د. شهاب المكاحله
في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تتجه الأنظار نحو حزب الله وإيران وحماس باعتبارهم أعداء إسرائيل الأساسيين. إلا أن العدو الحقيقي يكمن داخل إسرائيل نفسها: سياساتها التوسعية. هذه السياسات لم تشعل الصراعات فحسب، بل قوضت أيضا أمن واستقرار إسرائيل على المدى الطويل. إن الفشل في إدراك هذا العيب الداخلي يهدد باستمرار دوامة العنف وعدم الاستقرار التي قد تدمر المنطقة لأجيال قادمة.
منذ تأسيسها، انتهجت إسرائيل استراتيجية توسعية على حساب جيرانها العرب. هذه الرغبة المستمرة في السيطرة على الأرض تجلت في احتلال الأراضي الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات، والتهجير المنهجي للمجتمعات واحتلال جنوب لبنان والجولان. كل خطوة في هذا التوسع ولّدت ردود فعل وانتقاما، مما خلق بيئة خصبة لانتشار الأيديولوجيات المتطرفة. فكلما بنت إسرائيل الجدران والمستوطنات، كلما زادت عزلتها سياسياً وأخلاقياً.
الاعتقاد بأن القوة العسكرية وحدها يمكن أن تحقق السلام هو وهم خطير. العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد مجموعات مثل حماس وحزب الله قد تحقق انتصارات تكتيكية مؤقتة، لكنها لا تعالج القضايا الأساسية التي تغذي الصراع. فعندما يتم تجاهل معاناة الفلسطينيين وتُرفض تطلعاتهم لإقامة دولة، فإن العداء سيستمر. السياسات التوسعية لا تؤدي إلا إلى تعميق الكراهية وتغذية جيل جديد من المقاتلين الذين يرون في المقاومة السبيل الوحيد لتحقيق الكرامة والعدالة.
علاوة على ذلك، فإن أجندة إسرائيل التوسعية قد عزلتها عن حلفاء محتملين وزعزعت علاقاتها مع شركاء رئيسيين. الولايات المتحدة، التي كانت داعمة قوية، باتت تشعر بالقلق من تداعيات سياسات إسرائيل على استقرار المنطقة وهذا ليس تحليلا بل معلومة مؤكدة. ومع تحول المواقف العالمية، تواجه إسرائيل خطر العزلة المتزايدة على الساحة الدولية لأن الفشل في الانخراط في حوار جاد والسعي لحل عادل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والإسرائيلي -العربي سيزيد من هذه العزلة، مما يقيد خيارات إسرائيل مستقبلا.
المفارقة واضحة: في سعيها للأمن من خلال التوسع، خلقت إسرائيل بيئة من عدم الأمان الدائم. فاستمرار دوامة العنف والانتقام لا يضر فقط بالشعب الفلسطيني، بل يهدد أيضا سلامة المواطنين الإسرائيليين. فلا يمكن بناء إسرائيل آمنة على أنقاض أحلام وطموحات شعب آخر لأن الأمن الحقيقي ينبع من التعايش والاحترام المتبادل والالتزام بالعدالة.
في عالم العلاقات الدولية، القوة الناعمة – قدرة الدولة على الجذب والتأثير بدلاً من الإكراه – أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. سياسات إسرائيل المتشددة قد أضعفت مكانتها الأخلاقية وقللت من قوتها الناعمة داخل المجتمع الدولي. فردود الفعل ضد سياساتها التوسعية أدت إلى تصاعد الأصوات المطالبة بحقوق الفلسطينيين، والدعوات لفرض عقوبات ومقاطعات للحكومة الإسرائيلية المتطرفة. فكلما تمسكت إسرائيل بأجندتها التوسعية، زاد خطر عزلتها عن حلفائها الذين كانوا يقفون بجانبها.
بالإضافة إلى ذلك، تغير المشهد الجيوسياسي بشكل كبير منذ الأيام الأولى لتأسيس إسرائيل. فهناك لاعبون جدد، وتحالفات أعيد تعريفها. الدول العربية التي كانت تعارض إسرائيل بدأت في السعي نحو التطبيع بناءً على المصالح المشتركة، لكن هذه الفرص تُهدر عندما تفضل إسرائيل التوسع على الدبلوماسية. “اتفاقات أبراهام” أظهرت مسارا محتملاً نحو السلام، إلا أن الاحتلال المستمر يقوض هذه المبادرات الدبلوماسية ويثير الشكوك بين الشركاء المحتملين في العالم العربي.
الطريق نحو السلام المستدام يتطلب تغييرا جذريا في السياسة الإسرائيلية، بالتحول من التوسع نحو المصالحة. وبناء عليه، يتطلب ذلك الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتهيئة بيئة مواتية للحوار والتسوية. فمن خلال الاستثمار في مبادرات تعزز التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، يمكن لإسرائيل أن تضع الأسس لمستقبل يزدهر فيه الإسرائيليون والفلسطينيون معا، بدلًا من البقاء في حالة صراع دائم.
في هذه اللحظة الحرجة التي يقف فيها الشرق الأوسط على شفا المزيد من الصراعات، يجب على إسرائيل أن تنظر بجدية إلى نفسها. العدو الحقيقي ليس حزب الله أو حماس؛ بل هي السياسات التوسعية المضللة التي أدت إلى دوامة العنف واليأس. تغيير النهج الإسرائيلي ليس فقط ضروريا، بل هو أمر حتمي لبقاء وازدهار كل من الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب. فمن خلال تبني رؤية للسلام تقوم على العدالة، يمكن لإسرائيل الخروج من دائرة العداوة والسير نحو مستقبل أكثر أمنا لها وللجميع. فلن تستطيع منظومات الدفاع الجوي عالية الدقة ان تحمي إسرائيل ومدنها من هجمات الصواريخ الدقيقة إن فتحت عدة جبهات معا.