الرئيسية / أخبار / استراتيجية هشة: 30 عامًا من العلاقات الإسرائيلية الأردنية في الشرق الأوسط المتغير

استراتيجية هشة: 30 عامًا من العلاقات الإسرائيلية الأردنية في الشرق الأوسط المتغير

 

 الدكتور شهاب المكاحلة

مع اقتراب الذكرى الثلاثين لمعاهدة وادي عربة لعام 1994 بين الأردن وإسرائيل، تظل أهمية هذه الاتفاقية معقدة وحيوية للاستقرار الإقليمي. على مدى ثلاثة عقود، عززت المعاهدة التعاون الأمني والاقتصادي والدبلوماسي بين هذين الجارين. ومع ذلك، لا تزال هناك توترات عميقة الجذور تتفاقم بسبب التغيرات السياسية والصراعات الإقليمية والضغوط المتزايدة من الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية. تسلط التصعيدات الأخيرة في غزة والتوترات الدبلوماسية بشأن الأماكن المقدسة في القدس الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على كل من الأردن وإسرائيل التنقل فيه للحفاظ على اتفاقية السلام وسط تقلبات جيوسياسية واسعة النطاق.

السياق التاريخي وفوائد المعاهدة

وقعت معاهدة وادي عربة في 26 أكتوبر 1994، لتصبح الأردن الدولة العربية الثانية التي تقيم سلامًا رسميًا مع إسرائيل بعد مصر. لم تفتح هذه الاتفاقية فقط قنوات دبلوماسية، بل جلبت أيضًا فوائد اقتصادية وأمنية هامة للطرفين. بموجب المعاهدة، تزود إسرائيل الأردن سنويًا بـ 100 مليون متر مكعب من المياه، وهو مورد حيوي للأردن. كما وفرت صفقة الغاز الطبيعي في عام 2016 للأردن نحو 40% من احتياجاته من الغاز، مما عزز أمن الطاقة وخفض الاعتماد على مصادر الطاقة المتقلبة.

بالنسبة لإسرائيل، عززت المعاهدة أمن حدودها ومنحتها عمقًا استراتيجيًا، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات من إيران وحلفائها. كانت هذه الشراكة حاسمة في تعزيز قدرات الإنذار المبكر والدفاع ضد الهجمات.

التوترات السياسية والضغوط الداخلية

ومع ذلك، فإن العلاقة الأردنية الإسرائيلية تواجه عقبات سياسية واجتماعية كبيرة. تشكل التركيبة السكانية للأردن – حيث يتكون حوالي 60% من السكان من أصل فلسطيني – عاملاً حساسًا يؤثر على المشاعر العامة تجاه إسرائيل. وقد تجلت هذه المشاعر بعد الهجمات الأخيرة بين إسرائيل وحماس، مما أدى إلى احتجاجات واسعة في الأردن. كما يعكس البرلمان الأردني هذا الانقسام، حيث صوتت جماعة الإخوان المسلمين لصالح دعم الجماعات الفلسطينية.

تتفاقم هذه التوترات أيضًا بسبب شعور الأردن بأن إسرائيل تنتهك دورها في الحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس، مما يزيد من الضغط على الحكومة الأردنية ويؤدي إلى دعوات لإلغاء معاهدة السلام.

ديناميكيات الأمن الإقليمي والتهديدات الخارجية

تواجه الأردن وإسرائيل تحديات جديدة بسبب السياسات التوسعية لإيران، التي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة. تشارك إيران في تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. كما تواجه إسرائيل تهديدات متزايدة من الهجمات الإيرانية، مما يجعل التعاون الأمني مع الأردن أكثر أهمية من أي وقت مضى.

موازنة الفوائد مع التحديات الدائمة

بعد ثلاثين عامًا، تبقى معاهدة وادي عربة حجر الزاوية لاستقرار المنطقة. لكن استدامة العلاقة تعتمد على التعامل مع التهديدات الأمنية الإقليمية والديناميكيات السياسية المحلية. في ظل الظروف المتغيرة في الشرق الأوسط، قد تكون هذه المعاهدة نموذجًا للتعايش البراجماتي، لكن مستقبلها يتطلب إعادة تقييم دقيقة للمصالح الوطنية والضغوط الداخلية.

في النهاية، حتى أقوى التحالفات في الشرق الأوسط اليوم ليست محصنة ضد قوى التغيير، ولذا يتطلب الأمر حوارًا مستمرًا وتفهمًا عميقًا بين الأردن وإسرائيل لضمان استمرارية هذه الشراكة الهامة.