الرئيسية / أخبار / الاردن : من الكازينو حتى العطارات ! الطريق سالكة و المفاجأت قادمة

الاردن : من الكازينو حتى العطارات ! الطريق سالكة و المفاجأت قادمة

المهندس سليم البطاينة

كثيرة هي الملفات التي شُخّصت سابقاً في الأردن ، وتم تداولها على مستوى واسع ، وعرضها أمام الرأي العام ، منها ما تمت معالجته ، وكثير منها لم يعالج لأسباب قد تكون غامضة وغير معلومة ! وابرزها ملف الطاقة الذي يواجه غموضاً في كافة جوانبه لا نعرف شيئاً عن خباياه والذي أصبح جزء كبير من مشكلة الأردن وبات يقف وراء فقر الأردنيين !

ملف الطاقة في كل بلدان العالم يحتل أهمية خاصة في الاقتصاد السياسي ! ويحظى بأهمية كبيرة في موازنات الدول و إيراداتها ونفقاتها.

وفي ملف الطاقة تحديداً كتبت منذ سنوات عدة مقالات ،، هذه عناوينها :
– ملف الطاقة الذي لا يجرؤ أحد الاقتراب منه أو النبش فيه ( ٢٠ ديسمبر / ٢٠١٩ ).
– مشروع العطارات لإنتاج الطاقة : معلومات غامضة ! أين هي الحقيقة ( ٢/٢٩ / ٢٠٢٠ ).
– مشروع العطارات تسوية الخلاف خيراً من اللجوء الى التحكيم ( ٢٦ سبتمبر / ٢٠٢٠ )
– ملف الطاقة كرّس فجوة عميقة في أزمة الثقة ( ٢١ اكتوبر / ٢٠٢٠ ).
– ⁠جنون لا معقول في رفع أسعار المشتقات النفطية ( ٨/١ / ٢٠٢١ ).
– ⁠فقر الطاقة مقياس جديد لفقر الأردنيين ( ٨ ديسمبر / ٢٠٢٢ ).

معظم أزماتنا في الأردن ذات طابع فجائي ! عميقة وبالغة التأثير ،، وغياب الحقيقة يجعل الأردنيين عاجزين عن استيعاب ما يحيط بهم !

بالأمس خسرت الحكومة القضية التي رفعتها ضد شركة العطارات ، وردّت هيئة التحكيم جميع مطالبات الحكومة فيما يتعلق بموضوع الغبن الفاحش في أسعار الكيلو واط الواحد ! وقررت لجنة التحكيم عدم إلزام الحكومة بدفع تكاليف التحكيم لشركة العطارات ! بمعنى أننا خسرنا المليارات وكسبنا عدم دفع نفقات التحكيم التي لم تزد عن ٥ مليون دولار ! وعلى مبدأ سرقوا الحمار وخبّينا عنهم البردعة !

الواقع ان ما يجري في ملف الطاقة يكشف عن كعب أخيل ! ومن أجل مسك طرف الخيط لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة علّها تقودنا إلى فهم أحاجي والغاز ملف الطاقة في الأردن الذي لا يجرؤ أحد الاقتراب منه أو النبش فيه ! حيث ان إبليس عجز على نحو مطرد عن فك تلك الألغاز ! لأن النبش فيه أشبه بالنبش في عش دبابير سيحفّزها للدغات مؤلمة وسامة ! ويُحفزُها الى إثارة عدوانيتها.

ولكي لا يشطح بنا الخيال ونكون أكثر واقعية في وصف ما يجري على نحو دقيق ؛ نبدأ بالاسئلة:
– لماذا ارتبطت الحكومات بعقود شراء طويلة الأجل تفوق حاجة الأردن الفعلية من الطاقة ؟

– ⁠ولمصلحة من حجبت الحكومات الصورة الواضحة والشفافة لقطاع الطاقة الغامض في كافة جوانبه ! فاتحة المجال للتكهنات والشك ؟ حيث ان جميع اتفاقيات الطاقة التي وقعت تمّت وفق قاعدة الارتجال الهادف الى التعامل بالسر وليس العلن ! واخترقت جميع الأطر القانونية والرسمية للدولة ! وهذا يدل على اهتراء القواعد القانونية والتشريعية.

– ولماذا تم التعاقد مع شركة العطارات ( ٣٠ عاماً ومرشحة للتمديد ) ؟

– ولماذا بلغ سعر الكيلو وات الواحد ( ١٢ قرشاً ) ، وهي تكلفة مرتفعة إذا ما عرفنا ان سعر الكيلو وات الواحد يباع للمواطن ب ١٠ قروش ،، بينما تبلغ تكلفة الكيلو وات الواحد من الغاز المستورد ب ٦ قروش ؟

– ومن الذي عجّل في توقيع الاتفاقية ؟ ولماذا لم تستجب الحكومة لمذكرة البنك الدولي في ذلك الوقت الذي طالب الحكومة باعادة النظر وبشدة على الكلفة المرتفعة لفاتورة الكهرباء الناتجة عن مشروع العطارات ،، وطلب البنك من الدولة مراجعة الحيثيات بسبب عدم جدوى المشروع وغياب إنتاجيته !

مذكّرة البنك الدولي ركّزت بشكل واضح ان المضي في مشروع العطارات سيستنزف الخزينة ويكون عبئاً على خزينة الدولة وعلى الأجيال القادمة وسيؤدي إلى رفع أسعار الكهرباء بنسب عالية من أجل تغطية الخسائر الناتجة عن المشروع.

رغم أن هناك وسائل أخرى لتوليد الطاقة أرخص كلفة مثل : طاقة الرياح والطاقة الشمسية ! فكل ١٠٠ ميغاواط منها لا تحتاج أكثر من مليون دينار لانتاجه ، وحسب تقرير مجلس طاقة الرياح والطاقة المتجددة Statistical Review Of the World Energy ان ٥٤٪؜ من الكهرباء المولدة في أوروبا ناتجة عن طاقة الرياح ،،،،، – أسكتلندا وحدها نجحت في توفير ١٠٠٪؜ من احتياجاتها من خلال طاقة الرياح ،،، والسويد تنتج ٣٨٪؜ ،،، وألمانيا تُنتج ٤٥،٩٤٧ ميغاواط ( أي ١٩٪؜ من احتياجاتها ) ، والدانمرك تنتج حوالي ٤٦٪؜ ،، والبرتغال ٢٥٪؜ ، وإسبانيا ٢٢٪؜ ،، وإيرلندا ٢١٪؜ ،،، إلخ.

اليوم كالأمس ! أتذكرون ما حصل في اتفاقية الكازينو الشهيرة عام ٢٠٠٧ التي اعترض عليها وزير العدل شريف الزعبي وقتها بشدة لمخالفتها للدستور والقانون ،،، فـ المادة (٢٣ ) من تلك الاتفاقية نصّت على السرية وان تبقى المعلومات حولها محصورة بالحكومة والشركة المشغلة ( Oasis ) ، وأن يبذل كل طرف جهوده لحصر انتشار جميع المعلومات السرية حولها ! وأن يكون القانون الإنجليزي وقانون ويلز هو المرجع في التحكيم بين الطرفين ! وان تكون الاتفاقية باللغة الإنجليزية وهي المرجع دون غيرها من اللغات.

الدولة صامتة ! ولا تسمع نُصحاً ، وهي بحاجة الى صوت كبير يوقظها ، ولم تأخذ في عين الاعتبار الأبعاد السياسية والاجتماعية في استخدام الأسلوب الوقائي و الاستباقي في خسارتها لقضية العطارات ، ولم تدرك بعد حجم وابعاد ومتواليات الخسائر الفادحة على الخزينة العامة للدولة ، فـ أي ارتفاع قادم في أسعار الكهرباء لتغطية الخسائر يعني أن مصفوفة طويلة من السلع والخدمات سوف تعصف بالناس من مختلف الطبقات الاجتماعية.

إن أية إصلاحات اقتصادية مرهونة برفع اليد عن ملف الطاقة والتوقف عن إدارة الاقتصاد بالأوامر، والى إعادة النظر في كل العقود التي حملت الخزينة العامة خسائر فادحة والى محاسبة المسؤولين ،،، والأردن اليوم في أشد الحاجة إلى فكر جديد يتولى صناعة سياسات اقتصادية وبرامج تنموية ، والى رسم خريطة إنقاذ اقتصادية ،، وإقامة إطار عام لإدارة المخاطر ، والى وجود مؤسسات مستقرة قادرة على المساءلة ،،، فـ عدم إخضاع نوع معين من المعاهدات والاتفاقيات الى موافقة مجلس النواب ( نواب واعيان ) من شأنها ان تمس حقوق الأردنيين العامة والخاصة مما يترتب عليها تحميل الخزينة العامة للدولة خسائر كثيرة !

المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني