الرئيسية / أخبار / دبلوماسية الخيط الرفيع الأردنية وساعة الحسم في جنوب سوريا

دبلوماسية الخيط الرفيع الأردنية وساعة الحسم في جنوب سوريا

د. شهاب المكاحله

بعد زيارة الملك عبد الله الثاني لواشطن في 25 من يونيو الماضي، شرع الأردن في السعي للحيلولة دون وقوع معركة الجنوب السوري نظرا لآثارها المدمرة وتداعياتها على المنطقة وعلى دول الجوار السوري.  وعبَر الملك عن قلقه للإدارة الأميركية بشأن زيادة التصعيد العسكري في جنوب سوريا عبر دبلوماسية رفيعة كما جرت العادة بالطلب من الجانبين الروسي والاميركي التدخل للحيلولة دون وقوع المحظور.
مهد الجيش السوري الطريق للهجوم العسكري بعد تحرير ضواحي دمشق والغوطة من العصابات الإرهابية في المنطقة مدعوما بغطاء جوي روسي  ورفض واضح للمبعوث الروسي في مجلس الامن من استصدار اي قرار يدين العمليات العسكرية في درعا او في غيرها من المحافظات السورية التي لا زالت تحت سيطرة المسلحين.
باختصار تغيرت قواعد اللعبة في سوريا منذ اسابيع وخصوصا بعد أن تمكن الجيش السوري من القاء القبض على عدد من الضباط الاجانب الذين يعملون لأجهزة استخبارات غربية في الاراضي السورية. وبات الروس والسوريون يستحدمون تلك الورقة الرابحة كورقة ضغط.فبعد ان بدأ التحقيق معهم، تم الكشف عن مخطط جهنمي كان يعد لسوريا انطلاقا من هضبة الجولان المحتل وهو أن يتم انتزاع ما تبقى من القنيطرة لفرض الامر الواقع على القيادة السورية وعدم المطالبة بالجولان لاحقا مع اقامة دولة درزية في المنطقة تمهد لإقامة دويلات على اساس عرقي وطائفي.
واليوم، الجيش السوري يتقدم نحو الحدود الأردنية – الإسرائيلية. فبعد أن تفاجأ الجميع بالوتيرة السريعة للمعارك، شعر الاردن أنه المعني بتلك التطورات اكثر من غيره نظرا لأن المعارضين السوريين وعائلاتهم ومنهم من هم اعضاء في جبهة النصرة وداعش على استعداد للهرب الى الداخل الاردني، ما يعني المزيد من المخاطر على الأمن القومي الأردني ، ليس فقط لأن بعض الإرهابيين هم من بين هؤلاء اللاجئين ولكن أيضاً بسبب الاختلالات الديموغرافية التي قد يسببها هذا الفيضان السكاني.
في اليوم الذي بدأت فيه الحرب في جنوب سوريا ، أغلق الأردن الحدود امام اللاجئين ولكنه بالمقابل  تعامل بانسانية معهم في الداخل السوري إذ طلب من الولايات المتحدة وروسيا السماح بمرور قوافل الاغاثة الانسانية وعبور الحدود للوصول إلى المحتاجين. وكانت زيارات المسؤولين الأردنيين إلى موسكو بهدف الطلب من روسيا ممارسة الضغط على الحكومة السورية السماح لقوافل الاغاثة الأردنية بالدخول نظرا لأن جزءا منها مساعدات طبية.
اليوم وبعد نحو 10 ايام على معارك درعا، يبدو أن لتلك المنطقة خصوصية لا يعلمها سوى قيادة الجيش السوري وخصومه في الخارج ليس فقط لقربها من الحدود الاردنية والاسرائيلية فحسب ولا لأنها مكان انطلاق شرارة ما سمي بالثورة بل لأن معركة الجنوب تشكل معركة كسر عظم للنشاط الارهابي في سوريا. فاذا ما انتهت المعركة هناك فلن يبقى سوى الشمال السوري: محافظة إدلب او ما سمي اصطلاحا لدى القادة العسكريين “تورا بورا الشرق الاوسط”.
بعد الرد الروسي على مساعي دولية لامتصاص تقدم الجيش السوري في الجنوب بتكثيف الغارات الجوية للطيران الحربي الروسي على مقار المعارضة المسلحة في الجنوب، يبدو أن كفة العمل العسكري باتت  مرجحة أكثر من كفة التفاوض رغم الدبلوماسية الاردنية التي تسعى لاستسلام تلك العناصر المسلحة دون قتال ولكن بضمان حياتهم.
الجيش العربي السوري بدأ القصف المكثف على المعاقل الرئيسية للتنظيمات المسلحة على كافة المحاور لا سيما من صيدا إلى المتاعية  المحاذية للحدود الاردنية،  ومن طفس إلى الجولان السوري المحتل. في وقت تؤكد فيه مصادر عسكرية اسرائيلية اكثر من أي وقت مضى أن الجيش السوري سيستعيد السيطرة في الأسابيع المقبلة على المنطقة الحدودية مع كل من الاردن واسرائيل وأن الجيش أقرب من أي وقت مضى من حسم المعركة مع التنظيمات المسلحة في تلك المنطقة، على ضوء تقدمه السريع في محافظة درعا، وهناك فرصة كبيرة لأن معركة ستبدأ أيضاً في محافظة القنيطرة المتاخمة للحدود الاسرائيلية. وطالبت تل أبيب الامم المتحدة بإعادة قواتها لمراقبة فض الاشتباك أو ما يعرف بـ”الاندوف” بشكل فوري الى خط وقف اطلاق النار بين سوريا واسرائيل وفق قانون فصل القوات للعام 1974.
وترى مصادر امنية اسرائيلية أن اسرائيل ستطلب في لقاء يجمع رئيس وزرائها مع المسوؤلين الروس في الاسابيع القادمة أن تنشر سوريا قواتها على مسافات مختلفة من الحدود وأنه لا يجوز نشر صواريخ أرض – ارض الا إذا كانت المسافة من الحدود الاسرائيلية لا تقل عن 25 كلم.
حتى وقت قريب وقبيل بدء معركة درعا نهاية الشهر الماضي، حاولت الحكومة السورية والروسية التوصل الى تسوية مع المسلحين في محافظة القنيطرة من دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية،تفضي بتسليم الاسلحة التي بحوزتهم. لكن تلك المساعي باءت بالفشل. وترى اسرائيل أن هناك احتمالا كبيرا لبدء القتال في منطقة شمال هضبة الجولان، التي ستكون معركة مهمة جدا نظرا لخطورتها على اسرائيل.
وبالعودة الى درعا، فالتقدم الذي يحرزه الجيش السوري هو في ريف درعا وليس في المدينة؛ فالمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد هناك. ومع ذلك فإن القوات السورية تتقدم أسرع مما هو مخطط وبمعارضة ضعيفة نسبيا.واليوم باتت خارطة المعارك كما يلي في الجنوب السوري:

ريف درعا الشرقي:
اكتمل تقريبا انتشار الجيش في شمال شرق درعا، عبر العمليات العسكرية او عبرالتسويات ، تبقى نقطتان اساسيتان في غرب المنطقة ، مدينة بصرى الشام والتي اكتملت اغلب بنود تسويتها باستثناء تنفيذ دخول وحدات الجيش السوري حتى الان، ومعبر نصيب الذي اصبح قاب قوسين من أن يعود الى عهدة الجيش السوري.

ريف درعا الغربي:
ويقسم الى قسمين:
المنطقة الاولى هي منطقة جنوب غرب درعا، المحاذية لوادي اليرموك حيث تسيطر مجموعات خالد ابن الوليد التابعة لداعش، وطفس ونوى. اما المنطقة الثانية فهي منطقة شمال غرب درعا التي تشكل الامتداد الميداني المباشر مع القنيطرة، وعمليا الامتداد مع الجولان المحتل.

أما المعطيات الاستراتيجية فهي من وجهة نظر اردنية مرتبطة بعلاقة الاردن مع الحكومة السورية والروسية في جنوب شرق درعا  وخصوصا في منطقة بصرى الشام ومعبر نصيب. أما توسع الجيش السوري غربا باتجاه الجولان  حيث داعش، فمن البدهي أن انتشار وحدات من الحرس الجمهوري او نخبة النخبة السورية يعني كابوسا لاسرائيل نظرا لأن وصول قوات كهذه الى نقاط قريبة من الحدود مع اسرائيل يعني قلقا متزايدا للجيش الاسرائيلي. وكذلك الحال بالنسبة لشمال غرب درعا حتى القنيطرة.
لذلك، يمكن القول إن عملية تحرير جنوب سوريا باتت في منتصف الطريق اليوم مع معطيات اردنية واسرائيلية استراتيجية تحكمها نتائج لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي دونالد ترامب في هيلسنكي بعد أيام. كل ذلك يسير بالتوازي مع إعلان موسكو أن الاجتماع المقبل ضمن مسار اجتماعات أستانا سيعقد في مدينة سوتشي الروسية، في آخر يومين من شهريوليو بحضور الدول الضامنة لمسار أستانا، روسيا وإيران وتركيا، وطرفي الصراع في سوريا الحكومة والمعارضة، إلى جانب المراقبين الدوليين. كل ذيل يسير جنبا الى جنب مع تطورات قامت بها اللجنة الدستورية التي وصلت الى مراحل متقدمة فيما يتعلق بصياغة الدستور السوري.