حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من تجاهل المجتمع الدولي للتصريحات الإسرائيلية التي تتبنى خطابا توسعيا يمس سيادة دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن، لافتا إلى أن ما يعرف بـ”إسرائيل الكبرى” لم يعد مجرد طروحات سياسية هامشية، بل بات جزءا من المزاج الرسمي في إسرائيل، وسط صمت دولي مقلق.
وجاء هذا التحذير في ظل تزايد القلق الإقليمي من هذه الطروحات، وعلى رأسها مصر التي كثفت خلال الأسابيع الماضية من وجودها الأمني في سيناء، وأعلنت عن بدء تدريب قوات أمنية فلسطينية، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، تحسبا لأيّ فراغ أمني محتمل في قطاع غزة.
وينظر مراقبون إلى هذا التحرك على أنه يندرج ضمن المخاوف المصرية المتزايدة من سيناريوهات قد تفرض على المنطقة، منها الدفع باتجاه حلول تقود فعليا إلى تصور “إسرائيل الكبرى”، عبر تصدير الأزمة الفلسطينية إلى دول الجوار.
وتساءل الملك عبدالله في تصريحاته من نيويورك “ماذا لو أطلق زعيم عربي دعوة مماثلة؟ هل سيكون الرد بالصمت ذاته؟” في إشارة إلى ازدواجية المعايير التي تحكم المواقف الدولية تجاه التصريحات ذات الطابع التوسعي. وشدد على أن الصمت الدولي يمنح مثل هذه الدعوات شرعية ضمنية، ما يفتح الباب أمام تغييرات جيوسياسية خطيرة في الإقليم.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في تصريحات سابقة، أثارت سخطا عربيا، إنه يشعر بأنه في “مهمة تاريخية وروحية،” وأنه متمسك جدا برؤية “إسرائيل الكبرى التي تشمل الأراضي الفلسطينية، وربما أيضا مناطق من الأردن ومصر.”
وكشف نتنياهو خلال مقابلة تلفزيونية عن تلقيه خريطة لإسرائيل تضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان وسوريا ومصر مؤكدا موافقته على هذه الرؤية بشدة.
وجاءت تصريحات نتنياهو في سياق دعوات متزايدة لإعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه، فضلا عن عرض وزارة الخارجية الإسرائيلية سابقا خرائط توسعية على منصاتها الرسمية.
وتخشى عمان من أن تتحول هذه التصريحات إلى سياسة ميدانية فعلية، خصوصا في ظل غياب لأيّ ضغط دولي جاد على الحكومة الإسرائيلية لوقف مسار الاستيطان، وتغيير الواقع في الضفة الغربية والقدس، أو طرح حلول تتجاوز الحقوق الفلسطينية وتهدد الأمن القومي الأردني.
وتستند مخاوف الأردن إلى خلفية تاريخية وسياسية تتعلق بمحاولات سابقة لطرح فكرة “الوطن البديل”، وبدعوات إسرائيلية سواء كانت صريحة أو ضمنية ترى في الأردن جزءا من الحل النهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو ما تعتبره عمّان تهديدا مباشرا لكيانها السياسي وهويتها الوطنية.
وقال العاهل الأردني خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن على المجتمع الدولي أن يتوقف عن “التمسك بالاعتقاد الواهم” بأن الحكومة الإسرائيلية شريك راغب في السلام، مشيرا إلى أنه “على العكس تماما، فإن أفعالها على أرض الواقع تهدم الأسس التي يمكن أن يرتكز إليها السلام، وتدفن بشكل متعمد فكرة قيام الدولة الفلسطينية.”
وتشير التحركات المصرية إلى أن القاهرة تتقاطع في هواجسها مع الأردن، وإن كان ذلك من زوايا مختلفة، فبينما تركز مصر على منع انفلات أمني على حدودها الشرقية، تركز عمّان على منع تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، أو تحميل الأردن أعباء سياسية أو ديموغرافية تحت أيّ صيغة من الصيغ.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في اجتماع بشأن اليوم التالي ودعم الاستقرار في غزة، بمقر منظمة الأمم المتحدة في مدينة نيويورك إن مصر بدأت إجراءات لتدريب قوات الأمن الفلسطينية، مؤكدا “نحن على استعداد للتوسع في ذلك بدعم من المجتمع الدولي.”
وأضاف “من ناحية أخرى، فإن مصر على استعداد لدعم أيّ جهود لإنشاء بعثة دولية لدعم عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وبناء الدولة الفلسطينية، ونرى ضرورة لإمكانية تحقيق ذلك والعمل على التوصل إلى إطار سياسي توافق عليه إسرائيل والولايات المتحدة قبل الدخول في مناقشة تفاصيل البعثة ومهامها، وهي التفاصيل التي ستتشكل بطبيعة الحال، وفقا لما سيتم الاتفاق عليه سياسيًا.”
وشارك مع مدبولي في الاجتماع أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وبدر عبدالعاطي وزير الخارجية المصري وعدد من مسؤولي الدول العربية والأجنبية.
ويأتي حضور رئيس مجلس الوزراء هذا الاجتماع، على هامش مشاركته على رأس وفد رفيع المستوى، نيابة عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مؤتمر حل الدولتين، وافتتاح أعمال الشق رفيع المستوى للدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تُعقد تحت شعار “معًا أفضل: 80 عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان.”
وبدأ مدبولي حديثه، خلال الاجتماع، بتوجيه الشكر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دعوته لهذا الاجتماع، وجهوده من أجل دعم الحقوق الفلسطينية، التي أثمرت مع الجهود المقدرة للمملكة العربية السعودية عن عقد مؤتمر حل الدولتين، مؤكدا أن ذلك ما تعتبره مصر نقطة انطلاق على طريق التوصل إلى حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية على أساس من حل الدولتين وإنشاء الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما تقدم رئيس الوزراء بالشكر لماكرون على القرار التاريخي باعتراف فرنسا بدولة فلسطين.
جيوستراتيجيك ميديا ما وراء الخبر
