الرئيسية / أخبار / حقيقة مذكرة الاعتذار في حادثة السفارة الإسرائيلية

حقيقة مذكرة الاعتذار في حادثة السفارة الإسرائيلية

د. شهاب المكاحله –

 

ذكرت وسائل الاعلام الرسمية في الأردن أن إسرائيل قد اعتذرت رسمياً الأسبوع الماضي عن مقتل اثنين من المواطنين الأردنيين اللذين قُتلا على يد حارس أمن إسرائيلي في تموز / يوليو الماضي في حادث أدى الى توتر العلاقات بين البلدين مما أدى إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية في عمًان.

فما بين تصريح أن إسرائيل قد دفعت 5 ملايين دولار تعويضاً لأسر الشهداء الأردنيين في حادثة السفارة ممن قتلوا على يد حارس أمن السفارة الإسرائيلية فى عمان يبقى الأردنيون حيارى عالقين بين الرواية الأردنية والرواية الإسرائيلية. فالإسرائيليون مرًوا على حادثة الاعتذار مرور الكرام والأردن أعطاها بعداَ سياسياً رغم عدم مشاهدة الأردنيين للوثيقة المعلنة أو حتى نشر مقتطفات منها عبر كافة وسائل الإعلام الأردنية لأن ما جرى لم يعد يهم وزارة بعينها أو جهة ما بل يهم الشارع الأردني عن بكرة أبيه لأنه موضوع كرامة وطنية أقام الشارع في حينها ولم تقعده.

ما يهمنا هنا ليست المذكرة أو اللامذكرة بل صحة الاعتذار الإسرائيلي من عدمه. فما يؤكد صحة الاعتذار هو ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل أعربت عن أسفها وحزنها للأردن إزاء مقتل اثنين من مواطنيها قُتلوا في مواجهة مع حرس السفارة الإسرائيلية في عمان العام الماضي. وفي هذا صياغة دبلوماسية عن عدم الاعتذار المباشر.

وقال نتنياهو للصحافيين لدى عودته من الهند إن اسرائيل ستدفع للحكومة الأردنية تعويضات عن وفاة المواطنين إلا أنها لن تمنح تعويضات لأسر الضحايا.

وردا على سؤال حول ما اذا كان من الممكن أن يستفيد الجانبان من تلك المعضلة التي مرت بها كل من عماًن وتل أبيب: قال نتانياهو “أنا واثق من أن الجانبين استخلصا نتائج من هذا الحادث، وقد فعلت ذلك من جانبي، واعتقد أن الأردن فعل ذلك من جانبه”.

وأضاف نتنياهو: “لدينا مصلحة قوية في هذه العلاقة”، مضيفاً أن هذا “هو السببل لحل الأزمة”. كما توجه نتنياهو بالشكر إلى جاريد كوشنر كبير مساعدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإضافة إلى جيسون جرينبلت المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط لدورهما فى إنهاء الأزمة الدبلوماسية.كما قال إنه سيبحث قريباً هوية السفير الجديد لدى الأردن.

كما أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قال:” إن إسرائيل والأردن توصلا إلى اتفاق بشأن حادثة السفارة، فضلاً عن الحادث الذي قُتل فيه قاض أردني في آذار / مارس 2014.

لم يتحدث الجانب الاسرائيلي عن مذكرة بل أكد أن هناك تعويضاً تم دفعه للأردن لأسر الضحايا كما تحدث الإعلام الإسرائيلي عن “جمع بيانات ومعلومات” تساعد في التوصل إلى نتائج عادلة في التحقيق وليس “التحقيق” في إشارة إلى ما يبدو إلى أقفال الملف بضغوط خارجية طلبت من الطرفين النزول عن الشجرة والتوصل إلى تسوية ترضي الطرفين.  وهذه الجهة هي واشنطن التي لم تنكر دعمها للأردن وأن الإدارة الأميركية تعمل حالياً على مذكرة تفاهم لخمس سنوات مع الأردن فيما يتعلق بالمساعدات التي قد تصل هذه المرة إلى 1.5 مليار دولار. وهنا تكمن قصة الانفراجة المفاجئة في حادثة السفارة الإسرائيلية.

الملك عبدالله يلقن نتنياهو درساً في الدبلوماسية

والدليل الثاني على صحة الاعتذار هو ما قاله  الصحفي والمحلل السياسي الإسرائيلي، بن كاسبيت، إن الملك عبد الله الثاني، لقَن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، درسا لن ينساه. .واعتبر كاسبيت، في مقال له نشرته صحيفة “المونيتور” الأميركية، أن الأزمة بين الأردن وإسرائيل، لم تكن لتحدث، لولا تسرع نتنياهو بالتقاط صورة له مع حارس السفارة.

وأشار إلى أن مسارعة مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نشر مكالمة هاتفية مسجلة، لنتنياهو والسفيرة عينات شلاين، والتي كانت بمثابة صب البنزين على النار. وليست هذه المرة الأولى، التي تدفع إسرائيل فيها ثمناً باهظاً، لتهور نتنياهو وعدم مسؤوليته وخصوصاً مع الأردن، وميله إلى التسرع.

فالمكالمة التي أجراها نتنياهو مع السفيرة عقب الحادثة، وأخذ صورة مع حارس السفارة في مكتبه، وتوزيعها على وسائل الإعلام، أثار غضباً هائلاً عند الملك عبدالله والشعب الأردني.

ووفقاً لمصادر أميركية وإسرائيلية مطلعة على حقيقة ما جرى من يوليو 2017 إلى يناير 2018 هو أن الملك عبدالله رفض أي اتصال من نتنياهو وكانت حلقة الوصل هي الولايات المتحدة عبر المبعوثين الرئاسيين الأمريكيين جاريد كوشنر وجيسون غرينبلت.

نعم، الملك عبد الله الثاني حاصر إسرائيل بعد رفض نتنياهو في الأسابيع الأولى معظم المطالب الأردنية، وكانت إرادة الملك عبدالله الثاني أقوى مما توقع نتنياهو وحكومته بأن غضب الملك سوف يبرد مع مرور الوقت، غير أن الملك لم يفتر ولم يقبل محاولات إسرائيل ومبعوثيها حتى الامتثال الكامل بالمطالب: الاعتذار العلني والتعويض الشامل لإسر الضحايا والمحاسبة واستبدال السفيرة الإسرائيلية.

في الأسابيع الأولى للأزمة كانت المهمة الأردنية مستحيلة وعصية على ثني نتنياهو العنيد عن موقفه بعد أن تمسك بموقفه تجاه الحادثة ورفضه المطالب جملة وتفصيلاً مع رفض أردني لمحاولات الوسطاء لحل الأزمة بين الجانبين. لقد كانت الضغط على نتنياهو ليس أردنياً فحسب بل من قبل المخابرات الإسرائيلية كذلك التي دفعت به أيضاً للقبول بالمطالب الاردنية وفق ما تؤكده مصادر إسرائيلية على اعتبار أن هذا أفضل حل لحفظ ماء وجه نتنياهو.

وفي نهاية المطاف، وافق نتنياهو واقترح أيضاً بنفسه الوسطاء الأميركيين والذين كان من بينهم المبعوثان الرئاسيان جاريد كوشنر وجيسون غرينبلت –وهو طوق النجاة الذي سعى إليه نتنياهو.  ومع ذلك، كان الأمر صعباً في البداية. لقد كانت القضية التي يتعين حلها هي الطلب الأردني من إسرائيل استكمال التحقيق قبل استعادة العلاقات الرسمية. فاعترضت إسرائيل. وفي نهاية المطاف، اتفق الجانبان على إعلان انتهاء الأزمة قبل الانتهاء من التحقيق، ولكن تنفيذ إعادة العلاقات لن يتم إلا بعد أن تسلم إسرائيل نتائج التحقيق للأردن. وفي كلتا الحالتين، يصل الطرفان إلى بر الأمان في العلاقات التي توترت بين الطرفين بعد أن شهدت ذروة التأزيم قبيل فتح صفحة جديدة في علاقتهما.

سر الانفراجة المفاجئة في الأزمة بين عمًان وتل أبيب

لذلك جاء طي تلك الأزمة على خلفية وصول نائب الرئيس الأميركي مايك بينس الى المنطقة الذي بدأ زيارته خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى مصر والأردن قبل التوجه إلى إسرائيل في 21 كانون الثاني / يناير 2018. وساهم بينس بنصيبه في إعادة إحياء العلاقة بين تل أبيب وعمًان، على الرغم من إعلان الرئيس دونالد ترامب مؤخراً أن القدس عاصمة لإسرائيل.

فعل الرغم من أن مصادر إسرائيلية ترجح عدم استئناف نشاط السفارة الإسرائيلية في المستقبل القريب، إلا أن السياسة الإسرائيلية تتسم بالبراجماتية وقد يحدث ما هو غير متوقع. وهذا ما أكدته مصادر إسرائيلية قالت إن الملك عبدالله الثاني يبقى متفائلاً في العلاقة مع إسرائيل وأنه ينظر إلى “النصف الممتلئ من الكأس في هكذا علاقة” وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلي عن الملك عبدالله في تصريح لموفد “صوت إسرائيل” على هامش مشاركته في منتدى دافوس.

وكان الأردن أعلن مؤخراً أن وزارة الخارجية وشؤون المغتربين تلقّت مذكرة رسمية من وزارة الخارجية الإسرائيلية عبّرت فيها عن أسف الحكومة الإسرائيلية وندمها الشديدين إزاء حادثة السفارة الإسرائيلية ، وهي الحادثة التي أدت إلى توتر شديد في العلاقات بين الجانبين.

سواء أكانت هناك مذكرة أم لم تكن، فإن شكلاً من الاعتذار قد تم وقُدم التعويض الذي رأته الحكومتان مناسباً تمهيداَ لإعادة فتح السفارة. وهنا القبول الأردني لم يكن لتل أبيب أو لأجل عيني نتنياهو بل كان لواشنطن ويدها الدبلوماسية الخفية. بدون المذكرة أو بها فإن الانتصار ينسب للملك عبدالله الذي أجبر نتنياهو على الرضوخ وعدم التمسك بعنجهيته وفرعنته حيث كان لدبلوماسية الملك أثر على إسرائيل وجهاز مخابراتها الذي أوعز بفتح ملف الحادثة من جديد مع الأردن مع الاعتذار لأن الأردن لاعب إقليمي مهم ومؤثر على مستقبل إسرائيل.

المصدر: الأول نيوز