د. شهاب المكاحله
مع فشل المشروع الأميركي والغربي في سوريا، بات الأمر الجليّ أن يلجأ المهزوم إلى اللعب بآخر أوراقه وهي سياسة الأرض المحروقة، وهنا تدريب عناصر من الشباب السوري لتأمين الحماية للقوات الأميركية بدلاً من التعرّض للمقاومة الشعبية التي ستنشط فور انتهاء الحرب في سوريا.
في الوقتِ الذي تقوم فيه قوات المارينز العامِلة في قاعدة التنف بتجنيد وتدريب الشباب السوري من مخيم الركبان، لتأمين الحماية اللازِمة للقاعدة العسكرية التي يتواجد بها عددٌ من الضبّاط الأميركيين وغيرهم من الدول الغربية، ودَفْع مُستحقّات شهرية لكلِ مُتدرَّبٍ تصل إلى 600 دولار شهرياً، في الوقت الذي يُحذِّر فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن واشنطن تقوم بـ “مُغامرة جديدة” تُشجّع الكرد السوريين على الانفصال واللعب على ورقة “كردستان الكبرى”، والتي وصفها لافروف بـ “لعبة خطيرة”، فإن سيناريو جديداً يُعدُّ حالياً لكلٍ من العراقِ وسوريا لانهاكهما أكثر بل ولاستنزاف القوات الإيرانية والروسية في سوريا والعراق إلى أمدٍ غير منظور.
فوفق المصادر الغربية، فإن المُتدرِّبين السوريين الشباب يرتدون البزّة العسكرية الأميركية ، ويخضعون لتدريباتٍ تُشرِف عليها قوات المارينز بُغية العمل على تعزيز وجود تلك القوات في شرق الفرات ، وعدم الانسحاب منه حتى لو طالبت كل من موسكو ودمشق بذلك. وبناء عليه، فإن ما اتّفقت عليه روسيا والولايات المتحدة الأميركية حول إعادة أكثر من 80,000 لاجئ سوري من المُخيَّم بعد تفكيكه إلى سوريا قد بات سراباً نظراً لمُخالفة واشنطن أُسُس الاتفاق.
يبدو أن واشنطن وأنقرة تدعمهما لندن وباريس تعملان على تعطيل وتفكيك المُخيّم وتهيأة الأرضية المناسبة للشرق السوري ليكون في قبضة الغرب من أجل الضغط على كلٍ من سوريا وروسيا للبدء بالعملية السياسية الفعلية.
ما سيجري يشي بأن واشنطن وحلفاءها مُقدمون على ما يبدو على إقامة طَوْقِ يمتدّ من قاعدة التنف إلى دير الزور وحتى الحدود السورية التركية العراقية، وصولاً إلى منطقة جرابلس لإقامة كيانٍ كردي مؤقّت قُبيل العمل على تشكيل كيانٍ آخر مستقلٍ في شمال العراق ، وضمهّما معاً ليشكّلا دولة كردية وتهجير الكرد من إيران وتركيا إلى تلك المنطقة التي ستُعرَف في ما بعد بالدولة الكردية.
في هذا السياق تلعب واشنطن على وَتَرِ المُماطلة والتسويف، وكذلك الحال بالنسبة إلى تركيا التي سوَفَّت كثيراً في القضاء على الإرهاب في منطقة إدلب وما حولها. ويبدو أن التنسيق بات عالياً بين تركيا والولايات المتحدة في هذا الشأن في ما يتعلّق باللعب على ترحيل الكرد من تركيا حصراً إلى الداخل السوري والعراقي لإقامةِ دولةٍ كرديةٍ هناك لا على الأراضي التركية أو الإيرانية.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تحويل دعمها لصالح قوات سوريا الديمقراطية والفصائل الكردية المختلفة ، تمهيداً لفرض سياسة الأمر الواقع على كلٍ من موسكو ودمشق والقبول بالشروط الأميركية والغربية ، وهذا ما يُفسَّر وجود قوات وعناصر استخباراتية بريطانية وفرنسية ونرويجية وإيطالية في شرق سوريا حالياً. وأية تصريحات أميركية بخصوص ذلك ليست اعتباطاً لأن المقصود هو إنشاء كيان كردي و/أو الحصول على الغاز والنفط في شرق سوريا وشمال العراق.
تبدو اللعبة التركية الأميركية أكبر هذه المرّة من الاتفاق الروسي التركي لأن كُلاً من أنقرة وواشنطن تسعيان للوصول إلى منابع النفط العراقي والسوري، والحصول على امتيازاتٍ نفطيةٍ في شرقِ الفرات لوقف اعتماد تركيا على الغاز الروسي.
هذا ما يؤكّده تصريح لافروف للصحافة الفرنسية الذي قال فيه: “إن إدلب ليست آخر منطقة فيها مشكلات على أراضي سوريا. فهناك أراضٍ شاسعة شرق الفرات، تجري فيها أمور لا يمكن القبول بها. الولايات المتحدة، ومن خلال حلفائها السوريين، وبالدرجة الأولى من خلال المُكوِّن الكردي، تحاول استخدام هذه الأراضي لإقامة دويلة، هذا أمر غير شرعي ولا يمكن القبول به لأن واشنطن كثَّفت من خطواتها لإنشاء أجهزة سُلطة موازية بديلاً عن أجهزة السُلطة السورية الشرعية، وتعمل على إعادة وإسكان اللاجئين هناك”.|
مع فشل المشروع الأميركي والغربي في سوريا، بات الأمر الجليّ أن يلجأ المهزوم إلى اللعب بآخر أوراقه وهي سياسة الأرض المحروقة، وهنا تدريب عناصر من الشباب السوري لتأمين الحماية للقوات الأميركية بدلاً من التعرّض للمقاومة الشعبية التي ستنشط فور انتهاء الحرب في سوريا، يكون وقودها كل وجود عسكري غير شرعي على الأرض السورية وتجنيب القوات الأميركية في الشرق السوري المصير الذي تعرّضت له في العراق من قبل.