امتلأت أخبار بداية العام الجديد بالدراما و«الأكشن» والغرائب
الطريفة منها والمؤلمة وكلّها يقول إن العام الجديد سيحمل على ظهره أثقال الأعوام
الماضية وعجائبها ومآسيها فنهايات السنوات أو بداياتها محطات رمزيّة يمكن
الاستهداء بها والاستشفاف منها فلا يقع المؤمن في جحر مرتين، أو يكرّر إلى ما شاء
الله أخطاءه.
تتصدّر حوادث كراهية
البشر لبعضهم البعض سلّم الأخبار ولا نستثني هذه الحوادث قارّة أو بلداً، وتثير
مكنوناتها وما يرافقها من مدلولات كما فعل أحد الإرهابيين العنصريين في ألمانيا
باستهداف مجموعة مهاجرين أفغان وسوريين أبرياء بسيارته، فيما نجد إرهابيّا على
المقلب الآخر من نهر الكراهية يستهدف أيضاً أناساً أبرياء ولكن هذه المرة من
البريطانيين في مدينة مانشستر بحادث طعن، وسبق ذلك بأيام حادث هجوم على سيّاح في
مصر فابتهج مسؤول عسكري لأنهم لم يكونوا أمريكيين أو أوروبيين في ترتيب ازدرائي
لمقامات البشر!
تبدو بعض حوادث
فاتحة العام في منزلة بين الملهاة والمأساة ومن ذلك محاولة 100 من مهاجري أمريكا
الوسطى دخول الولايات المتحدة ليلة رأس السنة فيما كان الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب يغرّد متمنيا «عاماً سعيدا للجميع بمن فيهم الحاقدون وإعلام الأخبار
الكاذبة»، وكانت «القيادة العسكرية الاستراتيجية» الأمريكية التي تشرف على
الترسانة الذرية لبلادها تغرّد بدورها مهددة العالم بإسقاط قنابل نووية ما دفع
مسؤولا أمريكيا سابقا عن «مراقبة أخلاقيات» الحكومة الأمريكية للتساؤل: «ما هو نوع
المجانين الذين يديرون هذا البلد؟».
يثير التأمل أيضاً
كيف أن سعي البشر للفرح والاحتفال والابتهاج يؤدي أحياناً إلى عكس المطلوب منه،
وإذا كان الأمر يبدو مضحكا أحيانا، كما حصل حين علق ثمانية أشخاص ليلة رأس السنة
على ارتفاع 50 مترا عن الأرض في مدينة ملاه فرنسية، أو حين خرجت النار عن السيطرة
في منتجع بهولندا، فإن التطرّف يؤدي بالضرورة إلى حوادث بشعة ومؤذية كما حصل في
سوريا التي سقط فيها قتيلان وعشرات المصابين في احتفالات رأس السنة، والعراق الذي
سقط فيه 104 جرحى لإصاباتهم بألعاب نارية ورصاص.
من الأحداث العربية
التي يبدو أن منطوقها يعاكس عنوانها هو إعلان الإمارات أمس الأول الثلاثاء 2019
«عاماً للتسامح» وهو مثله مثل خبر تشكيل أبو ظبي «وزارة للسعادة» وكالأخبار
السابقة تجعلنا في حال بين السخرية الشديدة والكرب الممضّ، فأبو ظبي الداعية
للتسامح هي البلد الذي أصبح دولة بوليسية شديدة تراقب سكانها وتعاقبهم بشراسة، وهي
من أشدّ المدافعين عن حصار جارتها قطر، والدولة التي توظّف الميليشيات العسكرية
والمرتزقة لقتل اليمنيين، والتي دعمت الانقلاب على حكومة منتخبة في مصر، والتي
تموّل وتزود الجنرال الليبي خليفة حفتر بالترسانة والدعم، والتي تتدخل بحماسة لدعم
أي اتجاه عسكريّ وأمنيّ مضاد للشعوب في العالم العربي.
لم تقتصر الأخبار
على قضايا الموت وفورات الطبيعة القاتلة فأحد الأخبار كان عثور عمال الإنقاذ في
روسيا على رضيع على قيد الحياة تحت الأنقاض بعد انفجار ألحق أضرارا بـ48 شقة سكنية
أسفر عن مقتل 22 وفقد عشرات آخرين، وكذلك العثور على أمّه، وفيما كشف الحادث عن
سوء الإدارة والبنى التحتية والإهمال في معايير السلامة الروسية فإنه قدّم قصّة
تبعث على الأمل في عالم تثير أحداثه الرعب والخوف والقلق على المستقبل.
من الطبيعي أن تنقل
وكالات الأنباء حوادث القتل والكوارث والمصائب وبالتالي فإننا سنلجأ لمخيّلتنا
ولآمالنا لنجد بطولات إنسانيّة يسطّرها أناس عاديّون بكفاحهم من أجل عائلاتهم،
وبشر يقاتلون من أجل حقوقهم، ومواطنون يغيّرون العالم بصمت ويسخرون من سدنة
الكراهية والعنصرية والإرهاب، ومن مسؤولي العالم الكبار المجرمون منهم والكذبة
والمجانين.