سليم البطاينه
من دولة بسيطة وراسخة إلى دولة عميقة وموازية، البعض يُريدها هكذا؟ فمصطلح الدولة العميقة Deep State بدأ تعريفه وتوظيفه منذُ سنوات، وقد فسره المؤرخ الامريكي Craig Graudin على أفضل ما يكون بوجود حكومة خفية عميقة في أحشاء الدولة تُمثلُها مراكز قوى خفية عن الأعين ، تعمل ضد المصالح الوطنية وتكبحُ تطور الدولة وتُقيدُها وتسلُبها مواردها وثرواتها بشتى الوسائل فتُعرقل نمو المجتمع والبلاد ، فالتوصيف الأكثر دقة وهو المضاد للدولة الراسخة أو البسيطة، حيث أن تمويل الدولة العميقة لا أحد يعرف مصدره، فواضح جداً من الاسم أنها الدولة الغير ظاهرة للعيان ، وهذا المصطلح يتشابك مع عدد من المفاهيم في القاموس السياسي وأدبياته مثل مفهوم حكومة الظل أو الدولة الموازية Parallel State أو دولة داخل دولة، فرغم التشابه في هذه المفاهيم الا انها ليست مرادفات، فما يهمُنا من تلك التعريفات هو الدولة الموازية حيث صاغه المؤرخ الامريكي Robert Paxton وقال عنه ( هي مؤسسات تشبه الدولة في تنظيمها وإدارتها لكنها ليست جزء من الدولة الشرعية حيث تعمل في المقام الاول على تعزيز مصالحها الخاصة دون الاكتراث لأيدلوجية الدولة الشرعية ، فالخطر منها هو أختراقها لمختلف نواحي الحياة العامة ؟ فعندما تُصبحُ المصالح العليا للدولة في تناقض مع مصالح البعض يحدث الاصطدام وتتحول الدولة من عميقة إلى موازية، فالمصالح الطبقية باتت هي المحددة لطبيعة الصراع في نهاية المطاف.
فالاردن الان في طريقه إلى مسار جديد في سياسته الداخلية ومختلفاً عما سبق، حيث تُرتكب بين الفينة والأخرى بعض الحماقات والتي تتخذ شكلاً سياسياً وأمنياً واجتماعياً، فمن المفروض ان يكون هنالك عقول وحكماء تحمي البلاد من تلك الحماقات، فالدولة تسير الان باتجاه جديد وهو التحول الى دولة عميقة وموازية، فالمظاهر والمماراسات متوافرة ومجتمعة وستصبحُ في الأيام القادمة عنواناً لنهج الحكم والإدارة.
فالدولة العميقة لمن لا يعرف هي الدولة التي تترك معظم مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتفاقم وتتحول إلى مشكلات أمنية، ليتم بعدها أستدعاء جهاز الامن للتدخل والتصدي لها ومواجهتها بحلول أمنية وفقاً لمنهج إطفاء الحرائق، وأحياناً تسمحُ بحرية الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، فالمنهجُ هنا في علاج المشكلات يتوقف عند مواجهة العرض وليس معالجة المرض؟ فلا تُحملونا ما لا طاقة لنا فيه واتركوا وطننا البسيط يشتغلُ في وضح النهار بما يؤسس لها الدستور والقانون.
فالقانون في ظل الدولة العميقة ليس الا كخيط عنكبوت تتعثر فيه الحشرات الضعيفة فيما تعصف به الوحوش الكاسرة، وتنفيذه يرتبط بالتعليمات الفوقية ولا يرتبط بقوة القانون، فالخلاصة لا هي حكومة ظل ولا حكومة شمس ولا مُربع ضيق ولا مُستطيل واسع؟ فالمطلوب هو صحيان ضمير الدولة.
كاتب ونائب اردني سابق