الرئيسية / أخبار / التهديدات الأمريكية بضرب ايران .. بين التراجع و الواقع الاستراتيجي

التهديدات الأمريكية بضرب ايران .. بين التراجع و الواقع الاستراتيجي

حسن مرهج

الواضح أن واشنطن تُدرك مدى القوة التي تتمتع بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث أنه و خلال الأيام الماضية أكد ترامب أن بلاده لا تُريد حربا مع إيران، و هو أمر عملياتي قامت السعودية على إثره باستعجال الحلول للخروج من هذه الأزمة، فالسعودية أيضاً تدرك بأنها ستكون الخاسر الأكبر في حال اندلاع أي حرب ضد إيران، و عليه دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية إلى عقد قمتين طارئتين لس لبحث تداعيات الهجمات التي استهدفت السعودية والإمارات فحسب، بل في مضامين هذه الدعوات مناورة سياسية يُراد منها أمريكياً و سعودياً الخروج المشرف من مشاهد الحشد ضد إيران، حتى أن هاتين القمتين هما كسابقتهما من القمم، و بات معروفا أن أي بيان ختامي سيكون موجه ضد إيران، و ضمن إطار رفع السقف السياسي للحصول على تنازلات إيرانية، بدليل ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن الدعوة جاءت من “باب الحرص على التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون للدول الخليجية وجامعة الدول العربية، في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ما الذي دفع قادة الخليج إلى خفض التصعيد ضد إيران؟، لعل الجواب نجده في جوانب استهداف العمق السعودي، فضلا عن الاستهداف المجهول لميناء الفجيرة في الإمارات، هما عمليتان كانتا المحرك السياسي للبحث عن حلول، فعلى الرغم من التوترات الأمنية التي حدثت خلال الأيام الماضية، بات واضحاً أن رفع التصعيد هو اعلامي و سياسي فقط، فقد قام المحققون بإرسال التحقيقات التي أجروها حول الحادث إلى مجلس الأمن وتشير المعلومات إلى أنهم لم يتطرقوا في هذه التقارير إلى تورّط إيران، إلا أن تصريحات إماراتية وسعودية اتهمت إيران بهذه العملية ما قد يدخل المنطقة في حرب كبيرة جميع الأطراف، و تحديداً واشنطن و الرياض و أبو ظبي فيها خاسرون.

مسؤولين في الإدارة الأمريكية قالوا: “إن الرئيس ترامب سعى إلى كبح جماح المواجهة مع إيران في الأيام الأخيرة، وأبلغ وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان بأنه لا يريد الدخول في حرب مع إيران”، و في ذات التوقيت وقال أحد المسؤولين إن شاناهان والجنرال جوزيف دنفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قدّموا للرئيس مجموعة من الخيارات العسكرية، لكن العديد من المسؤولين قالوا إن ترامب كان حازماً في قوله، إنه لا يريد صداماً عسكرياً مع الإيرانيين، هنا يمكن بناء عدة فرضيات حول هذا التغيير المفاجئ في السياسة الأمريكية، فقد قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالسفر إلى أمريكا، وخلال زيارته أجرى مقابلة مع المذيع كريس والاس في قناة فوكس نيوز، إذ بدا الأمر وكأنه خطوة محسوبة لجذب انتباه ترامب، إذ تعدّ هذه القناة المفضّلة للرئيس الأمريكي، ومن هناك قال ظريف أن “فريق الباءات الأربع” يحاول جرّ ترامب لصراع مع إيران، موضحاً أن هذا الفريق يضمّ جون بولتون مستشار الأمن القومي، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي العهد الإماراتي، وذكّر بأن ترامب تعهّد في حملته الانتخابية بعدم إدخال أمريكا في حرب أخرى، و الواضح أن كلام ظريف يحمل رسائل دبلوماسية غاية في الأهمية، فهو راد أن يقول لـ واشنطن، إذا أردتم الحرب فنحن مستعدون لإظهار المفاجئات الايرانية التي ستبهركم، و إذا أردتم الحوار أيضاً نحن مستعدون لكن بشروطنا، هي واقف قوة اعلنها ظريف، يضاف إلى ذلك إعلان الحكومة الإيرانية تعليق بعضٍ من التزاماتها في الاتفاق النووي إثر تعنّت الغرب تجاه الالتزام بما اتفق عليه في محادثات فيينا بين إيران والدول الأوروبية، و بالتالي يمكننا القول، أن هذه الضغوط التي مارستها إيران سلماً و حرباً ضد واشنطن و شركاؤها، أتت ثمارها، فالتراجع الأمريكي مرتبط بشكل مباشر بجملة من الخيارات التي لم توصلها إلى أي نتائج سوى ضرورة خفض التصعيد مع إيران.

ضمن المعطيات السابقة، نستطيع القول بأن الاستراتيجية الأمريكية قد تغيرت تجاه إيران، فقد أظهر الأمريكيون في الأيام الماضية أنهم يسعون إلى تهدئة الأجواء في المنطقة، إلا أنهم في نفس الوقت قد يعملون على تبرير عدوانهم على إيران عبر افتعال هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق كالذي حصل في المدينة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد، مقرّ السفارة الأمريكية هناك، أو عبر افتعال حوادث ضد القوات البحرية الأمريكية الموجودة في مياه الخليج الفارسي، و في الجانب السياسي يبدو أن قمتي مكة هما ضخ إعلامي فقط، فالمتابع يدرك بأن البيان الختامي كُتب بيد أمريكية و اسرائيلية، و فقط من جل جذب إيران إلى طاولة المفاوضات، و لعل ما كشفته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن خلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأكبر مساعديه جون بولتون وذلك إثر فشل الأخير في حل الأزمة الفنزويلية ما دفعه إلى تغيير وجهة نظره تجاه إيران، كما نقلت الصحيفة عن مقربين من ترامب أنه انتقد رغبة بولتون في “جرّه إلى الحرب”، مؤكداً أن رئيس الدولة ينظر إلى هذا الأمر في الآونة الأخيرة بجدية أكبر مما كان في السابق، و بالتالي أي تصعيد قادم هو سياسي فقط، و أيضا و في هذه الجولة انتصرت ايران على واشنطن و الرياض و أبو ظبي.