الرئيسية / أخبار / البراغماتية السياسية الأردنية وسياسة الوسطية

البراغماتية السياسية الأردنية وسياسة الوسطية

د. شهاب  المكاحله – واشنطن-

منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، والأردن يتخذ سياسة خارجية تعبر عن إرادته وخطابه العام وفق مجموعة من الأسس التي ترسم هذه السياسة وتتحكم بآلية صناعة القرار السياسي فيها وفق معطيات اقليمية ودولية. لذلك نرى أن السياسة الخارجية تتميز عن غيرها من الدول الاقليمية كون الأردن يتمتع بصداقة الجميع واحترامهم لأن السياسة الخارجية للمملكة مبنية على  الموازنة في قضايا الصراع  دون التخلي عن الثوابت والمصالح الوطنية العليا.

سياسة الاعتدال والوسطية

إن المتتبع للسياسة الخارجية الأردنية يرى أنها ديناميكية ومتغيرة وبراغماتية تنتهج اسلوب الحوار والخطاب بدل العراك والصراع في محاولة لعدم خلق عداوات مع أي طرف كان مع عدم التدخل في شؤون الآخرين وهذا واضح في الخلاف الخليجي-الخليجي. ولكن لا يمكن فصل السياسة الخارجية الأردنية عن واقعها الجغرافي. فهناك قول معروف لدى الشعوب الأوروبية هو: “قل لي أين تسكن أقول لك من تكون”. وهذا الأمر ينطبق على الدول كذلك لأن الأردن في موقع جغرافي مهم يؤثر ويتأثر بالمحيط الخارجي. لذلك الموقع الجغرافي يؤثر على  القرار السياسي الاردني. كما أن الموارد البشرية للملكة الممثلة بالكفاءات والقدرات البشرية تؤثر في السياسة الخارجية. فهناك الكثير من العقول الأردنية التي تعمل في دول الشرق الأوسط وفي العالم. وأي قرار سياسي قد يؤثر على مستقبل هؤلاء. كما أن الموارد الاقتصادية المحدودة تؤثر على عملية اتخاذ القرار السياسي لأنه يجب مراعاة أن اي قرار قد يخلق أزمة كبيرة داخلية وخصوصا مع انقطاع الدعم من الدول التي اعتاد الأردن أن يتلقى مساعدات منها وقروضا. كل تلك الجوانب تؤثر سلبا على القرار السياسي الأردني لأن الأردن يحاول أن يوازن سياساته ويعمل على مراضاة جميع الأطراف. وهنا لا بد من إيجاد حل دائم مبني على قيام الأردن بدور تنافسي للبحث عن المصالح العليا للشعب وتنفيذها دون أن يخشى خسارة مالية أو اقتصادية أو غيرها من دول كانت سندا له يوما ما. وهذا يعني هيكلة السياسة الخارجية بما يواكب رغبة الشعب والقيادة لأنهما في خط واحد. وبناء عليه لا يمكن لأي طرف خارجي الضغط على الأردن حينها بالتلويح بالعصا والجزرة لفرض سياسة ما على المملكة وعلى شعبها لأن المواطن الأردني يكون على اطلاع على ما يجري وما هي المؤامرات التي تحاك ضده وضد بلده بناء على المكاشفة.  لذلك علي المخططين السياسيين التحرك بشكل سريع لمواكبة المتغيرات الاقليمية والدولية  لحماية المكتسبات الوطنية بما يستند الى مبدأ: “الأردن أولاً”.

فلو نظرنا إلى الحركة السياسية الاردنية نجد أنها مرنة وذات أوجه متعددة. فتارة يتم التركيز على الاتحاد الأوروبي بحكم أن علاقة الأردن مع الاتحاد الاوروبي تعود الى عام 1977. لذلك بنى الأردن على هذا التاريخ من المصداقية مع دول الاتحاد صرحاً كبيرا من الدبلوماسية التي تفيد المملكة في المحافل الدولية تدر على الخزينة مساعدات مالية واقتصادية من الدول الاوروبية لتنمية الخطط والمشاريع. وفي المقابل، بنى الأردن مسارا موازيا من العلاقات مع الولايات المتحدة، الأميركية بتاسيس علاقات دبلوماسية متينة منذ العام 1949 توجت بزيارات لرؤساء أميركيين للأردن بدءا من العام 1974 حين زارالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الأردن ووضع مع جلالة الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، لبنة في التعاون بين البلدين.

الاردن وسط حمم منصهرة

وجد الاردن نفسه محاطا منذ تأسيسه بدول شهدت توترات سياسية وخضات أمنية كبيرة استدعت منه اليقظة والحذر. فما كان من المملكة إلا أن رسمت سياسة خارجية جديدة وهي حماية أمنها الوطني وفق ترتيبات أمنية مع دول اقليمية وقوى عالمية بقيادة الولايات المتحدة.

يعلم الأردنيون أن صانع السياسة الخارجية هو جلالة الملك عبدالله الثاني لكن هناك مساعدون ومستشارون يدلون بدلوهم في عدة أمور مع التمسك بالثوابت وهي الاعتدال والميل للسياسة الغربية. ولكون الأردن قلب العالم العربي فإنه قد تأثر بالمحيط الجيوسياسي وبعلاقاته الدولية وبالبعد السكاني والجغرافي والاقتصادي والمائي ما كان له أثر كبير على التحولات الاجتماعية والاقتصادية. ولعل أهم ما يميز سياسة الأردن هو النهج الذي يتخذه تجاه القضية الفلسطينية وخصوصا فيما يتعلق بقضية القدس التي تأثرت كثيراً بسياسات الدول الكبرى وسياسة المحاور الاقليمية.

لكن الاردن يعمل ما يستطيع من أجل تحقيق التوازن في علاقاته الخارجية على الصعد كافة على الرغم من وقوعه بين دول عربية قوية: سوريا والعراق والسعودية والى الغرب من المملكة فلسطين وإسرائيل اللتين لم تتوصلا إلى اليوم ومنذ اتفاق أسلو إلى حل الدولتين ما يؤثر كثيرا في السياسة الخارجية الأردنية. كما أن الاردن يسير وفق نهج الثورة العربية الكبرى من الناحية الايديولوجية ما يعني أن الأردن لا يمكنه الانسلاخ عن واقعه وعن قضيته وهي قضية القدس كون المدينة المقدسة تحت الوصاية الهاشمية.

لذلك ينبغي العمل على التحول في السياسة الخارجية من ردة الفعل إلى الفعل والمنافسة على الصعيد الاقليمي والاستفادة من موقع الأردن الجغرافي وثقله السياسي في إحداث التغيير المطلوب اقليميا بحيث يكون الأردن لاعبا رئيسيا في المنطقة يقود الاحداث ويوجهها لا أن تكون السياسة الخارجية الاردنية فقط نتاج عوامل داخلية خارجية وردات فعل. فكل ذلك سيؤدي الى كسب المزيد من الاحترام من الدول كما أنه يقود إلى المزيد من الاستقرار للمملكة ويوفر لها الموارد التي تريد للنهضة الاقتصادية وفق خطط التنمية المرسومة للأعوام القادمة. إن ما تحمله الأردن من مسؤوليات في الفترات الماضية إزاء القضية الفلسطينية يعكس بوصلته السياسية وأن محورها الصراع العربي الإسرائيلي لأن مصير الأردن وفلسطين محكومان ببعضهما البعض.

وفي الختام، فإن الثورة العربية الكبرى أسست لشرعية النظام السياسي الاردني من خلال شرعية دينية لأن الهاشميين هم أهل البيت وسبط الرسول (صلعم) كما أن توجه الاشراف من الحجاز إلى الهلال الخصيب في بدايات القرن العشرين لتشكيل حكومة قومية يعني أن الهاشميين مدافعون عن مبادئ الاسلام والعروبة وهذا هو نهج سياسة الاردن الخارجية في الوقت الحالي. واليوم وفي عهد الملك عبدالله الثاني فإن المتتبع لخطاباته في الكونجرس الأميركي وفي الاتحاد الأوروبي وفي المحافل الدولية ومنها الأمم المتحدة ولقاءاته مع قادة العالم تعني أن الملك يتحدث لغة الشعب الأردني ويترجمها إلى واقع يخدم مصالحهم.  إنها لغة التسامح والاعتدال والسلام التي تنادي بتعايش بين كافة الأديان والأعراق.  أنها بحق البراغماتية الدبلوماسية.

المصدر: الأول نيوز