من أسهم قيمتها 225 مليار دولار، نتيجة مواجهتها أزمة مالية مزدوجة بسبب انخفاض الإيرادات؛ نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط، وارتفاع الإنفاق بسبب تفشي فيروس «كورونا».
صناديق الثروة السيادية، هي صناديق استثمارية تدير فوائض الدولة المالية من خلال أصول خارج حدود تلك الدول، لكنها لا تكون تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية، كما تختلف عن الاحتياطي الأجنبي النقدي، وتأتي أغلب مواردها من إيرادات المواد الخام، وعلى رأسها النفط، والهدف من تأسيسها هو وضع الفائض المالي في أصول وفق خطة ربحية في عمليات استثمارية ذات أمد طويل، ومنخفضة المخاطر، توفر مدّخرات كافية لحاجات الأجيال القادمة لحقبة ما بعد النفط.
وتتحكم صناديق الثروة السيادية في أصول بقيمة 8 تريليون دولار، وتحتفظ الكويت وقطر والسعودية والإمارات، بنحو 40% من إجمالي أصول أكبر 10 صناديق سياديَّة في العالم، بنحو 5.5 تريليون دولار، والسرّ يقبع وراء النصف الأول من عام 2008، حين كانت أسعار النفط في أعلى مستوياتها على الإطلاق بوصولها إلى 147 دولارًا للبرميل، وهو ما مكّن الدول الخيجية من تكوين ثروة مالية كبرى.
وتتنوع المجالات التي تستثمر فيها هذه الصناديق، ومن أبرزها العقارات، وصناديق الاستثمار في الأسواق المالية والسندات والأسهم والعقود الآجلة، والمواد الأولية.
وتعتبر الكويت صاحبة أول صندوق سيادي في العالم عام 1953، وانتقل عدد هذه الصناديق من ثلاثة فقط عام 1969، إلى 22 في 1999، ثم إلى 44 في عام 2008، لتتجاوز حاليًا 100 صندوقًا بإجمالي أصول 8.14 تريليون دولار، وفقًا لمعهد صناديق الثروة السيادية المتخصص في دراسة كل حركات استثمارات الصناديق الاستثمارية في العالم.
وحاليًا تتربع النرويج على رأس أكبر صندوق سيادي عالميًا بقيمة تُقدر بنحو ترليون و700 مليون دولار، أما الإمارات فتأتي في المركز الأول عربيًا، والثالث عالميا بأكثر من 696 مليار دولار، بينما يتجاوز صندوق الكويت السيادي بأصول تزيد على 569 مليار دولار، و360 مليار دولار للسعودية، ونحو 320 مليار دولار لقطر؛ وفي آخر القائمة تأتي عُمان التي تمتلك صندوق سيادي مُنهك يُقدر بنحو 18 مليار دولار، والبحرين التي تمتلك 15 مليار دولار.
تعاظم النفوذ والصلاحيات للصناديق السيادية الخليجية بدأ فعليًا عقب الأزمة المالية العالمية عام 2007، والتي بدأت من واشنطن، وهو ما استدعى تدخلًا سريعًا من الدول النفطية التي استثمرت صناديقها السيادية في سندات الخزينة الأمريكية، لذا عمدت إلى ضخ عشرات المليارات في رأس مال المؤسسات المالية، ومنع انهيار الدولار الأمريكي، وهو ما وجّه لها انتقاداتٍ بأنّ قرارتها الاقتصادية تتحكم خلفها اعتبارات سياسية.
وفي مواجهة الخسائر التي أعقبت انهيار سوق الأوراق المالية، وأزمة القروض العقارية بين عامي 2007، و2008، قامت صناديق الثروة السيادية الخليجية بتحول كبير في إستراتيجياتها؛ فبدلًا عن الاستثمار في الأصول منخفضة المخاطر وذات العائد المنخفض، اتجهت بعض البلدان للاستثمار في الأسواق الناشئة والتكنولوجيا، لكنّ تلك السياسات النقدية لم تخل من الخسائر المالية، وعلى رأسهم السعودية التي تُصنف بأكثر الدول مخاطرة بصندوقها السيادي.
كانت السعودية من أكبر خمسة مساهمين في شركة «أوبر» عبر شراء حصة 5% من صندوقها السيادي بسعر 49 دولارًا للسهم، وفي عام 2016، انخفض سعر السهم بواقع سبعة دولارات، لتتكبد المملكة خسارة قدرها 200 مليون دولار، وحاليًا تواجه الصناديق أزمة استنزافٍ محتملة بسبب انخفاض أسعار النفط.
كيف تضررت الصناديق السيادية من تهاوي أسعار النفط؟
في عام 2014 شرعت السعودية في خفض إنتاجها بهدف ارتفاع أسعار النفط وتدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية، لكنّ الولايات المتحدة أصبحت المنتج الأول للنفط في العالم بعد دعم شركاتها، في حين خسرت الدول الخليجية 450 مليار دولار خلال عامين بسبب الأسعار المنخفضة، وهو نفسه الطرح الحالي، الذي تستند عليه تقارير أجنبية تتوقع فشل حرب الأسعار التي تقودها المملكة حاليًا.
وبعدما خسر النفط 70% من قيمته عام 2016، تفاقمت الخسائر المالية للبلدان الخليجية التي يعتمد اقتصادها على موارد الطاقة بنسبة 70 إلى 90%، وفي خلال عامين، كانت الدول الخليجية قد سحبت 90 مليار دولار من صناديقها السيادية حتى عام 2018، قبل أن تقرر استحداث ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% لتجاوز الأزمة.
وفي ظل ركودٍ دولي أصاب السوق النفطية إثر تراجع الطلب والاستهلاك العالميين بسبب تفشي فيروس «كورونا»، شنّت السعودية يوم التاسع من مارس (آذار) الجاري، حربًا اقتصادية ضد روسيا تسببت في هبوط أسعار النفط العالمية فجأة بمقدار الثلث، وهو الهبوط الأكبر منذ حرب الخليج عام 1991، لتهوي معه أسهم شركتي النفط الوطنيتين «أرامكو» السعودية و«روسنفت» الروسية، إلى جانب السقوط الحر الذي أصاب البورصة لدى الدولتين.
وبعدما تهاوت الأسعار من 60 دولارًا لسعر البرميل إلى أقل من 30 دولارًا، هوت معها سوق الأسهم العالمية، لكنّ ذلك لم يمنع السعودية، التي تخسر يوميًا قرابة 300 مليون دولار، من التعهد بمواصلة إغراق السوق عبر زيادة طاقتها الإنتاجية القصوى من النفط لتصل إلى 13 مليون برميل يوميًا، بعدما كانت 9.6 مليون، وهي الحرب التي دفعت الدول الأخرى المُنتجة للنفط إلى زيادة إنتاجها لتعويض الخسائر.
وفي أول خسارةٍ مدوية عقب الأزمة، انخفض الصندوق السيادي النرويجي 124 مليار دولار منذ بداية العام في ظل تراجع أسواق الأسهم في ظل تفشي فيروس «كورونا»، وتأثرًا بهبوط أسعار النفط، ونقلت «رويترز» عن خبير اقتصادي توّقع انخفاض أسهم الصناديق السيادية بين 100 و150 مليار دولار في الأسابيع الأخيرة، بينما تشير التوقعات إلى انخفاض الصناديق السيادية الخليجية بنحو 300 مليار دولار نهاية العام الجاري استنادًا على بيانات من صناديق الثروة السيادية وأرقام من معهد صناديق الثروة السيادية.
كيف تتجنب الدول الخليجية اللجوء لصناديقها السيادية؟
بحسب تقديرات دولية، فالسعودية قد تشهد ارتفاع العجز في موازنتها لعام 2020 إلى 16.1% من العام السابق البالغ 6.4%، إذا كان متوسط أسعار النفط 40 دولارًا للبرميل، خاصة أنّ ديونها تعادل 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما قد يدفعها للاقتراض لتمويل العجز بدلًا عن اللجوء للاحتياطات النقدية، أو سد العجز عبر صندوقها السيادي.
وفي وقتٍ مُبكرٍ من الأزمة، أعلنت السعودية التي يعتمد اقتصادها بنسبة 67% على عائدات النفط خفض إنفاقها الحكومي بمقدار 13.2 مليار دولار، بما يعادل 5% من موازنة العام 2020.
اللافت أنّ السعودية التي كانت سابقًا تربح في الساعة الواحدة نحو 24.4 مليون دولار من مبيعات النفط – وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء – أعلنت خلال عام 2015 فقط، انخفاض الاحتياطات الأجنبية من 732 مليار دولار إلى 623 مليار دولار في أقل من 12 شهرًا، وفق بيان صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، وحاليًا يبلغ الاحتياطي النقدي للمملكة نحو 509.57 مليار دولار، بحسب الإحصاءات الرسمية.
أمّا بقية الدول الخليجية فتشهد تأثيرًا متفاوتًا لحرب أسعار النفط على اقتصادها، فُعمان التي تعتمد موازنتها على 44% من تصدير نفط مليون برميل في اليوم، بحاجة لحرق 20 مليون دولارٍ يوميًا لتعويض الخسائر الاقتصادية، وفي ظل عجز موازنةتخطى 62 مليار دولار، خططت السلطة لاقتراض 5.2 مليار دولار لسد العجز، بدلًا عن اللجوء للاحتياطي النقدي البالغ 20 مليار دولار.
والبحرين التي تنتج 500 ألف برميل يوميًا، بحاجة إلى مليون دولار كل يوم لسد عجز الموازنة البالغ مليار دولار، وفي حال طالت الأزمة ستخسر المملكة الصغيرة نحو نصف إيراداتها، دون أن تتمكن الاحتياطات النقدية لديها البالغة مليار دولار، وبدلًا عن اللجوء لصندوقها السيادي البالغ 15 مليار دولار.
وفي عام 2017 لم يصمد اقتصاد البحرين نتيجة أزمة انخفاض أسعار النفط، وواجهت أزمة تراجع احتياطاتها النقدية، وهو ما دفع الدول الخليجية للتدخل، فقدمت لها السعودية والإمارات والكويت 10 مليارات دولار، بعدما ارتفاع دينها العام إلى نحو 93% من الناتج الإجمالي، وهو السيناريو المتوقع حدوثه مُجددًا في حال استمر الصراع بين الرياض وموسكو.
على جانب آخر، تبدو بقية الدول الخليجية مثل: الإمارات، وقطر، والكويت، التي تتجاوز الصناديق السيادية خاصتها أكثر من تريليون ونصف مليار دولار أوفر حظًا على تجاوز الأزمة، وبخلاف الصناديق السيادية؛ فالدوحة تتمتع بفائض في الموازنة، كما أنّ اقتصادها يعتمد على صادرات الغاز الطبيعي المسال الذي لم يتأثر بأسعار النفط.
والإمارات التي دخلت حرب أسعار النفط حققت أوائل العام الجاري فائضًا بنحو 66.32 مليار درهم (18 مليار دولار)، وبالرغم من عجز الموازنة المتوقع الذي تنتظره الكويت بنحو 54 مليار دولار، إلا أنها تمتلك صندوقًا سياديًا يزيد على 569 مليار دولار.