يشارك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يومي السبت والأحد بجيبوتي في اجتماع وزاري حول الشراكة التركية – الأفريقية، ما يعكس توسع شراكات أنقرة في القارة اقتصاديا وعسكريا وتنوع النفوذ التركي الناعم عبر المساعدات الإنسانية والتعليم الديني.
ويتزامن اتساع الحضور التركي في أفريقيا مع تراجع اهتمام دول كبرى وأخرى إقليمية أو انسحابها أو اعتمادها على تقديم المساعدات المشروطة، التي دفعت دولا في القارة إلى البحث عن شراكات جديدة دون ضغوط أو شروط مشددة، وهو المناخ الذي ساعد أنقرة على ترسيخ وجودها.
وتراجع نفوذ فرنسا، القوة الاستعمارية الرئيسية في أفريقيا، خاصة بعد الفشل في إدارة المعركة ضد الإرهاب ثم الانسحاب منها، ما دفع دولا بالمنطقة إلى الاعتقاد في أن باريس قد تخلت عنها، وقاد إلى انقلابات معادية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
واستفاد الأتراك من تردد الولايات المتحدة في الاستجابة لمطالب الدعم الأفريقية، وكذلك من تراجع الدور التقليدي لقوى إقليمية انكفأت على أزماتها الداخلية مثل مصر والجزائر.
وطورت أنقرة اتفاقات دفاعية واقتصادية، من الصومال إلى ليبيا، وعززت نفوذها في كينيا ورواندا وإثيوبيا، وفي نيجيريا وغانا، وأخيرا في مالي والنيجر البلدين اللذين خرجا من عباءة النفوذ الفرنسي ووجدا في أنقرة حليفا خاصة على المستوى الدفاعي.
وأصبحت تركيا رابع أكبر مزود بالأسلحة لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وفقا لتقرير صادر عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” نُشر في مارس الماضي.
وبمرور الزمن وقّعت أنقرة اتفاقات تعاون عسكري مع أكثر من 25 دولة أفريقية وزودتها بأسلحة من صنعها، ومن ضمن ذلك مسيّرات ومروحيات وطائرات تدريب ومركبات مدرّعة.
وتقوم أنقرة بتدريب القوات المسلحة للعديد من الدول الأفريقية، بحسب مصادر دبلوماسية تركية رفضت الكشف عن الدول المستفيدة من ذلك.
وتقول المصادر ذاتها “إننا بالتالي نساهم في الحرب ضد الإرهاب”، مؤكدة أن هذه المعركة والتنمية الاقتصادية يجب أن تتمّا بشكل متزامن، لاسيما في منطقة الساحل.
وأشار الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، الذي استقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة الخميس، إلى أن “غرب أفريقيا منطقة تهيمن عليها المشكلات الأمنية”، مضيفا أنه “من الضروري تعزيز التعاون في قطاع الدفاع”.
أما من الناحية الاقتصادية فتساعد شركات بناء تركية حاضرة بقوة في مشاريع البنية التحتية، مثل تطوير السكك الحديد في تنزانيا (6.5 مليار دولار)، على ترسيخ صورة بلدها.
وتجاوزت قيمة المعاملات التجارية بين تركيا والدول الأفريقية 40 مليار دولار عام 2022، وتسيّر الخطوط الجوية التركية حوالي خمسين وجهة في القارة الأفريقية.
ويقول مصدر دبلوماسي في أنقرة إن “الميزة الرئيسية لبلدنا هي الماضي غير الاستعماري. عندما يبحث الرؤساء المناهضون للإمبريالية عن شركاء جدد، فإنهم يفكرون في بلدنا كأولوية”.
ومن مظاهر تنامي قوة أنقرة في القارة تأديتها دور الوسيط منذ يونيو الماضي بين إثيوبيا والصومال، الجارين المتاخمين لجيبوتي واللذين تتسم علاقتهما بالتوتر، من خلال السعي لضمان وصول إثيوبيا إلى المياه الدولية عبر الصومال، دون المساس بسيادة الصومال الإقليمية.
ولا تريد تركيا أي صدام مع إثيوبيا، ما يعرقل مساعي لاستكشاف النفط والغاز، لذلك توسطت بين البلدين، وإذا نجحت في ذلك وأمنت خططها لاستخراج النفط الذي يقع تحت قاع بحر الصومال فستكون بذلك قد حققت إنجازا هاما.
وتتموقع تركيا بشكل جيّد، نظرا إلى انعدام الثقة الكبير في المنطقة تجاه القوى الكبرى، كما أنها تضع ضمن أولوياتها مراعاة مصالح قوى أخرى صاعدة لديها استثمارات ونفوذ مثل دول الخليج.
وفي الصومال بدأت “الثقة” بالأتراك تُبنى منذ نحو عشرين عاما، من خلال استثمارات في مجالات الزراعة وبناء مطار مقديشو ومركز تدريب عسكري ومستشفى ومدارس.
وفي الآونة الأخيرة وصلت السفينة التركية “عروج ريس” إلى مقديشو في مهمة للتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في المياه الصومالية بموجب اتفاق بين البلدين ينص على القيام بأعمال تنقيب في ثلاث مناطق تبلغ مساحة كل منها 5 آلاف كيلومتر مربع.
وفي موازاة ذلك وُقِّعت أخيرا مع النيجر اتفاقات تعاون في مجال التنقيب عن الغاز والنفط، وكذلك استغلال مناجم. وتملك “الشركة الوطنية التركية” ثلاثة مناجم ذهب في هذا البلد الواقع في الساحل الأفريقي ويضم مناجم ذهب ويورانيوم.
وأشار وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار هذا الصيف إلى أن “هناك أيضا إمكانات في مجال النفط والغاز الطبيعي”.
وقال باتو كوشكون، وهو زميل باحث مقيم بأنقرة في مؤسسة صادق الليبية للأبحاث، لوكالة بلومبيرغ إن “أفريقيا مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى تركيا حيث يمكنها أن تجرّب جميع أدوات وأهداف السياسة الخارجية النشطة التي اكتشفتها حديثا”.
وأضاف “إنها القوة الناعمة من ناحية، مثل المساعدات والتعليم ومراكز اللغة التركية، والعلاقات التجارية والاقتصادية من ناحية أخرى”.