سليم البطاينة
المُذهل في المشهد الراهن سواء كان داخليًا أو خارجيًا أن أحداً لا يستطيع ان يقدم اجابة شافية حول ما جرى سابقاً وما يجري حالياً فعلى مدار سنوات طويلة أعتبر الكذب أمرًا معتادًا ومقبولًا فقد أرهقتنا المناورات وظللتنا البطولات الهلامية والإنجازات الكاذبة فعديدة هي الدروس والعبر مما شاهدناها في دول الإقليم وخارجه، فشعوب تلك البلدان نزلت إلى الشوارع وتحركت من اجل اصلاح أوضاعها وتطوير أحوالها فالاردن عانى وما زال يعاني من حالة فوضى على المستوى الداخلي تركت اثارها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ففي ظل التحديات الداخلية والخارجية التي يتداخلُ فيها الخارج مع الداخل ، وفي زمن أشد ظُلمة وقسوة على الناس فقد تبدلت معالم الوطن وتبدل معها قلوبنا وعقولنا وبتنا في حالة اختلال واضطراب فلا بد من المصارحة أكثر من المداهنة ، والصدق أكثر من الكذب والنفاق وقوة العدل فلا تستقيم أمور البلاد إلا بإرساء المساواة بين الجميع ، والبدء في تأسيس دولة جديدة ونهجًا جديدًا ، فمفهوم الوطن للأسف بات مُبهماً ومعن الوطنية ملتبساً.
فالاردن اليوم بأمس الحاجة إلى حاضنة شعبية من اجل المصالحة الوطنية الشاملة وبدء صفحة جديدة وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب ، بحيث تتقاطع مع الماضي وتضع حداً لمنسوب الحقد والكراهية فالاردنيين لن يقبلوا خسارة وقت أضافي على حساب مشاكلهم ومطالبهم على حساب ظروفهم المعيشية المُزرية والمتدهورة يوما بعد يوما فلن يكفي حسن النوايا فالمطلوب حلول جذرية وعاجلة لملفات عديدة وهي استرجاع أموال الفاسدين ، والحريات العامة ، وارجاع الدستور إلى روحه القديم وخلق فرص عمل للشباب التائه وتحسين مستوى الخدمات الصحية، وإصلاح منظومة التعليم بشكل جدي وحقيقي ووضع خططا فعالة لمشكلة النقل وإدارة النفايات.
فالاردنيين بحاجة إلى جرعات من الأكسجين تُنعشهم وتُخفف من وطأة شظف العيش الذي يعانون منه.
فيجب على الدولة أن تخرُج من دائرة المألوف في التفكير ، وفي طريقة التعاطي مع مشاكل البلاد الداخلية فإعلام الدولة وللاسف كان وما زال بيد هواة سطحيين فَقَدْ فَقَدَ بوصلته وانحرف بكل ما تحمله كلمة انحراف من معنى ، فهو يمارس أساليب غير مجدية وكأن الناس تعيش في جزر معزولة.
فالدولة وأركانها ومنذُ سنوات طويلة لم يخرُج تفكيرها من داخل الصندوق ، وبقيت بداخله لأن ذلك يوفر لها الشعور بالراحة فالخروج بالنسبة لهم مغامرة محفوفة بالمخاطر فاللحظة دقيقة وتقتضي ضرورة التفكير العميق في الانحراف الكبير الذي حصل خلال عقدين من الزمن فالأسئلة كثيرة فهي تتناسلُ ولا وجود لإجابات مقنعة ، بل مزيد من تراكم للفضائح والقصص ؟ فإعادة التفكير في توزيع الثروة والقطعُ مع الفساد والريع ، والحدُ من الهوس الضريبي لدى الحكومات ، ومنح الأفضلية للكفاءات وليس لأهل الثقة بات هو المطلوب شعبياً.
فغياب الوعي السياسي للحكومات أدى إلى حالة من اليأس والقنوط لدى غالبية الناس فعملية التغير والمصالحة مرتبطة بشكل كامل بوعي الناس فالوضع بحاجة إلى مصالحة وطنية ونهج جديد عبر الإعلان عن قرارات سياسية جريئة تسعى إلى ترميم واستعادة الثقة في مؤسسة الحكم وفي مؤسسات الدولة واجهزتها فلا أحد يجزمُ بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل في ظل ما يكتنف هذه المرحلة من عدم استقرار.
فالأمل يبقى في فئة عقلانية صامته تُراقب الأحداث وتعي نتائجها ، ولكنها لا تجدُ من يحترم حياديتها ولا عقلانيتها فمن يراقب الوضع الاردني عن بعُد يشعر بالتوتر الكبير بين المواطنين والأزمات التي يعانون منها بحيث باتت الأزمة والاردنيين مترادفان لا يفترقان ، وكأن وجود كل واحد رهين بوجود الاخر فعلى اصحاب القرار أن يعرفوا جيدا بانه لم تنهض أمة من الأمم إلا حينما تعرفت على تصورات أبناءها لتلك النهضة وأخذت فيها.
كاتب ونائب اردني سابق