الرئيسية / أخبار / الانسحاب من سوريا هل هو بداية مرحلة جديدة؟

الانسحاب من سوريا هل هو بداية مرحلة جديدة؟

د. سماء سليمان

دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية وخبيرة في العلاقات الدولية

منذ إعلان الرئيس الأمريكي رونالد ترامب عزمه الانسحاب من سوريا في 19 ديسمبر 2018 وقد اختلفت ردود الأفعال تجاه هذا القرار داخل أمريكا من ناحية وخارجها من ناحية ثانية وقد اعتمد موقف كل طرف سواء بالموافقة أو الرفض حسب رؤيته ومصالحه، كما اختلف المراقبون الدوليين في تفسير سبب إعلان هذا الانسحاب وفي هذا التوقيت وما مغزاه؟

بداية، هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس ترامب عزمه الانسحاب من سوريا مما يعني أنه سوف ينفذ انسحابه كما فعل سابقا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقد كان الكثيرون يستبعدون ذلك. والحقيقة أن مرحلة ترامب هي مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية وهي المرحلة التي تصر فيها أمريكا على أن تظل القطب الأوحد في النظام العالمي الحالي والمستقبلي ومن ثم أوضحت بأن المنافسين لها على تفوذها العالمي هما روسيا والصين وبالتالي هدف إدارة ترامب هو الوصول إلى آسيا للحيلولة دون نمو هاتين القوتين في النظام العالمي وقد بدأت ارهاصات هذا التنافس من خلال الوجود الأمريكي في سوريا مقابل الوجود الروسي فيها مما يعنى أن انسحاب أمريكا لن يكون اعترافا بانتصار روسيا أو السماح بتكوين نظام إقليمي وعالمي جديد ومتعدد الاقطاب على الأراضي السورية، فضلا عن الحرب التجارية بين أمريكا والصين والتي تخفي حربا باردة تكنولوجية حول الذكاء الاصطناعي بين الدول الثلاث للسيطرة على المواطنين والأنظمة السياسية في دول العالم.

مرحلة جديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة:

أوفد الرئيس ترامب إلى المنطقة جون بولتون مستشاره للامن القومي إلى كل من إسرائيل وتركيا ووزير خارجيته مايك بومبيو إلى دول الخليج مصر والأردن والعراق ليس لطمأنة الحلفاء كما ذكر العديد من المراقبين الدوليين ولكن للإعلان عن مرحلة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية وللمنطقة.

وتتمثل مفاتيح هذه المرحلة الجديدة في (الطاقة وتركيا)، فأمريكا سوف تركز في حربها الباردة مع روسيا والصين على السيطرة على خطوط الطاقة عبر العالم وكذلك سوف يكون لتركيا دور رئيسي خلال المرحلة القادمة، كما ستعطي لتركيا دور أكبر في سوريا وستقدم لها امتيازات للحصول على الطاقة لتعطيل مرور خطوط أنابيب الغاز الروسي عبر أراضيها من خلال سماح أمريكا لتركيا بالاستيلاء على غاز قبرص في البحر المتوسط باستخدام القوة ووعود بتصدير غاز اسرائيل من خلالها رغم ما يحول دون تحقيق ذلك من طبيعة هذه المنطقة.

واتساقا مع ذلك، كتب رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، مقالاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 7 يناير تحت عنوان “ترامب محق بشأن سورية، فتركيا يمكنها إتمام المهمة“، استهله قائلاً إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخذ القرار الصحيح بالانسحاب من سورية. ومع ذلك، يجب التخطيط لانسحاب الولايات المتحدة بعناية وتنفيذه بالتعاون مع الشركاء المناسبين لحماية مصالح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والشعب السوري. وتُعتبر تركيا، التي تملك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، هي البلد الوحيد الذي يتمتع بالقوة والالتزام لأداء تلك المهمة.

واقترح استراتيجية شاملة للقضاء على الأسباب الجذرية للتطرف، وتتمثل الخطوة الأولى في إنشاء قوة لإرساء الاستقرار تضم مقاتلين من جميع أنحاء المجتمع السوري حتى يمكنها خدمة جميع المواطنين السوريين وتنفيذ القانون والنظام في شتى أرجاء البلاد. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من سورية، ستستكمل تركيا عملية تدقيق مكثفة لإدراج جميع المقاتلين الذين لا صلة لهم بالمنظمات الإرهابية في قوة إرساء الاستقرار الجديدة. ويعد ضمان التمثيل السياسي الكافي لجميع الطوائف هو أولوية أخرى. فتحت إشراف تركيا، ستخضع الأراضي السورية التي يسيطر عليها داعش أو وحدات حماية الشعب لحكم مجالس منتخبة شعبياً. وسيكون الأفراد الذين لا صلة لهم بالجماعات الإرهابية مؤهلين لتمثيل طوائفهم في الحكومات المحلية.وستتكون المجالس المحلية في الأجزاء التي تقطنها أغلبية كردية في شمال سورية بشكل كبير من ممثلي المجتمع الكردي، مع ضمان تمتع جميع الطوائف الأخرى بتمثيل سياسي عادل. وسيوفر المسؤولون الأتراك المشورة لهم بشأن الشؤون البلدية والتعليم والرعاية الصحية وخدمات الطوارئ.

مما يعني أن تركيا تريد إنشاء جيش موازي للجيش السوري وكذلك الاشراف على الحكم في سوريا ومن ثم تصبح الحاكم الفعلي للدولة وتحويلها إلى محليات أي تفتيت الدولة حتى تستطيع السيطرة عليها مع الانتقام من المقاتلين الذين حاربوا ضدها من الأكراد.

أهداف زيارة بومبيو للمنطقة:

 أكد وزير الخارجية مايك بومبيو خلال زيارته الأخيرة للمنطقة بعد اعلان الانسحاب من سوريا للمنطقة أن دول المنطقة تمر بمرحلة جديدة لتطورات الأحداث في المنطقة وهو ما عكسته كلمته في الجامعة الأمريكية بالقاهرة يوم 10 يناير بالقول :”الآن تأتي البداية الجديدة الحقيقية” حيث اكد على الانسحاب الامريكي من سوريا ورفضه للنظام السوري القائم حيث قال “لقد اتخذ الرئيس ترامب قرارا بإعادة قواتنا إلى الوطن من سوريا. إننا نفعل ذلك دائما وقد آن الأوان لهذه الخطوة الآن” وأضاف: ” ولكن هذا ليس تغييرا في المهمة فنحن ملتزمزن بالتفكيك الكامل لداعش والقتال المستمر ضد الإسلام الراديكالي ولكن كما قال الرئيس ترامب، نحن نتطلع إلى قيام شركائنا بعمل المزيد وبذل جهد سنقوم به سويا”، واكد على أن أمريكا ستواص مساعدة شركائها في الجهود المبذولة لحماية الحدود وملاحقة الإرهابيين وأضاف: “لكن “المساعدة” هي العبارة الرئيسية ونحن نطالب كل دولة محبة للسلام في الشرق الأوسط تحمل مسؤوليات جديدة لهزيمة التطرف الإسلامي أينما وجدناه”(مما يعني أن أمريكا لن تحارب في سوريا ولكن على الحلفاء القيام بهذا الدور فيها).

وأكد أن إيران الخطر الأكبر وضرورة التصدي لاجندة النظام الإيراني أي تقليل نفوذه في المنطقة وعلى رأسها سوريا حيث قال:”سوف تعمل امريكا مع شركائها لطرد أخر جندي ايراني من سوريا” كما اضاف:”لن تكون هناك مساعدات من أمريكا لاعادة إعمار المناطق السورية التي يسيطر عليها الأسد حتى تنسحب إيران وقواتها بالوكالة وحتى نرى تقدما لا رجعة فيه باتجاه حل سياسي” (مما يعني أن القضية السورية والحرب مستمرة فيها حتى خروج القوات الايرانية منها حتى لو بمحاربتها من قبل حلفاء أمريكا في المنطقة وكذلك النيل من حزب الله ونفوذه في لبنان حيث لن تقبل أمريكا باستمرار هذا الوضع القوى للحزب في لبنان)، وطالب الوزير بضرورة التوصل مع جميع الدول للعمل على تقييد النشاط الخبيث للنظام الايراني ووقف الموجه الايرانية للدمار الإقليمي وحملات الإرهاب العالمية. (تقليص الدور الايراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن) ومن ثم طالب دول الخليج ومصر والاردن لترسيخ التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الأكثر خطورة في المنطقة وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة(أي وفقا لمفهوم السلام الاقتصادي والسيطرة على الطاقة في المنطقة ضد مصالح الصين وروسيا)، ولذا أشاد بالتقارب بين إسرائيل والدول العربية مما يعني أن القضية الفلسطينية ستحل وفق رؤية إدارة ترامب وضد المصالح الفلسطينية والعربية وذكر أن خطوات التقارب مع اسرائيل ضرورية من أجل تحقيق أمن أكبر (أي دخول إسرائيل في الترتيبات الأمنية في المنطقة وليس مستبعدا انضمامها للتحالف الاستراتيجي في مرحلة قادمة) في مواجهة تهديداتنا المشتركة (المقصود إيران) كما أنها تشير إلى مستقبل أكثر إشراقا للمنطقة.

تباين مصالح الولايات المتحدة ودول المنطقة:

كما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق مصالحها فإن هناك مصالح أخرى لباقي الدول التي يزورها كلا من بلتون وبومبيو، حيث وضع بولتون شروطا جديدة للانسحاب، حيث قال بولتون إنه لا يوجد جدول زمني محدد للانسحاب؛ لأن واشنطن عازمة على ضمان هزيمة الدولة الإسلامية الكاملة، وحماية الأكراد السوريين من الهجوم الذي يلوح في الأفق من قبل تركيا.

وبدلا من تحدث بلتون مع المسؤولين الأتراك حول التعاون على تنفيذ خطة الرئيس دونالد ترامب لسحب القوات الأمريكية بسرعة من سورية. إلا أنه تلقى بدلاً من ذلك توبيخاً لاذعاً. إذ رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاجتماع معه، وقام بتوبيخه على الهواء مباشرة في التلفزيون، واصفاً تصريحاته التي تجعل خطة الخروج الأمريكية مشروطة بحماية المقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة بأنها “خطأ فادح”.

حيث تحطم الحلم التركي بمليء الفراغ الأمريكي في سوريا، حيث تعتبر تركيا القوات الكردية إرهابية وتعهدت بمهاجمتها في شمال شرق سورية حالما يغادر الأمريكيون، ويمكن القول هنا، أن خطة الانسحاب الأمريكية وجهت باعتراضات تركية لتعارض أهدافهما ومصالحهما.

ومن ناحية أخرى وجهت جولة بومبيو بالأولويات الخاصة لحلفاء أمريكا في المنطقة، ففي الأردن، كان وزير الخارجية أيمن الصفدي صارماً بشأن مطالبه بضرورة تنسق الولايات المتحدة أي انسحاب للقوات من سورية مع حلفائها الإقليميين. كما رفض الوزير طلب إسرائيل بأن تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل في مرتفعات الجولان.

كما لم يتم إحراز أي تقدم في حل النزاع الذي يقسم دول الخليج، وهو ما يقوض احتمالات التوصل إلى اتفاق أمني لاحتواء نفوذ إيران. وقد تسبب ذلك في استقالة المبعوث الخاص للإدارة الأمريكية المكلف بإنشاء تحالف عسكري أمريكي مع دول الخليج العربي من منصبه، ونسبت شبكة (سي.بي.إس) يوم 8 يناير إلى زيني قوله إنه تنحى عن المهمة التي أوكلت له من إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد أن أدرك أنه لا يستطيع حل النزاع بسبب ”عدم استعداد زعماء المنطقة للموافقة على جهود وساطة مستدامة عرضنا القيام بها أو المساعدة في تنفيذها“.

مستقبل سوريا والمنطقة:

وعن مستقبل الأوضاع في سوريا، يمكن القول أن سمة شبح حرب بين تركيا والأكراد يلوح في الأفق، حيث قال شاهوز حسن، الرئيس المشارك لأكبر جماعة كردية في سورية، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ، والذي عمل عن كثب مع القوات الأمريكية في سورية لدحر الدولة الإسلامية: “سنكون مستعدين”.

في الوقت الذي أعلنت فيه تركيا تجاهلها طلب إدارة ترامب لتأخير العملية العسكرية التركية على شمال شرق سورية. وقال أردوغان: “قريبا جدا، سنتخذ إجراءات لتحييد المنظمات الإرهابية في سورية”، وأضاف قائلا: “لقد أكملنا استعداداتنا للعملية إلى حد كبير”. 

أما عن مستقبل المنطقة، فثمة مؤشرات لحرب متعددة الأطراف جاري التجهيز لها، ومن مؤشراتها: أولا: نقلت أمريكا جزء من قواتها من افغانستان وسوريا إلى العراق، ثانيا: وصلت حاملة الطائرات الامريكية النووية ومعها 13 قطعة بحرية وتحركات حاملات طائرات أمريكية في المحيط الهادي والبحرين المتوسط والاحمر، ثالثا: إعلان القيادة الإيرانية عزمها على إطلاق صواريخ قادرة على حمل أقمار صناعية نحو الفضاء في الأشهر القادمة يعني ان هناك توجسا لدى القيادة الايرانية من الاعداد لامرا ما، رابعا: قيام اسرائيل بضربات ضد سوريا ومواقع لحزب الله وإيران من وقت لآخر، كما طالب نيتانياهو القيادة الروسية ان تنشر موسكو منظومة أس-300 بعيدا عن طرطوس والجنوب السوري وإعادة نشرها في شرق سوريا في ممنطقة دير الزور مما يعنى ان ثمة مخططا عسكريا محدودا لتشكيل خارطة القوى في كل من إيران وسوريا، خامسا: تقديم موعد الانتخابات الاسرائيلية إلى شهر أبريل 2019 يدفع بنتانياهو إلى اتخاذ قرار حرب ضد حزب الله وإيران لرفع شعبيته، ومن ثم كان خروج القوات الامريكية من سوريا والتوجه الي القاعدة الجوية في العراق، سادسا: اشيع الكثير قبيل نهاية عام 2018 عن انشاء منطقة آمنة في شمال سوريا تتولى الاشراف عليها دول عربية وهذه المنطقة هي التي تقع شرق الفرات والتي ستكون منطقة لاستقبال النازحين واللاجئين الجدد وليس السوريين الموجودين في تركيا أو غيرها ما يعني أن حربا اقليمية قد تحدث في الأشهر الهمسة الأولى من عام 2019 لتغيير موازين القوى.

وأخيرا، يمكن القول أن زيارة كلا من بومبيو وبولتون للمنطقة ليست لطمأنة الحلفاء في المنطقة ولكن لإعلامهم بدخول المنطقة لمرحلة جديدة وحروب جزئية، ومع ذلك يصعب التأكيد على حدوث حرب كبيرة بالمنطقة مع كل هذه التباينات بين الدول لاختلاف مصالحهم وأولوياتهم فضلا عن تأخر تشكل التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، ولكن ممكن حدوث حروب جزئية للحيلولة دون استقرار المنطقة إلا بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ويلحق الضرر بالقوى المنافسة لها وهما الصين وروسيا في النظام الدولي.