د. شهاب المكاحله
في الأشهر الأولى من العام 2018، انتقد الكثير من الدبلوماسيين كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين لأنهما لا يتحدثان إلى بعضهما البعض مباشرة أو حتى عبر وسيط. ولكن ما هو مؤكد أن عدداً كبيراً من الدبلوماسيين جالوا المنطقة في الفترة الماضية متنقلين ما بين القدس ورام الله وغزة والعواصم العربية ومنها إلى دول الخليج العربية بهدف تعميق المسارات الثلاث للتفاوض باعتبار إسرائيل وضعت أسسها ووافق عليها الأميركيون ممثلين بجاريد كوشنر، المستشار الخاص للرئيس الاميركي دونالد ترامب ويتم ذلك عبر ثلاثة مسارات للتفاوض تبدأ معاً.
وتلك المسارات: فلسطيني-عربي- إسرائيلي برعاية أميركية، مفاوضات “فتح”مع “حماس” برعاية عربية، ومفاوضات أمنية برعاية أردنية – مصرية وإدارة أميركية.
ولتلك المفاوضات مجتمعة والتي تُعقد في آن معاً في حال موافقة الجميع عليها أهداف ثلاثة هي:
الهدف الأول هو تجنيب إسرائيل حرباً مع “حماس”. الهدف الثاني هو التوفيق بين “حماس″ و”فتح” ، ثم هناك سعي من دونالد ترامب “للاتفاق النهائي” بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومع ذلك ، فعندما يتم تحقيق الهدفين الأولين، قد تبدو النتيجة أشبه بالوضع الراهن وما العملية السلمية المزمع الإعلان عنها سوى إبرُ مخدرة لأنها تعني مفاوضات مطولة لإضاعة المزيد من الوقت وتمييع القضية.
محادثات الهدنة بين إسرائيل و”حماس″ هي الأكثر إلحاحاً حسب ما تراه الإدارة الأميركية لأن الطرفين يقتربان من الحرب أكثر من أي وقت مضى منذ صراعهما الأخير في العام 2014. وبدأت التوترات في الارتفاع في شهر مارس الماضي، عندما نظَم نُشطاء في غزة احتجاجات على الحصار الذي فرضته إسرائيل بمشاركة العشرات من الآلاف من أنصار “حماس”.
في هذه الأثناء ، قتلت السياسة الخارجية الأميركية بشكل ممنهج فرص الفلسطينيين في العودة إلى حدود 1967 ، وفي الاحتفاظ بالقدس عاصمة لهم، كما حرمتهم من حق العودة. فمن وجهة نظر اليهود الأميركيين اليمينيين مثل كوشنر والمرشح الجمهوري شيلدون أديلسون تلك تعد أمورا كان لا بد من توافرها لتحقيق المكاسب التي طالما حلم بها اليهود في الشرق الاوسط.
ولن يتم فتح باب المفاوضات أو حتى إعلان تاريخها إلا بعد أن يتم التخلص من كل ما يحمل هوية فلسطينية وعربية حتى لا يبقَ للفلسطينيين ما يفاوضوا عليه. وبوجود مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وكوشنر ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد اقتنع ترامب أكثر من أي رئيس أميركي سابق بأنه يمكن إجبار الفلسطينيين على الإذعان للشروط الإسرائيلية بمساعدة عربية. وما حصل في سوريا ليس سوى تحييد الدعم الذي كان يمكن أن تتلقاه السلطة الفلسطينية من الحكومة السورية في ذاك الوقت حيث يتم اشغال الجيش السوري بالوضع الداخلي والهم الوطني على الهم القومي.
إنها محاولة لمحو الفلسطينيين من كتاب الأمم بمساعدة عربية للأسف. وأنا وكثير من المهتمين في الشأن السياسي، أثق أنه لا يمكن تحقيق سلام دائم من خلال الإذلال والتجويع لأن ذلك سيعيد المقاومة الفلسطينية إلى العمل مجدداً على الأرجح – وربما يقود الأمر إلى انتفاضة ثالثة.
قد يكون الفصل التالي من هذه الدراما كارثياً بالنسبة للفلسطينيين. وما دامت إسرائيل ترفض الاعتراف بهم كشعب، فإن التطرف سيستمر في التفاقم على جانبي السياج ولن ينتهي الصراع أبداً. على المدى الطويل ، قد تؤدي محاولة ترامب في تسليح الجيش الإسرائيلي بشكل غير مسبوق إلى إضرار إسرائيل أكثر من ذي قبل ما ينعكس ذلك على الدول المجاورة لإسرائيل.