الرئيسية / أخبار / الحروب الطاقية لا حروب الديمقراطية

الحروب الطاقية لا حروب الديمقراطية

د. شهاب المكاحله — واشنطن

تشير تقارير متخصصة في الشأن الاقتصادي أن المعضلة السياسية في سوريا نابعة من المعضلة الاقتصادية وتحديدا الطاقة الهيدروكربونية.  ففي العام 2009، اكتشفت إسرائيل والولايات المتحدة من خلال شركة “Noble Energy” الأميركية حقل غاز في شرق حوض البحر المتوسط، على بعد حوالي 50 ميلا إلى الغرب من ميناء حيفا وتصل طاقة الحوض ما يقدر بـ 8.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة. وقد دفع هذا الاكتشاف إسرائيل إلى إعلان منطقتها الاقتصادية الخاصة (EEZ). وهذا الحقل متنازع عليه اليوم بين لبنان واسرائيل.

لقد أثبتت الأبحاث التي أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) أن شرق البحر الأبيض المتوسط وهو المنطقة الممتدة من حوض بحر إيجة قبالة سواحل اليونان وتركيا وقبرص وحوض البحر في لبنان وإسرائيل وسوريا وحوض النيل البحري (شمال الشواطئ المصرية) بـ 40 كلم تشكل مخزونا طبيعيا لأكثر من  345 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى عالى الجودة بالاضافة الى احتياطي استراتيجي يقدر بـ 3.4 مليار برميل من النفط الخفيف. كما أشارت الدراسة الى أن معظم هذا المخزون موجود في الساحل السوري بنسبة 75% فيما يتعلق بالغاز الطبيعي و 60% فيما يتعلق بالنفط.

كل هذا يتعلق فقط بالانتاج البحري، فما بال الانتاج من الداخل السوري وخصوصا من هضبة الجولان وقارة وغيرها من مناطق شرق سوريا؟ اي أنها الاقتناصات الطاقية.

حتى تكتمل الصورة، علينا الاخذ بعين  الاعتبار ما يلي من تطورات في كل من الولايات المتحدة وروسيا. فبعد الازمة المالية الطاحنة التي مر بها العالم في 2008 والتي أوصلت دول الاتحاد الاوروبي الى حافة الانهيار بات الاقتصاد الاميركي هو أيضا على شفا أزمة كبيرة اقتصاديا إذ وصل حجم الدين العام للولايات المتحدة في فترة من الفترات إلى 14.94 تريليون دولار، ما يشكل 99.65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ما حدا آنذاك بالمرشح الرئاسي دونالد ترامب في بداية حملته لرفع شعار “أميركا أولا” لأن الاقتصاد الضعيف يعني نفوذا أميركيا أضعف. وهذا ما يفسر حربه على الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها من الدول اليوم. واليوم بات التركيز على قوتين منافستين لواشنطن: موسكو وبيجينغ على مصادر الطاقة.

ونظرا لأن روسيا تمتلك أكثر من 20% من الغاز العالمي وتمتلك إيران وقطر ما مجموعه 30% من الاحتياطي العالمي ولأن الساحل السوري يحتضن 15% من احتياط الغاز العالمي، فإن من يسيطر على منطقة شرق المتوسط يعني أنه يتحكم بالعالم. ومن يسيطر على الساحل السوري يتحكم بمستقبل أوروبا وشمال افريقيا وشرق أسيا. لهذا السبب الاقتصادي البحت اشتعلت الحرب بين القوى الكبرى على الأرض السورية ناهيك بوجود خام اللثييوم الموجود بكثافة في شرق سوريا ويستخدم في كل الصناعات التكنولوجية الحديثة. لذلك من يتحكم بمنابع تلك الطاقة وتلك الموارد الخام يتحكم بالعالم الحديث اليوم. الصراع اليوم ليس على الديمقوقراطية ولا على حقوق انسان بل على حقوق في نفط وغاز وموارد أخرى لا يعلمها إلا من يحارب للحصول عليها.

بالعودة الى الوراء، ففي 21 مايو 2014، ازدادت واردات الصين من الغاز الطبيعي إذ  بلغت 53 مليار متر مكعب في نهاية ذلك العام ومعظم هذا الغاز مستورد من روسيا. وعندما وقعت الصين وروسيا اتفاقا وصلت قيمته الى 400 مليار دولار لمدة 30 عاما، فمن المرجح أن يزيد استيراد الصين عن 150 مليار متر مكعب من الغاز سنويا بحلول عام 2020، منها 50 مليار متر مكعب في صورة غاز طبيعي مسال وهو المادة الرئيسة للطاقة في القرن الحالي. لذلك تسعى الصين للحصول على حصة من الغاز في الساحل السوري عبر تطوير طرق استخراجه بالشراكة مع روسيا.

بعد الازمة المالية العالمية في 2008،  سارعت موسكو وواشنطن في سباق محموم للوصول إلى مياه البحر المتوسط، ولكن كانت الغلبة للروس.  فقامت موسكو بتأسيس مشروعين: مشروع السيل الجنوبي  الذي يمتد من روسيا إلى البحر الأسود عبر بلغاريا ويتفرع إلى اليونان ثم جنوب إيطاليا وإلى هنغاريا والنمسا ومشروع السيل الشمالي من روسيا إلى ألمانيا مباشرة ومن فاينبرغ إلى ساسنيتزعبر بحر البلطيق.

 أما واشنطن فقامت بتأسيس مشروع  للحصول على غاز البحر الأسود وغاز أذربيجان عبر ما يعرف بمشروع (نابوكو) يمتد من آسيا الوسطى والبحر الأسود عبرتركيا إلى بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والتشيك وكرواتيا وسلوفانيا وإيطاليا ومنها الى فرنسا وباقي اوروبا لكسر الاحتكار الروسي للقارة الاوروبية.

 باختصار هو سابق استراتيجي بين مشروع روسي وآخر أميركي للسيطرة ليس فقط على الشرق الأوسط بل على أوروبا والعالم. فنحن نعيش حرب الطاقة لا حرب الديمقراطية وحقوق الانسان.

http://alrai.com/article/10433069