خلال فترة رئاسة الرئيس الأمريكي ترامب كان هناك متغير واحد مهم مفقود لتبرير التصعيد مع إيران: الربط المباشر بين إيران وأمن المجتمع الدولي. لكن في الآونة الأخيرة، قد يكون الهجوم على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية قد أوجد هذا الرابط. في الساعات التي تلت الحادثة مباشرة، استخدم العديد من اللاعبين الرئيسيين- المملكة العربية السعودية وإدارة ترامب والحوثيين- هذا التهديد العالي المستوى للاقتصاد العالمي لتعظيم أهدافهم السياسية وبالتالي أصبحت التفاصيل الفعلية للمكان الذي أطلق منه الهجوم
ثانوية عن الطرق التي استخدم بها جهات مختلفون رواياتهم لتبرير غاياتهم.
استيقظنا يوم 14 سبتمبر 2019 على نبأ هجوم بطائرات مسيرة على منشآت نفطية سعودية. في حين أن مصدر الهجوم موضع خلاف، فإن الحوثيون هم الجماعة الوحيدة التي أعلنت صراحة مسؤوليتها عن الهجوم1. ومع ذلك، فقد رفضت المملكة العربية السعودية هذا الادعاء ونفت أن يكون الهجوم قد نشأ من اليمن.2 هناك عنصر واحد واضح: بغض النظر عن المصدر الفعلي للهجوم، فقد بدأ القادة السعوديون والأمريكيون في استخدام هذا الهجوم للترويج لرسائلهم بأهمية مواجهة إيران. بالمقابل، يستخدم الحوثيون هذا الهجوم بشكل
مثير للجدل لإظهار المزيد من القوة وربما لزيادة نفوذهم تحسبا للمفاوضات المستقبلية.
في حين أن هجمات الطائرات المسيرة كانت لها بالفعل تأثيرات ملموسة مثل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وخفض مؤقت في إنتاج النفط ، ناهيك عن الردع المحتمل للاستثمار الأجنبي المباشر، هناك أي ًضا فوائد سياسية تخدم أهداف المملكة العربية السعودية وإدارة الرئيس ترامب. إحدى القضايا البارزة التي تعود بالفائدة على المملكة العربية السعودية وإدارة ترامب هي أنه يمكنهم الآن تصوير إيران على أنها تهديد أمني لمجتمع دولي كان متردداً بالإعتراف بذلك سابقاً. قبل هجوم السبت، واجه القادة السعوديون وإدارة ترامب صعوبة في إقناع القوى الدولية بأن إيران تشكل بالفعل تهديدًا لأمنهم. في حين أن هذه الفكرة سيبقى لها بالتأكيد منتقدين، لكن ما يبهج الإدارة الأمريكية والسعودية، أن للاقتصاد العالمي.التقلبات الناتجة في أسواق الطاقة الدولية يمكن أن تصور إيران الآن على أنها تهديد مباشر
تاريخيا تظهر نزعات سوق النفط أنه بمجرد وجود خطر على الإنتاج يحدث ارتفاع بأسعار النفط. أظهرت الدراسات من يناير 1998 إلى سبتمبر 2014 أن المخاطر السياسية وحدها ساهمت في تقلبات أسعار النفط بنسبة 17.58٪.3 كما شهدنا مؤخ ًرا ارتفعت أسعار النفط بنسبة 19٪، مسجلة أكبر زيادة خلال يوم واحد منذ حرب الخليج عام 4.1991 كان هذا نتيجة انخفاض الإنتاج العالمي بنسبة 6٪ وعانت السعودية لاستعادة إنتاجها المفقود البالغ 5.7 مليون برميل يوم ًيا.5 يبقى السؤال: إلى متى ستستمر هذه الصدمات في الإنتاج؟ يمكن أن يغطي العرض في الأسواق الخسائر بشكل كاف، وبالتالي من المحتمل تجنب صدمات الطلب الطويلة الأجل الأكثر تكلفة. ما لم تكن هناك هجمات إضافية، من المتوقع أن تعود هذه الزيادة في الأسعار إلى حالة من الاستقرار. ومع ذلك ترى المملكة العربية السعودية وإدارة ترامب أن الجانب الأكثر فائدة من هذا الهجوم هو الربح السياسي من خلال ارتفاع احتمالية عزل إيران. يمكن أن تؤثر تقلبات الأسعار بالفعل بشكل مؤقت على الدول المستهلكة للنفط. على الرغم من أن ذلك قد يكون بشكل مؤقت، إلا أن هذه الصدمات الطفيفة تؤكد فقط رغبة المجتمع الدولي في تجنب التصعيد لصراع العسكري، الأمر الذي سيؤدي في حالة حدوثه إلى آثار طويلة الأجل
على أسعار النفط. ويشعر بهذا الخوف بشكل خاص الاقتصادات الآسيوية التي تعتمد على الموارد النفطية في منطقة الخليج. لذلك إذا نجحت إدارة ترامب بتصوير إيران كمنفذ لهذا الهجوم، فلن يكون لدى الجهات المعترضة على حملة “الضغوط القصوى” التي يقوم بها ترامب كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين السبب الكافي للتصدي لسياسة إدارة ترامب المعادية لإيران.
نظ ًرا لأن دونالد ترامب يعتبر أن هذه القضية لا تشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة، فقد لمح أن جميع الجهات الفاعلة المتأثرة بهذه الأحداث بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة أكثر مما تحتاج الولايات المتحدة إليها. ما يشير إلى هذا الموقف هو تغريدته بتاريخ 18 سبتمبر التي يتفاخر فيها بإنتاج الولايات المتحدة لحاجتها من موارد الطاقة ومركزها كمصدر للطاقة.6 هذا التصريح بالإضافة إلى رفع السرية عن صور الهجوم، يدل على أنه سيتم انتهاز هذه الفرصة لتحقيق أهدافه السياسية. في خضم استغلال هذه الحادثة لتحقيق أهداف معينة، أشار الرئيس ترامب إلى أن المملكة العربية السعودية وحلفاء خليجيين آخرين بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة في مجال الأمن. سيستخدم ترامب معرفته باعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة لبناء نفوذ وتحقيق أهداف سياسته الخارجية. حتى هذه اللحظة، كان المجتمع الدولي حذ ًرا في الاستجابة للأحداث، حيث كان يطالب بأكثر من مجرد الأدلة الأولية الصادرة عن المسؤولين السعوديين. في المقابل، تعتبر السعودية إيران تهديداً وجودياً. وإن عدم قبول إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن الهجوم إقليمي)، مما يشجع الولايات المتحدة على مواجهة طهران بقوة أكبر.وإلقاء اللوم على إيران، يجعل للمملكة العربية السعودية إمكانية الاستمرار في تصوير إيران كتهديد عالمي (بدلاً من كونها مجرد معتدي
في نهاية المطاف، ونظراً لسرعة مجريات الأحداث حول تفاصيل الهجمات الأخيرة على المنشئات النفطية السعودية، ستظهر تباعاً الحقائق المتعلقة بالفاعلين لهذه الهجمات بطائرات مسيرة ونتائجها خلال الأيام المقبلة. ومع ذلك، على الرغم من أن الجهة الفاعلة التي تقف وراء الهجوم لا تزال موضع خلاف بين الأطراف المعنية، فإن الردود في أعقاب الهجوم تدل على طرق قيام كل من إدارة ترامب والمسؤولين السعوديين والقيادات الحوثية في التعبير عن أهدافهم في منطقة الخليج. في حين أنه إلى قبل هذه الهجمات كان الدعم لسياسة “الضغوط القصوى” للرئيس ترامب ضد إيران مقصوراً على المملكة العربية السعودية وعدد قليل من الحلفاء الآخرين في الشرق الأوسط، إلا أنه يمكن القول الأن أنه بالإمكان جذب جمهور أوسع من المجتمع الدولي للضغط على إيران. الأيام المقبلة ستحدد ما إذا كان هذه الرسائل ستزيد من قائمة الدول الراغبة في الاعتراف بأن إيران مهدد محتملlلأمنها الاقتصادي، وبالتالي تقييم إمكانية وقوع صراع