رغم مرور عام على الحرب في قطاع غزة وتوسعها مؤخرا إلى لبنان لا يزال قطاع الطاقة في الشرق الأوسط صامدا. ومع فرضية مهاجمة إسرائيل للأصول النفطية الإيرانية وإمكانية هجمات إيرانية على الأصول النفطية لإسرائيل ودول الخليج كإجراء انتقامي تلوح عدة أضرار في الأفق.
على مدى ما يقرب من عام، بدا الصراع الإقليمي الجاري، الذي بدأ كحرب بين إسرائيل وحماس، وكأنه يتناقض مع الصيغة القديمة التي طالما اعتُبرت واحدة من الحقائق القليلة المؤكدة في أسواق النفط العالمية: “الحرب + الشرق الأوسط = ارتفاع أسعار النفط”.
وبينما أوقع الصراع خسائر لا تُحصى في الأرواح البشرية وأثر سلبا على اقتصادات جميع الأطراف المشاركة، فقد نجا قطاع الطاقة في المنطقة إلى حد كبير.
وكانت هناك حوادث معزولة تستهدف ظاهريا إنتاج الغاز الطبيعي الإسرائيلي، لكن أطراف هذا الصراع أثبتت حتى الآن عدم اهتمامها أو عدم قدرتها على شن هجمات كبرى ناجحة ضد أي من منشآت الطاقة تلك.
والواقع أن تعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر من قِبَل الحوثيين المدعومين من إيران يشكل مشكلة مستمرة بلا حل واضح، لكنها لا تشكل تهديدا كبيرا لتوافر إمدادات الطاقة من المنطقة.
ومع ذلك، تبلورت إمكانية أن يبدأ الصراع في إحداث تأثير أكثر مباشرة على الأسواق بسبب المخاطر الناشئة بسرعة على قطاع الطاقة الإقليمي الأسبوع الماضي.
وأخذت السوق التي بدت محصنة إلى حد كبير ضد الصراع الاقتراحات الإسرائيلية بأن قطاع النفط الإيراني قد يصبح هدفا للانتقام من الهجوم الصاروخي الباليستي الذي شنته طهران مؤخرا على أراضيها على محمل الجد، حيث تفاعلت أسعار النفط القياسية في شكل زيادة بنحو 10 دولارات للبرميل في غضون أسبوع واحد.
وعلى نحو مماثل، هددت إيران باستهداف إنتاج الطاقة الإسرائيلي، كما اقترح البعض أن طهران أو وكلاءها قد يضربون منشآت الطاقة في دول الخليج العربي.
ويرى كولبي كونلي، وهو مدير برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الطاقة في ميشيغان، في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط، أن مجرد إمكانية حدوث هذه النتيجة تثير شبح دورة من الانتقام يمكن أن تلحق أضرارا لا توصف بإنتاج الطاقة الإقليمي إذا خرجت عن السيطرة.
التداعيات على الخليج
لقد تم تقديم إمكانية استهداف إسرائيل لقطاع التكرير الإيراني، الذي يبلغ إنتاجه 2.5 مليون برميل يوميا، كخيار من شأنه أن يكون له تأثير أكثر محدودية على الأسواق العالمية، حيث يخدم القطاع في المقام الأول الطلب المحلي.
والواقع أن المنطق المفترض وراء هذا المسار من العمل يتلخص في توفير بديل للهجوم المباشر على إنتاج النفط الإيراني (الذي تحتاجه مصافيها لإنتاج الوقود وغيره من المنتجات) أو محطات التصدير.
ورغم أن إتلاف البنية الأساسية للتصدير أو تدميرها من شأنه أن يكون بلا أدنى شك الطريقة الأكثر مباشرة للحد من عائدات النفط الإيرانية، فإنه من المستحيل أيضا تجنب شكل من أشكال ارتفاع الأسعار اللاحق.
ولا شك أن واشنطن حريصة على تجنب حدوث قفزة كبيرة في أسعار النفط نتيجة لفقدان الإمدادات الإيرانية، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المتنازع عليها بشدة. فقد استوردت الصين، المشتري الحقيقي الوحيد حاليا لصادرات النفط الإيرانية الخاضعة لعقوبات شديدة، نحو 1.4 مليون برميل يوميا من إيران في سبتمبر. ومن شأن حرمان المشترين الصينيين من هذا العرض أن يجبر بكين على البحث عن براميل إضافية من أماكن أخرى، ولو أن هذا من غير المرجح أن يكون له تأثير كبير على السوق التي تتمتع حاليا بإمدادات جيدة.
وفي حين أن هذا التطور في حد ذاته لن يكون كارثيا بسبب العرض الوفير نسبيا والطلب الإجمالي الأضعف في عام 2024، فإن أي تأثير لاحق على الإنتاج أو الشحن في منطقة الخليج هو سؤال آخر تماما.
ويمكن لأوبك + بسهولة تعويض الإمدادات الإيرانية المفقودة بسبب 5 إلى 6 ملايين برميل يوميا من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمتلكها حاليا نتيجة لتخفيضات الإنتاج العميقة المستمرة.
واشنطن حريصة على تجنب حدوث قفزة كبيرة في أسعار النفط نتيجة لفقدان الإمدادات الإيرانية، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المتنازع عليها بشدة
ومع ذلك، إذا تطورت الأحداث بطريقة تجعل الوصول إلى هذه الطاقة صعبا أو مستحيلا، أي إيران أو وكلائها الذين ينفذون ضربة انتقامية على قطاع الطاقة في الخليج، فإن احتمال حدوث صدمة كبيرة في العرض سيصبح نتيجة محسومة تقريبا، وستتردد آثارها عبر الأسواق العالمية.
وتبحر حوالي 30 في المئة من أحجام النفط الخام العالمية و20 في المئة من المنتجات المكررة (السوائل مثل البنزين والديزل) من الخليج. وقبل أن تعبر الناقلات المحملة بالكامل والتي تحمل هذه الأحجام مضيق هرمز، والذي غالبا ما يُروَّج له باعتباره نقطة اختناق محتملة لتجارة الطاقة في حالة نشوب صراع، تتولى هذه السفن شحن البضائع في عدد قليل من محطات التصدير في جميع أنحاء المنطقة.
وقد تشكل هذه المرافق نفسها عنق زجاجة لتدفق الإمدادات من الخليج. فقد صدرت محطات التصدير مثل الجعيمة أو رأس تنورة في المملكة العربية السعودية وجزيرة داس أو جزيرة زركوه في أبوظبي مجتمعة 6.2 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات في سبتمبر، مما يسلط الضوء على أحجام التصدير الرئيسية المشتركة بين هذه المرافق القليلة الرئيسية فقط.
وفي حين يمكن تصدير النفط من الخليج عبر طرق أخرى غير المضيق، مثل خط أنابيب الشرق والغرب في المملكة العربية السعودية أو خط أنابيب أدنوك الذي يمتد من أبوظبي إلى الفجيرة، فإن البنية الأساسية التي تجعل هذه الطرق البديلة خيارا معقولا ليست أقل عرضة للصراع، بالإضافة إلى حقيقة أن قدرتها الإجمالية أقل بكثير من قدرة المنشآت الرائدة.
وفي حالة المملكة العربية السعودية، يربط خط أنابيب الشرق والغرب، الذي يبلغ سعته 5 ملايين برميل يوميا، الإنتاج بمحطات على البحر الأحمر، الأمر الذي يتطلب بالإضافة إلى خنق صادراتها أن تتحدى الشحنات السعودية حالة عدم الاستقرار المستمرة حول باب المندب، نظرا لأن حوالي 70 في المئة من إجمالي صادراتها من النفط الخام والمكثفات تتجه إلى الأسواق الآسيوية.
تأثير إسرائيلي
على الرغم من أن إنتاج الغاز الطبيعي الإسرائيلي ليس متكاملا بشكل جيد مع أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية، إلا أنه يصدر كميات كبيرة من خطوط الأنابيب إلى كل من مصر والأردن، مما يجعل التهديد بهجوم كبير على الإنتاج مهما لحياة مستهلكي الطاقة في كل بلد.
ويجب التعامل مع التهديدات الإيرانية بالانتقام من قطاع الطاقة الإسرائيلي، إذا هاجمت إسرائيل الأصول الإيرانية، بأقصى قدر من الجدية. وصدر حقل ليفياثان، أكبر حقل إنتاج في إسرائيل، ما يقرب من 90 في المئة من إجمالي إنتاجه إلى مصر والأردن في النصف الأول من عام 2024.
وفي حالتها الحالية، فإن مصر في وضع ضعيف بشكل فريد. وخلال إغلاق حقل غاز إسرائيلي واحد لمدة شهر في أكتوبر الماضي، في بداية الصراع، اضطرت القاهرة إلى فرض انقطاعات للتيار الكهربائي لإدارة النقص في واردات الغاز الإسرائيلي، والتي تعتمد عليها بشكل كبير لتوليد الطاقة.
ومع استمرار نمو الطلب السريع على الغاز الطبيعي في تجاوز قدرتها على زيادة الإنتاج المحلي، فلن يكون أمام مصر سوى بدائل قليلة غير اللجوء إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال إذا فقدت القدرة على الوصول إلى كميات الغاز الطبيعي المسال عبر خطوط الأنابيب من إسرائيل.
وفضلا عن ذلك، فإن الحاجة إلى استيراد هذه الكميات من الغاز الطبيعي المسال تحمل إمكانية تضييق أسواق الغاز الطبيعي المسال، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة واردات الطاقة للأسواق الأوروبية وكذلك لمصر في وقت لا تستطيع فيه مصر تحمل تكاليفها.
وفي حين يبدو أن الهجوم على قطاع التكرير في إيران مُعَدَّل بقصد تجنب صدمة العرض الأوسع في الأسواق العالمية، فإن ضمانات مثل هذه النتيجة ضئيلة أو معدومة، وهي نتيجة تبدو أقل احتمالية مع مرور الوقت.
وفي الواقع، إذا دخل هذا الصراع مرحلة يصبح فيها الاستهداف المباشر لأصول الطاقة هو القاعدة، فلن يهم أين بدأ، حيث إن المشهد الإقليمي بأكمله تقريبا من شرق البحر المتوسط إلى الخليج مليء بما يمكن تفسيره على أنه أهداف عالية القيمة.
وتمثل دورة التصعيد المستمرة في هذا الاتجاه تهديدا خطيرا للأسواق العالمية التي تتعافى مؤخرا فقط من التقلبات الجيوسياسية لعام 2022 ومن شأنها أن تهدد إمدادات الطاقة اليومية وسبل عيش الملايين في المنطقة نفسها.
وستخسر الدول المنتجة التي تعتمد على عائدات التصدير لتمويل الميزانيات الوطنية أو تنويع اقتصاداتها لعصر ما بعد النفط مليارات الدولارات من الإيرادات في هذه العملية وتواجه انتكاسات لا حصر لها في الاستعداد للتحول في مجال الطاقة.
وكانت القدرات الإسرائيلية معروضة بالكامل طوال الصراع، ولا ينبغي أن تترك مجالا للشك في قدرتها على استهداف أهداف الطاقة كما تراه مناسبا. كما أن يد إيران التي لا يمكن إنكارها في هجوم عام 2019 على منشآت معالجة أرامكو السعودية في بقيق يجب أن تؤكد على نحو مماثل قدرتها على استهداف منشآت مماثلة بدقة ملحوظة.
ونتيجة لهذا، ينبغي التعامل مع استخدام الضربات على أصول الطاقة كوسيلة لممارسة شكل من أشكال النفوذ في هذا الصراع بحذر شديد، فقد تؤدي المكاسب الإستراتيجية قصيرة الأجل على ما يبدو إلى مستويات غير مسبوقة من الضرر لاقتصادات المنطقة وخارجها.