الرئيسية / أخبار / الأردن: الملك يراهن على عنصر الوقت.. والشعب لم يعد يحتمل خديعة السلام وصفقة الغاز

الأردن: الملك يراهن على عنصر الوقت.. والشعب لم يعد يحتمل خديعة السلام وصفقة الغاز

ميساء المصري

أثارت سفيرة ألمانيا في الأردن بيرغيتا زيفكرعاصفة من الجدل النخبوي وسط مراكز صنع القرار في المملكة عندما ربطت أضخم مساعدات تقدمها بلادها لدولة عربية وإنتقادات حادة لأداء حكومة الرزاز وغياب العدالة الإجتماعية لشرائح المجتمع الإردني المغيب عن عملية صنع القرار في بلاده .

وربما الجدل الرافض ليس في مكانه .لأن النعامة لا تدفن رأسها في الرمال عبثا . كما أن الامر أعمق من الظاهرالمعلن عنه , وأعود بهذا الى رأيكم ما الذي يهم دول عظمى كألمانيا من الدولة الأردنية؟؟ وما هي المكاسب الإقتصادية أوالجيوسياسية المرجوة من هذه المنح والعطايا. وربما كان الأجدر تغيير طائرة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي تجاوزعمرها خمسة وعشرين عاما وتعطلت بها أثناء رحلاتها الى اندونيسيا والارجنتين وغيرها من الدول لتشكل إحراجا للحكومة الألمانية .عوض الحديث الآن عن منة ومساعدات للحكومة الأردنية التي بدورها لا تجيد عملية التفاوض .

ولا يخفى على كثير من المتابعين وحتى السياسيين انه رغم رفض ملك الأردن لصفقة القرن الغامضة لغاية الآن , فإن المساعدات الأمريكية زادت للأردن في هذه السنة لرقم قياسي لم يسبق ان قدمته أمريكا وبلغ 1.275 مليار دولار سنوياً لمدة 4سنوات– أي ما مجموعه 6.375 مليار دولار.فلماذا إذن؟؟

والمتتبع للسياسة الإقليمية يعلم ان ألمانيا بحكم دفاعها عن أعراق بعينها, فهي تدعم كردستان العراق , وزودت البيشمركه بالسلاح والدعم الجوي للأكراد مما أثار حفيظه الأتراك وكان بداية خلاف شديد مع أنقرة أدى لنقل القاعدة الجوية الألمانية الى الأردن وإختارتها السلطات الألمانية منتصف 2017 بديلا عن قاعدة انجرليك التركية . وتتعلق بمهام تخص الدعم الألماني للأكراد وتوفير الغطاء الجوي لهم.

ولو كان المفاوض الأردني يعي مصلحة الوطن ويتقن اللعبة السياسية  , لطالب بمليارات الدولارات لقاء توفير هذه القاعدة على أراضيه نظرا لموقع الأردن الإستراتيجي واللوجستي الهام  , وفي المقابل تدخل المساعدات في نطاق الأجور .

وعلى الجميع ان يعي أن الدول الأوروبية من بعدها أمريكا ترجح كفة مصالحها بعد المصلحة العليا في المنطقة والتي تبقى لصالح اسرائيل ومخططاتها الصهيونية ….وما تصريح السفيرة الا نوعا من العبث السياسي المبطن لمقاصد يعيها صانع القرار السياسي في هذه المرحلة الحرجة والمصالح الصهيونية مع الكرد.

يواجه الأردن الأمرين من مشكلات داخلية وخارجية معتمة حالكة من كل صوب وإتجاه وها نحن بعد 25 عاما من اتفاقيات السلام لا نرى اي مكاسب تذكر  …بل ان التجاور الأردني الإسرائيلي اليوم يعيش أسوأ مراحله مع المخاوف من خطوة إضافية قد يخطوها نتنياهو بضم الضفة الغربية وتحديدا مناطق غور الأردن والبحر الميت للسيادة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يزيد الأزمة بين الجانبين، اذ لا ترى عمان الا المزيد من الأزمات التي تنعكس عليها جراء خطوة كهذه..خاصة مع العزلة السياسية التي تم وضع الأردن في مدارها .

كذلك تجد عمان موقعها بعين الريبة والشك مع التطبيع العلني الصهيوخليجي وشعور بإستهتار سياسي إسرائيلي بمصالحها ومواطنيها, كذلك مشروع الناتو العربي ، او ما يسمى بالتحالف الأمني الإستراتيجي المائي وتقليص ممنهج لدورها العربي دون أي فائدة تذكر لصالح الأردن سوى تعميق الشعور لدى الأردنيين بأن البلد يتجه نحو المجهول ويفتقد الحسم خاصة مع إنعدام الخطوات العملية على الأرض.

وفي ضوء هذا التناقض الخارجي هنالك تناقض داخلي فالأردن تراوح بتنفيذ اتفاقية أنبوب الغاز الإسرائيلي ، و تقديم العمالة الأردنية لإنتاج بضائع ومنتجات زراعية إسرائيلية إلى الدول العربية والخليجية خاصة ،والأدهى انها تستخدم الأراضي الزراعية الأردنية ، أو مشروع سكة الحديد الذي سيربط الكيان الصهيوني بالخليج من حيفا حتى مسقط ، ومحطات لتسيير شاحنات نقل ، وهذه بعينها قرارات تضع الاقتصاد الأردني المتهالك لحكومة النهضة رهينة للقرارات السياسية والإقتصادية الإسرائيلية.

لغاية الآن الحكومة الأردنية فشلت في تنفيذ خطة لمعالجة جذور الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية مما زاد من نقمة الشعب الأردني بإختلاف فئاته، دون أي ضوء أمل للمواطن بمستقبله ومستقبل أولاده. وأصبحت حالة التوتر التي يعيشها الأردن تدخل إطار الشك والإشاعات والمؤمرات والعبثية والأجندات والإنهزامية حد عدم الإنتماء، خاصة مع ما نشهده من صراع بين النخب القريبة من الدولة أو داخلها ,وتصفية الحسابات النفعية , والتشويش على المعارضة التي تاه دورها الى حد تبريرات شخصية , وضغوط سياسية وأمنية في إنقسام النقابات المهنية , جميعها دخلت متاهة صراع المواقع والمناصب والمنافع، على حساب قضايا المواطن والوطن.

ويبدو ان الملك عبد الله الثاني يراهن على الوقت ، رغم ان الوقائع على الأرض، تفيد أن الحديث عن الضغوط الخارجية وعبء الديون لن يسكت معظم الأردنيين عن الدفاع عن حقوقهم الدستورية، أو الصمت على مطالبهم. ولا يعني هذا إنكار الوضع المالي الصعب للحكومة، غير أن هناك رفضاً لتحميل المواطن الأردني عبء سنوات طويلة من الفساد وسياسات الليبرالية الجديدة ، من عمليات خصخصة، وفقدان للمقدرات الإستراتيجية وهدر لها، وإنسحاب الحكومة التدريجي من دورها في الرعاية الإجتماعية .مقابل قمع أي محاولة لإستنهاض حركة شعبية ضاقت ذرعاً بثقل هموم تدهور الأحوال المعيشية لمعظم فئات الشعب الأردني، من دون مؤشر تغيير في الأفق. مما يجعل المتابع في حيرة من أمره لكن الواضح اننا في معضلة حادة لا بد من مواجهتها قبل فوات الأوان، لأن في ذلك خطرا على الأردن حكومة وشعباً.

وأخيرا يرفض الشارع الأردني عملية الإقصاء من دائرة المشاركة في القرار، وغياب المساءلة والمكاشفة والشفافية كما ان تغيير الحكومات والتعديلات الوزارية ، كان سابقا، ينجح في التنفيس الشعبي وفي إستعادة الثقة، لكنه الآن أصبح مفرغا من مضمونه.  والمطلوب الآن من صاحب القرار المصارحة أكثر مع الشارع ليعي فيها حجم الأزمة التي يعيشها الأردن في محيطه ككل، لأن ذلك قد يسهل على الأردنيين تفهم المشهد الكامل ويزيد توحدهم وإلتفافهم لعلنا نصل الى طريق سليم للجميع.

كاتبة اردنية