د.شهاب المكاحله
ستزداد في الشهر القادم زيارات المسؤولين الأميركيين وفي شهر أكتوبر القادم سيتوجه عدد من الزعماء العرب إلى واشنطن للتباحث في مسألة العقوبات على إيران وصفقة السلام المحتملة بعد أن تم صقل تلك الصفقة لغوياً وسياسياً لخدمة إسرائيل في سعيها لحكم كامل التراب الفلسطيني وحرمان اللاجئين من العودة إلى وطنهم وتوطينهم في الدول التي تستضيفهم حالياً.
كيف بدأت اللعبة السياسية لتصفية القضية الفلسطينية؟ بدأت بعد قمة بيروت التي عرض العرب خلالها اتفاقية السلام مع إسرائيل: الارض مقابل السلام؟ وهنا مفهوم الأرض يخلو من السكان وهي غير محددة قطعاً بمساحة لأن ما تريده إسرائيل ليس حتماً ما تريده السلطة الوطنية الفلسطينية والأردن. ثم جاء بعد ذلك الربيع العربي وويلاته على الدول التي لا تعترف باتفاقية السلام العربية. كل ذلك لإيصال الشعوب وحكوماتها إلى مرحلة القبول بالواقع وهذا الواقع لا تحدده الدول الضعيفة بل الدول القوية ومنها إسرائيل في الإقليم. ولمَا وصلت مفاوضات الفلسطينيين مع إسرائيل إلى طريق مسدود، جاءت فكرة نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل. ثم جاء بعدها إعلان قانون يهودية الدولة. وهنا تمكنت إسرائيل من تحويل كيانها من “دولة يهودية”، وهي بدايات تأسيس الدولة لأن الغرب كان يريد من هذا الوصف أن يعمل على جذب اليهود من أوروبا إلى إسرائيل، أو بعبارة أخرى التخلص منهم إلى دولة اليهود. فاليوم ومع إقرار يهودية الدولة فإنا أصبحت فقط للشعب اليهودي دون غيره: أي أرض فلسطين لليهود.
ومن ثم يُصار إلى تسريب بنود صفقة القرن أولاً بأول عبر وسائل الإعلام غير الإميركية وغير الإسرائيلية كبالونات اختبار. ولكن ليس خافياً على أحد أن بنود الصفقة باتت واضحة المعالم مع تظاهر بعض السياسيين العرب بأنهم لا يعرفون ماهية الصفقة وما بنودها وأنهم منها براء.
بنود الصفقة وفق مصادر فرنسية ومصادر أميركية.:
أولاً: إقامة دولة فلسطينية حدودها قطاع غزة والمناطق (أ) و (ب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية.
ثانياً: أن تعطي الدول المانحة للفلسطينيين مساعدات مالية تصل إلى 10 مليار دولار لإقامة مطار دولي وميناء بحري في غزة إضافة إلى مشاريع إسكانية وزراعية ومدن صناعية ومحطات للطاقة الكهربائية.
ثالثاً: إبقاء وضع القدس مُحيَراً حتى المفاوضات النهائية.
رابعاً: تأجيل البت في عودة اللاجئين حتى الوضع النهائي.
خامساً: القيام باستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوساطة عربية وأميركية وروسية وبشروط إسرائيلية.
ما كان كل ذلك ليتم لولا الضغط على الأردنيين والفلسطينيين للاشتراك في حل إقليمي، يفضي لسيطرة إسرائيل على 90 بالمائة من الضفة الغربية وتعويض الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولتهم. فرغم الرفض الأردني والفلسطيني الكامل لتلك الصفقة إلا أن من يملك ليس كمن لا يملك.
ويبدو من التسريبات للقاءات الإسرائيليين مع نظرائهم الأميركيين أن تل أبيب ترفض بشكل واضح فكرة تقاسم المساحة الضيقة من الأراضي الفلسطينية مع الفلسطينيين وذلك لمنع قيام دولة فلسطينية على تلك الأراضي لأن قيامها يعني زعزعة نظرية الأمن الإسرائيلي والتأثير على أكثر من 300 ألف مستوطن. كما أن ذلك سيحرم تل أبيب من عمقها الاستراتيجي.
يبدو أن مشروع الصفقة قد صممه بشكل أساسي المستشاريْن جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات وسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. فمن خلال تحليل ما تقدم، يتبين أن الضفة الغربية ستكون منطقة منزوعة السلاح، وذات سيادة محدودة، ولن تكون عاصمتها القدس وأنه لن يتم الاعتماد على حدود 1967. وفيما يتعلق بملف اللاجئين، فإنه سيصار إلى تسويته عن طريق دفع منحة الاستقرار في بلد المنفى أو إعادة التوطين في بلد آخر، بدعم مالي من دول أوروبية وأميركية وخليجية إضافة للصين واليابان.