خالد عياصرة
ولد الحراك في 2011، تسع سنوات مضت من عمره، الجميع يقف مقابل الجميع دون أن يبادر أحد لمد جسور الثقة لعلاج الحقيقة المرة التي يعاني منها الأردن، سياسة التخوين المتبادلة بين الطرفين، أحد أبرز النتائج التي تبُنى عليها تصورات الاتجاهين، رغم ان كل المؤشرات السياسية والأمنية والاقتصادية تقول بحتمية السير صوب أزمات عميقة لا مفر منها، إن لم يتحرك الحكماء لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
في الأونة الأخيرة، كثرت الانتقادات للحراك، الحجج التي يسوقها المنتقدون تعتمد شيطنته وربطه بجهات وملفات اقليمية ودولية.
هذه الحجج ليست إلا أكاذيب، فالحراك فعل شبابي وجد وطنه يتسرب ويُسلب على يد عصابات ” فساد مؤسسي ” تسيطر على الدولة، خدمة لأهداف بعضها داخلي مرتبط بمصالح فردية شخصية، وبعضها إقليمي ودولي مرتبط بالمنطقة ومشاريعها، تمنع التقدم سياسياً واقتصادياً، وتعمل على تجريف الأردن اجتماعياً وثقافيا ودينياً.
نعم، يلقي الحراك ظاهرياً الدعم من الملك عبد الله الثاني، وكان الحراك حافزاً لاقرار حزمة من القرارات الداخلية – المرتبطة بالمساعدات الخارجية – لكنها لا ترقى لتلبية طموحات الشعب، كما أسهم الحراك لحد بعيد في إيقاف نزيف الكثير من الملفات، وساند في تقوية وتحصين الجبهة الداخلية في لحظات الألم التي شكلتها قضايا الإرهاب والفساد والأزمات.
الحراك المفيد والأردن
حراك متعدد الرؤى، يطوف في مسعاه حول ومن أجل الأردن. في ساحات الحراك تستطيع أن تلقى الجميع، هناك من يطالب بالملكية الدستورية، هناك من يرى بتعديل القوانين ضرورة، هناك من يعتقد أن محاسبة الفاسدون أولوية، هناك من يسعى لإستعادة مؤسسات الدولة ودستورها وقوانينها، من بينهم من يبحث عن مكان تحت شمس الحكومة، منهم من يحتج على سياسة رفع الأسعار، في ساحات الحراك ترى الجميع، لكن ثمة قاسم واحد يجمعهم، الأردن الوطن والتاريخ، الجغرافيا والإنسان والخوف من المستقبل.
المشهد – الفسيفسائي – الذي يمثله الحراك تتشكل دعوته ليكون ناصية الشعب الرافض لسياسات الدولة ومؤسساتها، أما القول والعمل على تأطيره في سياق معين إنما يقود لحصاره والسيطرة عليه لاحقاً، لذا كان عدم الإتساق أحد مكامن القوة التي تمُيزه منذ انطلاقته.
حراك المحافظات وعمان
لذا يمكن اعتبار الحراك وسيلة لاستعادة و حماية الأردن لا إفساده واسقاطه، أما الادعاء بــ” هلامية ” الحراك و “عشوائيته ” وعدم معرفته وخبرته ليست إلا دعوات تهديمية، الهدف منها تحديد خطاه، وضرب قواعده للاستفراد بها لاحقاً، فالحراك منتج أردني محمي، يمثل الاستثمار القادم للعشائر التي ترى نفسها اليوم معرضة للتهميش، في حال أصرت ورفضت الحكومات الإصلاح.
يراه البعض في عمان، مع أن حقيقته في المحافظات. حراك يتمدد ويزداد عمقاً، فالغضب الموجود في المحافظات أكبر من إنكار الحكومات التي تبني استراتيجيتها على أعداد قليلة تتواجد في الدوار الرابع كل أسبوع، والاعتماد على هذه الرؤيا عملياً يحجب حقيقة أن ثمة مكونات أردنية جديدة قد تلحق بالحراك قريباً، تحاول الحكومات اسكاتها وأبعادها. وكأنما الدولة تنظر خائفة مرتعبة، فمن يخرج اسبوعياً ليسوا الا اعداء، بالمقابل تتقن الدولة المترددة في الإصلاح فنون انتظار المصائب للتعامل معها كرد فعل، يجبرها على الحركة، لكن بعد فوات الأوان.
حراك تخشاه أجهزة الدولة، لا تحمله العاصمة عمان على اكتافها، بل يتركز في الأطراف، القهر والجوع، البطالة والظلم، ضحايا الفساد وضحايا الفقر، ، زرعت أشجارها في المحافظات، ولا تُعاني من مرارتها عمان، وكأنما المشهد معكوس، فالاستراتيجية الجديدة للدولة الأردنية تختمر عواملها في المحافظات، وما عمان الا محور فيها.
لذا جاءت سياسة الاعتقالات لشباب الحراك. وسيلة لإسكات محافظات تُعتبر معقلاً للعشائر، والقول باتساع رقعته يعني دخولها على خط دعمه ومساندته، كرد فعل على سياسة الاقصاء والتهميش، – العشائر – والفقر والجوع، التي تتبناها الحكومة.
خاتمة
الحراك، أردني الهوى والهوية، بسمة الأردنيون الوحيدة الباقية التي يمكن أن يُبنى عليها الأمل، أمل استعادة الدولة، حراك يَصنع خطوطه وتفاصيله الشعب ورجالاته، ومثله دعماً ومساندة من يتبنى توجهاته من خارج الأردن، أردنيون لهم الحق في الدفاع عما تبقى من وطنهم كضمان لمستقبل ابنائهم.
وعليه ان أرادت الدولة الإصلاح لابد أن تجلس مع ذاتها أولاً، للتفكير بتجرد والاعتراف بالأخطاء، كما عليها الخروج من معاقلها في عمان والتوجه صوب المحافظات للاستماع لمطالب الشعب، الشعب الذي قارب على الانفجار