تجد قيادة حزب جبهة العمل الإسلامي صعوبة في احتواء غضب الرافضين لطريقة إدارتها للعملية الانتخابية، وكان من نتائج ذلك أن قدم القيادي البارز عبدالله العكايلة استقالته في بيان تضمن عبارات غير معهودة، وسط أنباء عن تحركات من القيادة لإثنائه عن قراره، واسترضائه بضمه إلى القائمة الوطنية.
يواجه حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أزمة داخلية، بسبب طريقة إدارة عملية اختيار المرشحين للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في العاشر من سبتمبر المقبل.
ونادرا ما تظهر الخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى العلن، بسبب سياسة التكتم التي تنتهجها، لكن هذه المرة الوضع مختلف ما يشي بأن القيادة الحالية تواجه صعوبة في احتواء ردود فعل الغاضبين.
وأعلن النائب والوزير الأسبق ورئيس كتلة الإصلاح النيابية سابقا عبدالله العكايلة مؤخرا، عن قراره بعدم الترشح للانتخابات النيابية القادمة، واستقالته “غير نادم ولا آسف” من حزب جبهة العمل الإسلامي.
وجاء قرار العكايلة بعد أيام من تلويح النائب المعروف صالح العرموطي بعدم الترشح للاستحقاق الانتخابي، ومغادرة الساحة السياسية، قبل أن تتدخل قيادة الحزب وتقنعه بالتراجع عن قراره، لما قد يثيره ذلك من تأويلات تمس بصورة الجماعة قبيل الانتخابات.
وجاء في بيان مختصر للعكايلة “لن أترشح للانتخابات وأستقيل غير نادم ولا آسف من حزب جبهة العمل الإسلامي”.
ولم يعلق حزب جبهة العمل الإسلامي أو الجماعة الأم على استقالة العكايلة.
ووفق ما كشفته وسائل إعلامية محلية الاثنين، فإن استقالة العكايلة من جبهة العمل الإسلامي أو التراجع عنها يبقيان مرتبطين بإعلان أسماء القائمة الوطنية المرشحة للانتخابات النيابية، والذي قد يتم رسميا الثلاثاء.
وكشفت مصادر لوكالة “عمون” المحلية أن السبب الرئيسي في قرار الاستقالة هو تسريب أسماء قائمة الحزب التي ستخوض الانتخابات على مستوى الوطن، والتي خلت من اسم العكايلة.
وقالت المصادر إن قياديي الحزب أكدوا للعكايلة عدم صحة القائمة المسربة التي جاء في مقدمتها أمين عام الحزب وائل السقا، وضمت كلا من أحمد القطاونة وحياة المسيمي وناصر النواصرة ومالك طهراوي وديما طهبوب ومحمد عقل وأحمد ملكاوي وهدى العتوم ووسام الربيحات.
ويرى متابعون أن بيان الاستقالة المختصر حمل الكثير من المعاني والدلالات، لما تضمنه من عبارات غير معهودة عن أعضاء أو قيادات الجماعة، ما يعكس حجم الغضب الذي لا يمكن اختزاله فقط في عدم ورود اسم العكايلة في القائمة الوطنية.
ويشير المتابعون إلى أن من الواضح أن هناك احتقانا من طريقة القيادة الجديدة في إدارة العملية الانتخابية، ولهذا جاءت استقالة العكايلة بعد احتجاج ثلاث مرات من القيادي البارز المحامي صالح العرموطي، الذي اضطر إلى أن يعلن انسحابه من الترشح، ولولا التدخلات التي قام بها عدد من قادة الجماعة والحزب لبقي على موقفه، خارج السباق الانتخابي.
وتشكل الانتخابات المنتظرة أهمية استثنائية بالنسبة إلى حزب جبهة العمل الإسلامي لاسيما بعد التعديلات التي أدخلت على قانوني الأحزاب والانتخابات، ومن بين ما نصت عليه تلك التعديلات هو رفع عدد مقاعد مجلس النواب من 130 إلى 138، 41 منها خصصت لقوائم الأحزاب.
ويوضح المتابعون أن جماعة الإخوان المسلمين تراهن بشكل كبير على الانتخابات المقبلة، ليس فقط لتعزيز حضورها في المعادلة السياسية داخل المملكة، بل وأيضا لتحصين نفسها في ظل الضبابية المحيطة بوضعها القانوني، بعد صدور قرارات قضائية سابقة بعدم قانونيتها.
وكانت العلاقة بين جماعة الإخوان والسلطة شهدت منذ العام 2011 الكثير من الهزات، بسبب انقلاب قيادة الجماعة على مواقفها التي كانت قريبة من السلطة، وتوليها تزعم احتجاجات شعبية تطالب بتوسيع مشاركتها في الحياة السياسية.
وتعاطت السلطة الأردنية ببراغماتية شديدة مع الجماعة وتحاشت الصدام معها خلال موجة الربيع العربي التي انطلقت من تونس لتجتاح دولا عربية بينها مصر واليمن.
ولكن مع هدوء الموجة، تحركت الحكومة الأردنية واتخذت جملة من الإجراءات من بينها فتح ملف قضائي بخصوص قانونيتها. وقد صدر بالفعل قرار قضائي بهذا الشأن.
ورغم أن الحكومة لم تذهب بعيدا في تطبيق الحكم القضائي، لكنه ظل سيفا مسلطا على جماعة الإخوان، وقد عاد التوتر مجددا ليطبع العلاقة بين الإخوان والسلطة مع أحداث غزة في أكتوبر الماضي، وقد كشفت تحقيقات عن تورط عناصر من الجماعة في تهريب أسلحة إلى الداخل الأردني بالتعاون مع ميليشيات موالية لإيران، وأن جزءا من تلك الأسلحة موجه للضفة الغربية، فيما جزء آخر موجه للمملكة.
ومنذ الحديث عن تلك الخلايا قررت الجماعة التهدئة وخفتت المسيرات الاحتجاجية التي قادتها ضد الحرب الإسرائيلية في غزة.
ويقول مراقبون إن جماعة الإخوان تدرك أنه ليست لها القدرة أو الإمكانية لتحمل غضب السلطة السياسية، وأن الأفضل العودة والعمل على تحسين العلاقة معها، وقد تكون الانتخابات النيابية المقبلة فرصتها لتكريس نفسها كرقم صعب داخل الأردن، وهو ما سيفتح لها الباب لحوار مع السلطة.
ويشير المراقبون إلى أن هذا أحد الدوافع الأساسية التي ستقود جماعة الإخوان إلى استرضاء القيادات الغاضبة حاليا على طريقة إدارة العملية الانتخابية، لتجنب أي إشكالات تضعف موقفها قبيل الاستحقاق.
ويشكل البرلمان المقبل الخطوة الأولى نحو تعزيز حضور الأحزاب في المعادلة السياسية بالمملكة، بما يفضي مستقبلا إلى تشكيل حكومات برلمانية.
ويتنافس على مقاعد الأحزاب 38 حزبا بينها حزبا إرادة والوفاق الوطني اللذان ينتميان إلى التيار الوسطي، ويرجح أن يحققا نتائج مهمة، إلى جانب حزب جبهة العمل الإسلامي.
ويرى متابعون أن الاستحقاق المنتظر لن يكون فقط اختبارا للأحزاب، بل هو أيضا أشبه باستفتاء شعبي على الإصلاحات التي أدخلت على العملية السياسية والتي تحققت برعاية ملكية.
ووفقا للدستور الأردني، تجرى الانتخابات النيابية خلال الأشهر الأربعة التي تسبق انتهاء عمر مجلس النواب.
وبحسب الهيئة المستقلة للانتخابات، فإن عدد الناخبين المدعوين إلى التصويت في الانتخابات المقبلة تجاوز 5.1 مليون ناخب، بينهم نحو 2.7 مليون من الإناث و2.4 مليون من الذكور.