الرئيسية / أخبار / إعادة العلاقات التركية – السورية بين السهل والسهل الممتنع

إعادة العلاقات التركية – السورية بين السهل والسهل الممتنع

قبل عقد ونيف قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسوريا على خلفية اعتراض الحكومة التركية على طريقة تعامل الأسد مع الحراك الشعبي المُطالب بإسقاط نظامه. ولفت انتباهي اليوم في تفاصيل ما قاله الرئيس التركي أردوغان عقب صلاة الجمعة الماضي بإسطنبول ردا على سؤال أحد الصحافيين حول تصريحات الأسد وقوله إن سوريا منفتحة على جميع المبادرات التي تهدف إلى تحسين علاقاتها مع تركيا “لا يوجد سبب لعدم إقامة العلاقات، نحن مستعدون للعمل معا على تطوير هذه العلاقات مع سوريا بالطريقة نفسها التي عملنا بها في الماضي”.

واقع الحال أن روسيا تضع إعادة إحياء العلاقات بين الحكومة التركية والنظام السوري ضمن أولوياتها. وفي ما تتوالى فصول الحرب في أوكرانيا، تتوطّد العلاقة بين موسكو وأنقرة، وباتت تجمعهما روابط أعمق في مجال الطاقة وقطاعات اقتصادية أخرى، إذ يعتمد الكرملين على تركيا لتوفير مستوى من الدعم من أجل تخفيف وطأة العقوبات الدولية. في ظلّ هذه الظروف، فإن تقديم تنازلات لأنقرة في سوريا ليس مستبعدا.

واضح في السنتين أو السنوات الثلاث الأخيرة، أن التعاون الأمني والعسكري في بعض القضايا التي تهدد الأمن القومي المشترك للبلدين كان موجودا “هناك مصلحة سورية وتركية وإقليمية في عودة العلاقات، فهناك 932 كلم من الحدود المشتركة، وهواجس أمنية وعوامل اقتصادية واجتماعية وإنسانية متداخلة، إلى حد أكثر مما يعرفه الكثيرون”. المناطق الحدودية فيها حجم تداخل كبير جدا وتزاوج وقرابة بين الشعبين السوري والتركي على جانبي الحدود.

على الجانب الآخر، سوريا لا تضع أي شرط تعجيزي، إذ لا يمكن أن تطبع العلاقة مع الجيران إذا كانوا يحتلون بيتك. إنه ليس أمرا تعجيزيا ولكنه منطقي، لأن تركيا كانت دائما تتدخل عسكريا في دول الجوار بحجة الأمن القومي، ولكن كل دولة لها أمنها قومي. هذا يصل بنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي الموافقة التركية على سحب قواتها من شمال العراق، لكن يبقى الشرط الأساسي هو القضاء على الأكراد في الشمال كجزء من خارطة الحل ما دامت هنالك قوة مسلحة معارضة تحاول أن تنال من تركيا فلا بد من اتفاق تركي – سوري وهو ضمن شروط إعادة العلاقات بين البلدين.

ولا يغيب عن ذهننا مطلقا جوهر الخلاف بين البلدين الذي يكمن في الأمور الحساسة، ومنها توطين الأقليات التركمانية والكردية. وعلى ما يبدو أن الحدود رسمت بطريقة عشوائية دون مراعاة الاتفاق بين البلدين. أما المشكلة الأخرى فهي مشكلة توزيع المياه، ويتمثل ذلك في شروع سوريا في تجفيف مستنقع الغاب وبناء سد النهضة، وقتها عارضت تركيا هذا المشروع، وقالت إنه يضر بمزارعيها. بقي هذا التوتر قائما حتى تولى حافظ الأسد الحكم، ومالت الدولتان إلى التعاون المباشر لمعالجة القضايا المرتبطة بالحدود والمياه.

يبدو أن أردوغان ذاهب إلى ما هو أبعد من ذلك، الموضوع لا يتعلق فقط بالتطبيع مع سوريا وإعادة ترميم العلاقات من جديد، ولكن تبقى الأمور العالقة قبل عام 2011 وبعده. وتركز أنقرة على تسوية ملفات أهمها التخلص من عبء أزمة اللاجئين التي أرهقت تركيا وأحدثت انقسامات داخلية هائلة، وبات الرئيس أردوغان ملزما بالتحرك في هذا الملف بعد الوعود التي قطعها في مرحلة الانتخابات وما بعدها، لما لهذه القضية من تأثيرات مستقبلية على خططه في دعم حظوظ حزب العدالة والتنمية في الحكم مستقبلا، ولن يستطيع تسوية هذه القضية من دون التطبيع مع دمشق والتفاهم حول كيفية إعادة اللاجئين.

الملف الثاني هو إيجاد حل للخطر الكردي في شرق سوريا كما ذكرت آنفا، حيث سيحقق وجود قوات الجيش السوري بالقرب من الحدود التركية مصلحة أمنية لتركيا في ظل التقارب بين الطرفين ويُبعد خطر النزعة الانفصالية، كما أنه يضعف مبررات الوجود الأميركي في تلك المناطق، وقد يدفع ذلك الإدارة الذاتية الكردية في ظل هذا التغير إلى البحث عن صيغ واقعية مع دمشق.

الملف الثالث هو الاستفادة من الوضع اللوجستي لسوريا بوصفها بوابة عبور أوسع وأقل تكلفة لتركيا نحو المشرق والخليج. بالإضافة إلى الاستفادة المستقبلية من عملية إعادة الإعمار، والتعاون في مجالات التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي والنفط في شرق المتوسط.

الخلاصة تكمن في تعقيدات الحلول النهائية المتمثلة في المياه وترسيم الحدود وخير دليل لواء الإسكندرون الذي يعكر صفو أي اتفاق نهائي بين الطرفين. أما الأمور الأخرى فيسهل التغلب عليها.

 لقد أقدم الرئيس التركي على تسوية الخلاف بينه وبين الرئيس الأميركي وما طرحه مؤخرا لتقزيم إيران ومحاولته الضغط على بشار الأسد لإخراج القوات الإيرانية من سوريا، وهذا ما يتوق له الأسد، ولكن حسب المثل الشعبي “وقعت الفأس في الرأس”.

آخر الكلام: في ما يتعلق بفلسفة أحمد داوود أوغلو والتي لم يتبنها أردوغان وهي تصفير المشكلات مع الجوار. يخطئ البعض في الاعتقاد بأن حل مشكلة لواء الإسكندرون وارد.. سيبقى اللواء عقبة كؤودا في طريق أي اتفاق نهائي مع سوريا.