إيران وجدت نفسها أمام معضلة كبرى بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، فمن ناحية هي مطالبة بالردّ ومن ناحية أخرى عليها ترميم ما تبقى من الحزب، وهي مسألة شاقة تحتاج موارد مالية ولوجستية.
مع مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله بضربة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية، تواجه إيران معضلة كبرى، ما بين التكيف مع خسارة حليف حيوي لها في الشرق الأوسط، والحفاظ على نفوذها الإقليمي.
وأكد حزب الله الذي تسلحه إيران وتموله منذ عقود، السبت مقتل نصرالله بعد أن قالت إسرائيل إنها “صفّته” في غارة جوية على حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب. ويشكل اغتيال نصرالله تصعيدا حادا بعد القصف المتبادل عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة قبل نحو عام، ويهدد بدفع المنطقة بأكملها إلى الحرب.
وتعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أن دم نصرالله “لن يذهب هدرا”، وقال النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا عارف إن مقتله سيؤدي إلى “تدمير” إسرائيل. كما تعهدت إيران الانتقام لمقتل القيادي في الحرس الثوري عباس نيلفوروشان إلى جانب زعيم حزب الله.
ويقول كريم سجادبور من مركز كارنيغي للأبحاث “لقد أدى نصرالله دورا حاسما في توسيع نفوذ إيران”، مشيرا إلى أن حزب الله يظل “جوهرة تاج” حلفاء الجمهورية الإسلامية الإقليميين. ويرى علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية أن اغتياله “لم يغير حقيقة أن إيران ما زالت لا تريد الانخراط بشكل مباشر” في النزاع الدائر. لكنه يضع إيران أمام “معضلة خطيرة”، بحسب تعبير واعظ، وخصوصا أن الحزب يشهد “حالة من الفوضى العارمة”.
بالنسبة لأستاذ العلاقات الدولية في طهران مهدي زكريان، أظهرت التطورات أن “جبهة المقاومة” الموالية لإيران “لم تكن عاجزة عن احتواء إسرائيل فحسب، بل إنها تعرضت أيضا لضربات خطيرة”.
ويأتي مقتل حسن نصرالله بعد شهرين تقريبا من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية في 31 يوليو في طهران حيث كان يحضر حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان. وحمّلت إيران إسرائيل مسؤولية اغتياله وتوعدت بالرد.
ويقول زكريان إن إعادة بناء حزب الله لن تكون مهمة سهلة بالنسبة لطهران في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها. ويضيف الباحث “إذا أرادت الحكومة التدخل في إعادة إعمار لبنان أو إعادة تجهيز حزب الله، فإن ذلك سيفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران”.
وتعاني إيران من التأثير الاقتصادي للعقوبات الدولية التي ساهمت في ارتفاع التضخم ومعدلات البطالة وانخفاض سعر الريال مقابل الدولار إلى مستوى قياسي.
وعززت حكومة بزشكيان جهودها للمساعدة في تخفيف العقوبات المرهقة وإحياء الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 والذي انهار عندما انسحبت الولايات المتحدة منه بشكل أحادي بعد ثلاث سنوات من إبرامه.
ويرى محللون أن إيران تتحرك بحذر منذ اندلاع الحرب في غزة، وتحاول إظهار قوتها من دون إثارة رد فعل من الولايات المتحدة. وحتى خلال أول هجوم مباشر لها على الإطلاق على إسرائيل في أبريل، ردا على غارة جوية نسبت إلى إسرائيل على مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في دمشق، اعترضت دفاعات الدولة العبرية والقوات المتحالفة معها معظم الصواريخ والمسيّرات.
وقالت إيران حينها إنها أبلغت الولايات المتحدة وأعطت الدول المجاورة تحذيرا قبل 72 ساعة مما وصفته بهجومها “المحدود” على إسرائيل. ورغم ذلك، يرى علي واعظ أن إيران “لديها كل المصلحة في محاولة الحفاظ على ما تبقى من حزب الله. حزب الله هو درع إيران”.
ويضيف مهدي زكريان أن “إيران لا تستطيع التخلي عن حزب الله، لأنها في هذه الحالة ستخسر أيضا حلفاءها الآخرين” في سوريا والعراق واليمن الذي تدخلوا في الحرب بين إسرائيل وحماس. ويقول محللون إن المعضلة الكبرى الأخرى التي قد تواجهها إيران هي التواصل مع حزب الله وإمداده بالأسلحة.
وتعهد الجيش الإسرائيلي الجمعة منع إيران من تزويد حزب الله بالأسلحة عبر مطار بيروت، قائلا إن مقاتلاته تقوم بدوريات في محيطه. ويرى المعلق السياسي مصدق بور أن “الأوان قد فات بالنسبة لإيران لدعم حزب الله بالأسلحة”، لكنه يعتقد أن الحزب “سيرمم صفوفه كما فعل في الماضي”.
وتعرضت الاتصالات الداخلية لحزب الله لضربة قوية أيضا عندما استهدفت تفجيرات هذا الشهر أجهزة اتصال لاسلكية كان يستعملها أعضاؤه، في عملية حملت مسؤوليتها لإسرائيل. ويرى واعظ أنه سيكون “من الصعب للغاية” على الإيرانيين حاليا التواصل مع حلفائهم، على عكس ما حدث أثناء الحرب التي استمرت 33 يوما بين إسرائيل وحزب الله عام 2006.
ويشير إلى أن ردود حزب الله “ضعيفة وهزيلة” مع تصاعد العنف مع إسرائيل، معتبرا أن “السؤال هو ما إذا كان غير راغب أو غير قادر على التحرك”. ويعتقد واعظ أن إيران تأمل على ما يبدو في أن “يتمكن حزب الله من إعادة تنظيم نفسه.. وشن هجوم كبير على إسرائيل لإظهار أنه لا يزال صامدا”.
خيارات الرد
لدى الجمهورية الإسلامية خياران واسعان للرد على ضربة نصرالله، وهما: التصعيد أو التراجع. وإذا اختارت إيران التصعيد، فقد تتبنى نهجاً مباشراً في قيادة قوات حزب الله القتالية، وهو مسار غير فعال في أفضل الأحوال نظراً لغياب القيادة العسكرية المتمركزة في لبنان حالياً.
أو بدلاً من ذلك، يمكن أن تسهل إيران إطلاق صواريخ حزب الله الموجهة بدقة قبل أن تدمرها إسرائيل، أو توجّه وكلاء مثل الميليشيات الشيعية المتمركزة في العراق والحوثيين في اليمن للاشتباك عسكرياً مع إسرائيل.
ولكن هذا الخيار أيضاً يواجه تحديات، بما في ذلك المخاطر الشخصية التي يتعرض لها القادة الإيرانيون المتمركزون في لبنان، والذين على أي حال ليسوا على دراية بالبلاد وتعقيداتها الأمنية والسياسية. وقد يؤدي التصعيد في النهاية إلى حملة إسرائيلية أوسع نطاقاً ضد أصول إيران في المنطقة.
وبدلاً من ذلك، قد تتراجع إيران في الوقت الحالي للحفاظ على وكيلها من تكبد المزيد من الخسائر. وقد يستلزم ذلك قبول المبادرة الدبلوماسية الأميركية – الفرنسية، وتوجيه حزب الله للانسحاب عسكرياً إلى شمال نهر الليطاني. كما يعني هذا التراجع الفصل بين جبهتي الحرب في لبنان وغزة.
وكل هذا من شأنه أن يوفر للحرس الثوري الإيراني الوقت والمساحة لإعادة بناء ترسانة حزب الله وإعادة هيكلة قيادته العسكرية. ومع ذلك، فإن التراجع يحمل مخاطر أيضاً، بما في ذلك التعرض لحملة عسكرية إسرائيلية مستمرة تشمل إضعاف أو القضاء على صواريخ حزب الله الموجهة بدقة.