أسئلة كثيرة تطرح حول تداعيات عملية اغتيال دونالد ترامب الفاشلة، منها أسباب دينية وأخرى سياسية، وربما ذات طابع تنافسي، لكن هنالك الكثير من الأسباب التي تقف خلف الاغتيالات تبقى غامضة. وكانت الولايات المتحدة قد شهدت العديد من الاغتيالات السياسية على مدى تاريخها القصير، ولم تتوقف هذه الظاهرة خلال معظم حقب التاريخ الأميركي. وراح ضحية هذه الاغتيالات عدد من الرؤساء، وعدد من الوزراء وعدد من أهم زعماء حركة الحقوق المدنية من السود. وببساطة يمكن تعريف الاغتيال بأنه قتل أحد الأشخاص المستهدفين لغرض سياسي، ويقوم بتلك الجريمة قاتل يحمل أجندة سياسية أو أيديولوجية معينة.
انضم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي تعرض لإطلاق نار وأصيب في أذنه أثناء إلقائه كلمة بتجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، إلى قائمة الرؤساء والمرشحين الرئاسيين الذين تعرضوا لهجمات ومحاولات اغتيال في تاريخ الولايات المتحدة. وتواجه الولايات المتحدة أكبر زيادة في أعمال العنف ذات الدوافع السياسية وأكثرها استمرارية منذ سبعينات القرن الماضي. ونفذ مهاجمون يمينيون 13 من بين 14 هجوما سياسيا تسببت في سقوط قتلى أو مصابين منذ اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول الأميركي في السادس من يناير 2021، بينما شن يساري هجوما واحدا. ولمرتكبي هذه الهجمات أو المشتبه بهم انتماءات حزبية واضحة.
العنف ليس زائرا غريبا في أميركا. كان الرئيس الأميركي الـ35، جون إف كينيدي، هو آخر من اغتيل من الرؤساء الأميركيين في 22 نوفمبر 1963، وقُتل بعد أن أطلق النار على سيارته المكشوفة التي كان يستقلّها رفقة زوجته بمدينة دالاس بولاية تكساس وسط جمع غفير من المواطنين. وأصابت الرصاصات التي أطلقها لي هارفي أوزوالد، ضابط البحرية الأسبق، كينيدي في رقبته ورأسه، مردية إياه قتيلا بالحال، حيث أعلنت وفاته بعد أقلّ من ساعة من وقوع الحادثة. وإلى غاية يومنا الحالي، لا يعرف أحد من العقل المدبّر وراء اغتيال كينيدي، الأمر الذي فتح باب التكهنات على مصراعيه وانتشار نظرية المؤامرة بشكل واسع، خصوصا وأنّ هارفي البالغ من العمر 24 عاما لم يعترف أبدا بارتكابه الجريمة ووُجد مقتولا بعد يومين فقط من احتجازه، تاركا وراءه لغز الاغتيال دون حل.
الرئيس الأميركي الثاني والأربعون، بيل كلينتون، تعرض لثلاث محاولات اغتيال في عام واحد هو العام 1994، أولاها على يد رونالد جين باربور أثناء ممارسته رياضة المشي، والثانية حين صدم يوجين كودور طائرته الصغيرة في حديقة البيت الأبيض، والثالثة حين أطلق فرانسيسكو مارتن دوران طلقات نارية باتجاه البيت الأبيض، قبل أن يهاجمه سياح ويسقطونه أرضا لتعتقله الشرطة.
تعددت نماذج الاغتيال السياسي تاريخيا، وبدأ هذا النوع من الجرائم السياسية يقع في العادة ويستهدف أشخاصا، بحيث لا يتوقف الأثر التدميري المادي والمعنوي على نتائج هذا الاغتيال بشكل مباشر فقط. لذلك فإن للاغتيال السياسي نماذج تختلف عن بعضها بعضا، وأخطر هذه النماذج نموذج الجماعات الدينية المتطرفة التي تطمح للسيطرة على أدوات التغيير السياسي المطلوب من خلالها الاستجابة الموضوعية للمناخ النفسي والسياسي والأيديولوجي في مجتمعاتها المتخيلة، حيث تنطلق من بوابة السياسة نحو تعميق المتناقضات الاقتصادية والاجتماعية، دون الالتفات إلى مفردات البطولة والخيانة، مع التأكيد على وجود حالات تزييف للوعي.
الجماعات الدينية المتطرفة تلجأ إلى أساليب تمنع على الفرد حقه في تشكيل جوهر حياته ومستقبله ومصيره، ويحمل التاريخ صورا كثيرة لتأثير حالة استمرار النهج الديني المسيس باعتباره ارتقاء نحو التآمر لوضع مشاريع متكاملة ذات صورة دينية متطرفة، مستقطبة بذلك رموزا تلعب أدوارا دون إدراك منها لحقيقتها، ويمكن تقسيم تلك الدوافع التي تقف خلف عمليات الاغتيال إلى دوافع عسكرية، ودوافع سياسية، ودوافع عقائدية ودينية، ودوافع أيديولوجية وفكرية ودوافع اقتصادية ودوافع شخصية. فقد يكون الدافع الشخصي وراء الاغتيال لسوء فهم بين القاتل والضحية، فعمليات الاغتيال السياسي تشمل حوادث متعددة في كل بلاد العالم، لأنها مظهر اجتماعي بشري لا يمكن أن يتوقف.
خلاصة القول إن الاغتيال السياسي هو ظاهرة سياسية مستمرة ولن تنتهي، ومن المتوقع تصاعدها أكثر خلال الفترة المقبلة نتيجة حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في عدد من الدول، نتيجة كثرة الحروب والصراعات والنزاعات، حيث دفعت الأزمات الاقتصادية بعض الشباب إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، سواء أكانت سياسية أو دينية أو اجتماعية، ما يمثل وسيلة لتلك الجماعات لاستغلالهم في تنفيذ حوادث الاغتيال. كما أن تزايد الصراعات الدولية قد يكسب الاغتيالات المزيد من الزخم، وخصوصا أنها توفر لبعض الدول أداة أقل كلفة من الحرب لإضعاف الخصوم.