وتؤكد صيغة البيان أن الولايات المتحدة لا تريد إفشال مقاربتها في السودان وتتحلى بالصبر في التعامل مع قيادته العسكرية، وأن التنسيق بشأن إرسال وفد إلى القاهرة والتباحث على قاعدة منبر جدة ربما يشيران إلى استدراج الجيش إلى تسوية سياسية، كما لم تنكر الإدارة الأميركية عندما دعت إلى اجتماعات في جنيف وعقد مفاوضات هناك بين الجيش والدعم السريع أنها تستكمل منبر جدة.
ولفتت مصادر سودانية لـ”العرب” إلى وجود تخبط داخل قيادة الجيش في التعامل مع الدعوة الأميركية، يعزز القناعات بعدم رغبة الجناح القوي فيه دخول عملية تسوية سياسية توقف الصراع، وتحدد ملامح الفترة المقبلة بعد تقويض سلطة الجيش.
وأضافت المصادر ذاتها أن ملامح التخبط ظهرت في إرسال وفد إلى جدة مؤخرا، ثم الحديث عن إرسال وفد إلى القاهرة، في خضم انتشار معلومات تفيد بأن الجيش أرسل وفدا سريا إلى جنيف للتفاوض مع الوفدين الأميركي والسعودي وليس مع الدعم السريع.
وأوضح البرهان السبت أن واشنطن وافقت على أحد مطالب الجيش بعقد لقاء يجمعهما والسعودية، قائلا “بعد ثلاثة اتصالات مع الجانب الأميركي تمسكنا بعدم حضور مفاوضات جنيف إلا حال تنفيذ إعلان جدة” بين الجيش والدعم السريع.
ونص إعلان جدة على التزام طرفي الحرب بـ”الامتناع عن أي هجوم عسكري قد يسبب أضرارا للمدنيين. والتأكيد على حماية المدنيين، واحترام القانون الإنساني والدولي لحقوق الإنسان وخروج عناصر الدعم السريع من المدن التي دخلتها”.
وذكرت مواقع سودانية الأحد أن الجيش أرسل وفدا السبت، في سرية تامة، إلى جنيف لمناقشة خطوات تنفيذ الإعلان بعد تسليم رؤيته في هذا الشأن خلال وقت سابق.
وما يزيد الحيرة في السودان أن الجيش اختار هذا التوقيت لإرسال وفد عسكري إلى روسيا، والتفاوض حول ما تردد بشأن تقديم خدمات لوجستية إلى موسكو في البحر الأحمر، ما يعني الدخول في مكايدة سياسية خطرة مع واشنطن، إذ من أسباب دعوتها إلى عقد مفاوضات في جنيف قطع الطريق على تطوير العلاقات بين الجيش وموسكو، وعدم السماح لإيران بالاقتراب من شرق السودان.
وقال سفير السودان لدى موسكو محمد الغزالي إن وفدا رفيع المستوى بقيادة وزير الدفاع ياسين إبراهيم أنهى الجمعة زيارة إلى روسيا بعد أن أجرى لقاءات ثنائية مع قيادات رفيعة، وإن مخرجات اللقاء كانت إيجابية تتوافق مع تطور العلاقات بين البلدين.
وكان الغزالي قد أكد في يونيو الماضي التزام بلاده بالاتفاق مع موسكو حول بناء قاعدة على البحر الأحمر، وأن تشييدها سيتم عقب الانتهاء من بعض الإجراءات الفنية.
وكشفت تقارير محلية أن زيارة وزير الدفاع السوداني ناقشت ملف القاعدة الروسية المقترحة في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، ودعم الجيش السوداني بالسلاح.
وقال المحلل السياسي السوداني علي الدالي إن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السوداني إلى موسكو تعد من قبيل “المناورة السياسية من جانب الجيش للضغط على الولايات المتحدة في ظل اقتناعه بانحياز الغرب إلى الدعم السريع، للتأكيد على أن السودان يمكن أن يشكل تحالفات إستراتيجية شرقا، حال عدم الاستجابة لمطالبه”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “مطالب الجيش تركز على عدم الدخول في مفاوضات تحت أي منبر آخر قبل تنفيذ إعلان – اتفاق جدة، والاستجابة لإرسال وفد حكومي وليس عسكريا للتفاوض مع قوات الدعم السريع في جنيف”.
وشدد على أن إرسال وفد سوداني إلى القاهرة قد يكون مقدمة لإمكانية الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع في جنيف، ما يبرهن على أن وساطة مصرية – سعودية حدثت مؤخرا، ونجحت في تليين مواقف الجيش المتشددة.
وأكد لـ”العرب” أن “التوصل إلى اتفاق يسمح بتنفيذ بنود إعلان جدة أولاً يحد من الصراع العنيف، ويفسح المجال أمام التوصل إلى هدنة ثم وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى مناطق يسيطر عليها كل من الجيش وقوات الدعم السريع”.
وجود تخبط داخل قيادة الجيش في التعامل مع الدعوة الأميركية، يعزز القناعات بعدم رغبة الجناح القوي فيه دخول عملية تسوية سياسية توقف الصراع
وتطالب قوات الدعم السريع أن يكون ذلك في مقابل وقف تحليق الطيران الحربي في أماكن تواجد عناصرها، وهو أمر يرفضه الجيش حتى الآن، وبالتالي فإن الضمانات وآليات التنفيذ ستكون أكبر مشكلات التفاوض بين الطرفين في الأيام المقبلة.
وأشار مساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا من قبل إلى أن موسكو اقترحت التعاون العسكري من خلال مركز دعم لوجستي وليس إنشاء قاعدة عسكرية، مقابل تقديم إمدادات من الأسلحة والذخائر، وأن الجيش طلب تطوير التعاون ليشمل المجال الاقتصادي، وأن قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان “سيوقع على الاتفاقية قريبا”.
ويقوم وفد من البنك المركزي الروسي بزيارة إلى السودان حاليا لبحث إمكانية استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية بين البلدين، بما يقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية، ومناقشة فرص الاستثمار المشترك في قطاعات المعادن النفيسة، ويمكن للبنوك في البلدين تمويل هذه المشاريع.