الرئيسية / أخبار / من يشعل فتيل برميل البارود في جنوب آسيا؟

من يشعل فتيل برميل البارود في جنوب آسيا؟

د. وائل عواد

وقعت عمليتان إرهابيتان ،واحدة في  مدينة زاهدان جنوب شرق إيران والثانية في منطقة  بولواما من إقليم جامو وكشمير الهند راح ضحيتهما عدد من الجنود والمدنيين  .الاولى لم تحظى باهتمام عالمي وبقي الأمر بيد إيران لتكشف النقاب عن الجهة المسؤولة عنها والوعيد والانتقام برد قاس ضد الجماعات المسلحة ومن يقف وراءها وقامت باستدعاء سفيرها في إسلام آباد للتشاور بعد أن وجهت الاتهامات بشكل مباشر لإسلام آباد .  واقتصرت الاستنكارات على الحلفاء والدولة الصديقة .بينما العملية الارهابية في الاقليم الكشميري الهندي حظيت باهتمام عالمي وتدفقت الاتصالات من قادة الدول إلى القادة الهنود وتعالت رسائل التنديد والاستنكار  بهذه العملية الارهابية  التي استهدفت رتلا” من قوات الجيش الهندي المرابطة في الإقليم .المثير للدهشة أن كلا العمليتين مصدرهما  باكستان فقد اتهمت طهران جماعات مسلحة تتخذ من إسلام آباد مقرا” لها بالوقوف وراء العملية بدعم سعودي إماراتي أمريكي اسرائيلي .وسارعت نيودلهي ، هي الأخرى، بتوجيه الاتهامات إلى إسلام آباد بالوقوف وراء العملية بعد ان اعلن جماعة جيش محمد الجهادية المسلحة  مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري.

جاء رد الهند سريعا” فقد توعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي برّد قاس وأن باكستان سوف تدفع ثمنا” باهظا” واعطى الجيش الهندي الصلاحية الكاملة لاختيار الوقت والزمان المناسبين للرّد .واكد رئيس الوزراء مودي ،أن الهند الجديدة تحت قيادته تختلف عن الهند السابقة.واستدعت نيودلهي مفوضها السامي في إسلام آباد للتشاور وألغت الأفضلية التجارية لباكستان وقطعت التبادل التجاري والثقافي بينهما.وبدأت جولة من الاجتماعات والمشاورات مع رؤساء البعثات العربية والأجنبية في الهند لاطلاعهم على العملية والمستجدات في محاولة لعزلة باكستان دوليا”.

جاءت هاتان العمليتان في الوقت الذي اختتمت فيه أعمال مؤتمر وارسو للتطبيع مع إسرائيل و الذي دعت إليه واشنطن للضغط على إيران وخرج التقارب الخليجي مع تل أبيب إلى العلن ووجه وزير  الخارجية السعودي عادل الجبير اتهامات مباشرة عدائية ضد إيران .

تزامنت هذه التطورات الامنية مع أحداث ساخنة في المنطقة ، فقد بدأت الولايات المتحدة بالحوار المباشر مع حركة طالبان في أفغانستان ،بمساعدة باكستان ،وبدأ الحديث عن انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية المرابطة هناك مقابل امتناع الحركة عن دعم الحركات الإرهابية. وهذا يعني أن هذه الجماعات السلفية الجهادية ستتوجه إلى دول أخرى مثل إيران والهند مستخدمة  الأراضي الباكستانية لممارسة نشاطاتها الارهابية ضد دول الجوار .وهذا ما يثير قلق الحكومة الهندية التي سارعت لكشف النوايا الباكستانية والضغط على الصين أيضا” لاتخاذ موقف مؤيد للهند.

هناك قناعة في الهند أن باكستان تبقي نزيفها متواصل في اقليم جامو كشمير الجانب الهندي من خلال دعمها للحركات المسلحة و وتوفير الحماية الامنية للجماعات المسلحة المعادية للهند وتسهيل تسلل المرتزقة الأجانب إلى الجانب الهندي من كشمير لشن عمليات مسلحة ضد الجيش الهندي والقوات الامنية هناك.

وتحاول هذه الجماعات المسلحة استغلال حالة التوتر الامني في الاقليم الكشميري وتجنيد المزيد من الكشميريين المحليين. تصدرت وسائل الإعلام الهندي تفاصيل العملية وابعادها والتعبئة الشعبية للرد  في ذروتها في شبه القارة الهندية . وتعالت الأصوات المتشددة  إلى ضرب باكستان بالعمق والانتقام من الكشميريين في عدة مدن هندية وسط سخط شعبي عارم ضد باكستان وأهالي كشمير. اتخذت جميع الأحزاب السياسية في الهند موقفا” موحدا”  في محاربة الإرهاب مما يعطي الحكومة الهندية اليد العليا للرد وتحريك الرأي العام  العالمي إلى  جانب الهند.

نددت واشنطن بالعمل الارهابي  وطالبت باكستان بوقف دعم الجماعات الارهابية التي تتخذ من باكستان مقرا” آمنا” لها . واتصل  جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي مع نظيره الهندي أجيت دوفال وأعرب  عن دعم الولايات المتحدة  للهند وحقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب عبر الحدود  والتعاون بين الطرفين لوقف نشاطات جماعة جيش محمد في باكستان والإعلان عن زعيم الجماعة مولانا مسعود أزهر على أنه إرهابي دولي  في الأمم المتحدة .

 حاولت كل من  الهند والصين خفض حدة التوتر بينهما واتخاذ خطوات لبناء الثقة والحفاظ على حالة  الهدوء والأمن على طول الحدود بينهما.  يسبب التقارب الصيني الباكستاني قلقا” لصانعي القرار في الهند خاصة الممر الاقتصادي وامتناع بكين عن دعم قرار هندي في مجلس الأمن لاعتبار مؤسس حركة جيش محمد زعيم إرهاب عالمي.

تقف  كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عائقا” في زيادة الضغوط الاقتصادية الهندية على باكستان التي تعاني اصلا” من أزمة اقتصادية حادة .وكانت هاتان الدولتان قد تعهدتا بمساعدة اسلام آباد ماديا” للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية.

وكانت الهند تحت قيادة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من تعزيز علاقاتها مع دول الخليج في المجالات كافة والارتقاء بالعلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية باعتبار ان الجالية الهندية الاكبر في  دول الخليج  وتسعى هذه الدول للاستثمار في الهند وتعزيز التعاون الأمني والعسكري .ولذا فإن الهند سوف تستغل زيارة العاهل السعودي محمد بن سلمان المتوقعة في 19-20 من الشهر الجاري لشرح الموقف الهندي والمطالبة من الرياض بالضغط على حليفتها الاستراتيجية إسلام آباد لكبح نشاطات الجماعات المعادية لنيودلهي. .

يبدو ان الاقليم الكشميري يتوجه نحو ظاهرة العنف المسلح التي اجتاحت وادي كشمير في أوائل التسعينيات .ومنذ تسلم حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي زمام السلطة المركزية في البلاد عام 2014  بدا التصعيد في الاقليم ورفض الحكومة التباحث مع القادة الكشميريين الانفصاليين .و قتل الكثير من المسلحين المحليين أكثر من الاجانب وهي ظاهرة جديدة وليس كما كان في السابق حسب المصادر والتقارير الامنية الهندية . ويعزو البعض ذلك  إلى الفراغ السياسي في الولاية وامتناع الحكومة المركزية من التباحث مع قادة الحركات الانفصالية الكشميرية .مما ادى إلى تدهور الاوضاع الامنية وازدادت المواجهات المسلحة المستمرة بين قوات الأمن الهندية والمسلحين الكشميريين مما زاد من نسبة التطرف  في الولاية والتوجه نحو السلاح من قبل الأهالي .ناهيك عن ارتفاع حدة التوتر على طول خط التماس في الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان والاتهامات المتبادلة بين الطرفين لانتهاك هدنة وقف إطلاق النار الموقعة بينهما وفي أول ردة فعل هندية قامت الحكومة المركزية بسحب قوات الحماية عن القادة الكشميرين الانفصاليين الذين تتهمهم بالولاء لباكستان. وتعالت الأصوات وسط أنصار الحزب الحاكم بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي تمنح ولاية جامو وكشمير حالة خاصة. ويتخوف البعض من انتقام هندي ضد الأهالي في الإقليم واتهامهم بالولاء لباكستان .

يذكر في هذا الشأن ان باكستان تعتبر إقليم كشمير  لّب الصراع مع الهند  بينما  تعتبر الهند  إقليم جامو وكشمير، بما فيه الجانب الباكستاني، جزء لا يتجزأ من أراضيها  .سبب الصراع حول الإقليم بنشوب ثلاثة حروب بينهما وكاد أن يؤدي بنشوب حرب رابعة بينهما في إقليم كارجيل .وزادت مخاوف المجتمع الدولي من نشوب حرب لا يحمد عقباها بعد تحّول البلدين نوويا” عام 1998.وتعتبر إسلام آباد قوة الردع النووية  لديها لمواجهة أي اعتداء هندي حتى بسلاح تقليدي.

هناك تعاطف عالمي مع الهند في حربها ضد الإرهاب عبر الحدود وتحمّل العديد منها باكستان مسؤولية ذلك لاحتضانها جماعات مسلحة معادية للهند تستخدم أراضيها لمهاجمة القوات الهندية . وتسعى نيودلهي لتكثيف حملتها الدبلوماسية العالمية لعزلة باكستان على الرغم من نفي باكستان  بشدة تورطها بهذا الهجوم.

من غير المستبعد ان تكتفي الهند بالرد الدبلوماسي على الاعتداء الإرهابي، الذي يعد الأعنف من نوعه لعقود من الزمن ،بعد ان حملّت إسلام آباد مسؤولية الهجوم .وتسود حالة من الحزن والسخط  في شبه القارة الهندية.كما تتزايد الأصوات بالانتقام من باكستان لاحتضانها جماعة جيش محمد وزعيم الجماعة مسعود اظهر الذي سبق وأطلق سراحه في عملية تبادل المسلحين مع ركاب الطائرة المدنية الهندية التي اختطفت عام 1999 وأجبرت على الهبوط في إقليم قندهار في أفغانستان حيث دّرب مسعود عناصره هناك بدعم من حركة طالبان الأفغانية والاستخبارات الباكستانية  . وتركت الجماعات بصماتها على عدة هجمات في الهند من الهجوم على البرلمان الهندي عام 2001 والهجمات المتكررة في إقليم جامو وكشمير باتاكونت وأوري والتي تسببت بوقوع عدد  من الضحايا وسط قوات الأمن والجيش الهندي .وتعرضت باكستان لضغوط دولية مما دفعها حظر نشاطات الجماعة المسلحة ووضعت زعيمها قيد الإقامة الجبرية .لكن الجماعة المسلحة نفذت عملياتها ومارست نشاطاتها تحت مسميات اخرى .وحاولت الهند وضع زعيم الحركة تحت الإرهاب الدولي في الأمم المتحدة لكن الصين عارضت القرار.

 وحيث من المتوقع أن تتوجه الهند إلى  الانتخابات البرلمانية في منتصف العام الجاري فإنه من المستبعد أن تقف الحكومة الحكومة  المركزية صامتة وتمتنع عن الرّد على هذا الهجوم الانتحاري. وسبق للجيش الهندي بشن ضربات عسكرية داخل باكستان انتقاما” لعمليات مماثلة كانت تقف وراءها جماعة  جيش محمد المسلحة  في الإقليم الكشميري الجانب الهندي. ويرى العديد من المراقبين أن الرد الهندي هذه المرة سيكون موجعا” للغاية لباكستان ولن تكتف الحكومة المركزية بالحديث ولكن سوف تقرن ذلك  بالدلائل لإرضاء الشارع الهندي وكسب تأييده والتأكيد على عدم تهاونها مع باكستان  والجماعات الموالية لها .ولكن ماذا سيكون رد فعل إسلام آباد ؟وهل ستقف مكتوفة الأيدي ؟

لقد حان الوقت للتعامل مع الإرهاب كظاهرة دولية يجب محاربتها من قبل جميع دول العالم والابتعاد عن الانتقائية في التعامل مع الحرب ضد الإرهاب وأن هناك” ارهاب معتدل” كالذي ضرب إيران أو” إرهاب سيء” كالذي ضرب الهند . ومن يدعم الارهاب سوف يدفع الثمن كما يقول المثل “طباخ السم ذّواقه” وعلى الدول ان تعالج المشكلة جمعاء وتقضي على جذوره ومسبباته ولا تحول ظاهرة الإرهاب  أداة تستغلها  لتحقيق مآربها السياسية ضد دول تعارض سياستها وأطماعها. هناك محاولات لإعادة إحياء تنظيم القاعدة في أفغانستان ودخل تنظيم داعش الارهابي الساحة الافغانية ايضا” .كما يوجد العديد من الجماعات المسلحة النشطة في أفغانستان وباكستان ولذلك فإن ظاهرة الإرهاب تهدد دول جنوب آسيا دون استثناء.

لن يحتمل العالم حربا” جديدة بين الدول ولن تكون النتائج مرضية لأي كان سوى الدمار والخراب والتشرد .

كاتب صحفي عربي مقيم في الهند