أحمد عبد الباسط الرجوب
يبدو أن بلادنا تمر بأيام سيئة في هذه الفترة أو بالأحرى منذ صعود تاجر العقارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة ، وكم تعرضنا في مقالات سابقة الى الدور السيئ الذي يرسمة هذا الرئيس عديم الخبرة في منطقتنا ضد بلادنا الاردنية لمصلحة دولة الكيان الصهيوني ، وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية الوردية عن الأردن، فإن تبلور استراتيجية الدور الترامبي في المنطقة لا يصب في صالح الأردن على الإطلاق، على عدة محاور منها: إعادة هندسة المنطقة عبر إحياء محور الاعتدال، أو دفع عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية والتي ستحدث في الأغلب بعيدًا عن الأردن، الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس أصبحت مهددة بسبب قرار 7 ديسمبر / كانون الثاني 2017 الذي اعتبر القدس عاصمة أبدية لدولة الكيان الصهيوني، وهذا يمثل خطورة على دور الأردن في هذا الملف.
وباستعراض الزيارات المكوكية للملك عبد الله الثاني والمتكررة الى الولايات المتحدة الامريكية وهو ما يظهر بأن ” النار ما زالت تحت الرماد ” وهو ما قد يعبر عن حالة من عدم الرضا (اللارضا) للملك من تصرفات الادارة الترامبية وخاصة بان ترامب الذي بدأ العد التنازلي لانتهاء ولايته يحرص بأن يقدم شيئا ثمينا لدولة الكيان الصهيوني وخاصة الى صديقة الارهابي نتينياهو وما اجزل عطايه كمسيحي متصهين لدولة الكيان الصهيوني ، وبالعودة الى النار والتي ما زالت تحت الرماد وانعكاساته على الاردن نستعرض الاتي:
الدول العربية
(ثلاثي مصر السعودية الإمارات) وفي هذا الاطار وقفت الأردن عاجزة أو وقعت في حيرة كبيرة بين الاختيار بين قطر والثلاثي الخليجي المتمثل في ( البحرين والسعودية والإمارات )، فضلا أن الموقف الخليجي والذي ادار ظهره للأردن والذي يعاني من أزمة اقتصادية كبرى ، على الرغم من ان الأردن قد تضامن مع الثلاثي الخليجي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي في قطر تضامنًا مع الرباعي العربي المقاطع لقطر، ولكن البلاط الملكي تجنب الحديث عن الأزمة الخليجية، بالإضافة إلى أن الأردن لم يرسل رسائل نحو الأزمة الخليجية، فوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لم يزر أي دولة خليجية منذ المقاطعة التي حدثت في يونيو /حزيران 2017، وكان الأردن ينأى بنفسه عن أزمة مقاطعة قطر.
سعوديا فثمة تكهنات بأن السعودية الآخذة بخطوات واضحة نحو التقارب مع إسرائيل، لديها الكثير من الدوافع لتعمل على نزع الوصاية من الأردن على المقدسات الاسلامية في القدس، فإذا كان أول هذه الدوافع هو الظهور بمظهر الدولة التي تمثل السنة في المنطقة، فليس بآخرها لعب الرياض لدور محوريّ في تمرير صفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية… أما ما حدث في ديسمبر / كانون الأول 2017، فيتمثل في تسجيل اعتراض سعودي برلماني للمرة الأولى على ” الدور الأردني في القدس الشريف “، وذلك حين اعترض الوفد السعودي المشارك بمؤتمر البرلماني العربي بشدة على رغبة الوفد الأردني في التحدث عن تأثير الوصاية الهاشمية الأردنية، فحاول السعوديون الاعتراض على فكرة الوصاية الأردنية، واقترحوا منح المسألة بعدًا إسلاميًا أوسع مما أثار قلق الاردن الرسمي في هذا الاطار…
الولايات المتحدة وإسرائيل
يسعى هذا التحالف الامريكي الاسرائيلي إلى تمرير قضايا حساسة على مصلحة الاردن تتعلق بخصوصية التأثير الاردني في الواقع الفلسطيني وبالاتفاق مع العرب (ثلاثي مصر السعودية الامارات)، وهى قريبة من توجهات تتسق مع مخرجات صفقة القرن، فقد حوصر الدور الأردني في القضايا الإقليمية بالشرق الأوسط، وتراجعت فاعليته بوصفه وسيطًا موثوقًا في فاعليته من أغلب الأطراف، فضلاً عن التهميش الإسرائيلي للدور الأردني سواء أكان وسيطـاً بينها وبين دول الخليج أم على مستوى التنسيق بخصوص الشأن السوري…
تمثل المشكلة الفلسطينية القضية المركزية التي تحدد اتجاهات التقارب والتباعد بين الطرفين (الاردني والاسرائيلي) وغير بعيد عن ذلك الدور الامريكي المنحاز دوما لدولة الكيان، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار فارق الإمكانيات بينهما ” الاردني والاسرائيلي ” رغم التقارب في متغير الحجم الديموغرافي، فالفارق بين إجمالي الناتج القومي كبير للغاية لصالح إسرائيل ، ناهيك عن الفجوة الكبيرة في القوة العسكرية والتقدم التكنولوجي وأدوات النفوذ الخارجية
فإذا قبلنا بأن العلاقات الدولية نتاج تفاعلات موازين القوى (بمتغيراتها المادية والمعنوية وفن إدارة هذه المتغيرات)، فإن دولة الكيان تسعى لاستثمار نقاط التقاطع مع الأردن لحل المشكلة الفلسطينية على حسابه، والفارق بين التصورات الإسرائيلية المختلفة في هذا المجال هو في درجة خطورتها على الأردن من ناحية، أو في درجة قابليتها للتطبيق من قبل الأردن الرسمي والشعبي أو الطرف الفلسطيني أو القوى الدولية والإقليمية من ناحية أخرى…
امريكيا اتخاذ الادارة الامريكية قرارا بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أظهرت الإدارة الأميركية أن هدفها الأساسي هو حل منظمة الأونروا بأي ثمن، وإزالة حالة ” اللاجئ ” عن كل الفلسطينيين باستثناء الفلسطينيين القلائل الذين فروا من فلسطين أثناء الانتداب البريطاني في عام 1948، وهي خطة تكشف عن جهل عميق بالمشاكل السياسية والاقتصادية الحالية في الأردن وتجلى ذلك عبر ما سرّب من عرض قدّمه جاريد كوشنر للاردن مفاده تسليم الأردن الملايين من الدولارات التي تمنحها الولايات المتحدة سنويا للأونروا مقابل استيعاب المسؤولية الكاملة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما رفضه الاردنيون وما أثار موجة غضب اردنية صلبة…
الوضع الفلسطيني
في رأينا من المحتمل أن يخفت الدور الأردني في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المقبلة مقابل بروز دور سعودي قوي ومنافس، تجلى ذلك من تصريحات رأس الدبلوماسية السعودية عن جهوزية المملكة لإقامة علاقات تطبيعية مع الدولة العبرية إذا نجحت إدارة ترامب في دفع أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى التفاوض، ومن هنا سيكون للسعودية دور مؤثر في حل القضية الرئيسية في المنطقة على اعتبار ما تمثلة السعودية من ثقل ديني وعربي في العالمين العربي والإسلامي، ومن المعلوم بأن الأردن يرتبط بعلاقات شاملة مع دولة الكيان الصهيوني منذ اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية ” وادي عربة ” التي وقعت في عام 1994 وهي اتفاقية مؤسسة للدور الأردني والمحوري في منطقة الشرق الأوسط كالراعي الإقليمي والمحفز لبناء سلام شامل وعادل في المنطقة، وكان هذا يحسب للدور الفاعل للملك الحسين رحمة الله حيث يعتبر من الزعماء المخضرمين في مسألة دروب الملف الفلسطيني …
لقد حاولت دولة الكيان وفي زمن الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك للتطبيع مع دول الخليج عبر ” مصر مبارك ” ولكن قوبل برفض كبير وقتئذٍ ولكن تغير القيادة في مصر والمملكة وتفاقم أزمات المنطقة شرع في التحول الجاري حاليًا لفتح قنوات اتصال سعودية إسرائيلية أملا في حل القضية الفلسطينية، خاصة أن الرئيس السيسي دعا إلى توسيع دائرة السلام في المنطقة مع دول أخرى واستنساخ تجربة السلام المصرية الإسرائيلية والدور الترامبي في المنطقة يستند إلى الرياض والقاهرة أكثر من الأردن…
الوضع السوري
ما زال الغموض يلف الموقف الرسمي الأردني مما يجري في سوريا، حاول الأردن أن ينأى بنفسه قدرالإمكان عن التورط في الصراع الدائر هناك، وكان الموقف الرسمي الأردني الذي يتسم بالحذر والسير على خيط رفيع من التوازنات الدقيقة بين الضغوط المتداخلة داخليا وخارجيا، واللعب على المتناقضات في التعاطي مع ” المعضلة السورية ” لم يكن يرضي أطرافا دولية وإقليمية رغم أنه يستمد قوته من الموقف الأميركي في هذا الشأن…
غير ان ما استجد من امور بعد سيطرة الدولة السورية الرسمية على 85% من مساحة التراب السوري وما تبع ذلك من فتح معبر الحدود الشمالي بين البلدين في منطقة ناصيف – جابر ،وقيام بعض البرلمانيين من مجلس النواب الاردني بزيارة الرئيس الاسد في دمشق ودعوة رئيس مجلس الشعب السوري لحضور المؤتمر البرلماني العربي في عمان مؤخرا وايضا تبادل الزيارات بين التجاريين كلها عوامل مؤشرات ايجابية … لكن لغاية الان لا يوجد تطبيع في العلاقة بين عمّان ودمشق حتى اللحظة، وأن الوفد البرلماني الذي زار دمشق هو مبادرة خاصة ولم يمثل إلا نفسه وتصرف بمحض إرادته.
هذا كله مفيد وجيد في سبيل عودة العلاقات بين البلدين الشقيقين ،ولكن ما ظهر في الافق من خبث ودهاليز الادارة الامريكية الترامبية هو تهديد الملحق التجاري الأمريكي في سفارة واشنطن لدى عمّان التجار الأردنيين وتحذيرهم من التعامل مع نظرائهم السوريين ، ونعتقد بأن هذا التصرف الغريب من الدبلومسي الامريكي يخالف كافة الأعراف الدبلوماسية ولم يكتفي هذا الدبلوماسي بالتحذير بل وقام بالتنبيه على تجار وصناعيين أردنيين وهددهم بالملاحقة في حال تعاونوا مع سوريا… وهنا لا بد من قيام الحكومة الاردنية باستنكار هذا التصرف والذي من شأنه الحاق الضرر الاقتصادي والسياسي والمجتمعي بالاردن…
الداخل الاردني
اردنيا فلا ادري من اين استل حروف كلماتي لتوضيح حالة بلادنا والتي اصبحت عناوين ومانشيتات لعناوين الاخبار المسموعة والمرئية والمقروئة عربيا ودوليا ، وكم كتبنا عبر موقع هذه الصحيفة الغراء عن مشاكل بلادنا والحلول الناجعة ،ومؤخرا سلمنا الديوان الملكي نسخة من بحث متكامل يحتوي على ثمانية مبادرات استراتيجية وبرامجها وعلى راسها مكافحة البطالة والنهوض الاقتصادي والاصلاح الاداري … لكن لو ناديت فقد اسمعت حيا ، وفي اعتقادي ان مشاكل البلاد لا يستطيع اي فرد او حزب او تجمع في الاردن ان يحلها في الظروف الحالية و لا اعتقد ان رؤوساء الوزارات و الوزراء و كبار موظفي الدولة السابقين و الحاليين ، فالامر يحتاج الى قرار سياسي على مستوى الدولة لصالح القرار الاقتصادي بحيث تغير استراتيجية الدولة من دولة تعتمد على الاعانات و المعونات و المنح و القروض الخارجية الى دولة تعتمد على قدراتها الذاتية…
باحث ومخطط استراتيجي