المهندس سليم البطاينة
في كتابه عن الأحزاب السياسية صنف المؤرخ والمنظر السياسي الفرنسي Alexis De Tocqueville 1859-1805 الأحزاب السياسية إلى صنفين : أحزاب مُنفّرة تفتنُ المجتمع بمكائدها ! وأحزاب تقلب المجتمع بأفكارها … ما نتوقعه نادراً ما يحدث ، وما نستبعده غالباً ما يحدث ! والخطر على الديموقراطية يأتي من الديمقراطية نفسها.
حتى على المستوى الدولي ، لا يوجد نموذج مثالي واحد لنظام سياسي يمكن تطبيقه ،، بل على كل دولة ان تستكشف طريقة التنمية السياسية المناسبة لخصائصها التي تحفظ أمنها وسلمها المجتمعي.
دعونا نفتح باباً جديداً للتباكي على كوارث قادمة صَنعناها من جديد داخل الجامعات ! فها نحن أمام علامات دالّة على ظهور العنف والفتن مجدداً داخل الحرم الجامعي.
هذا النوع من العنف والفتن شرٌ كامن غاف ، امتداد للعنف الاجتماعي سيؤدي إلى وأد الحِس الوطني في أفئدة طلاب الجامعات عبر طرح ولاءات ثانوية ينبغي لها ألا تُحرَّك ولا تُثار لأن نتائجها كارثية بكل المقاييس ،،،، فطلبة الجامعات هم الأكثر بين الفئات الاجتماعية تعبيراً عن مضامين اتجاهات التحولات الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تشهدها الأردن حالياً ،،، ناهيك على أنهم الأكثر جُرأة في اختيار تلك المضامين ! وتقويض طموحاتهم كان سببه الرئيس غياب الحامل السياسي الحقيقي لهم.
مشهد اليوم أشبه بالبارحة ، وحادثة جامعة الحسين قبل حوالي ٩ سنوات في معان وما سبقها من أحداث مؤلمةٍ في كثير من جامعاتنا تُذكّرُنا بقصص راح ضحيتها طلاب أبرياء ، فالجامعات ليست مضافات أو منتديات أو نواد رياضية.
فـ قبل سنوات انفرد الأردن في حجم أعمال العنف داخل الجامعات على الصعيد العربي ( إطلاق رصاص وإشعال حرائق ، وحرق لسيارات شرطة ! وتكسير لمرافق الجامعة ،، وأحيانا طعن باستخدام الأدوات الحادة ) ، وكارثة ان نعود مرة أخرى لتجديد العنف داخل الحرم الجامعي ، وأن نحول الجامعات إلى ساحات للخلافات الحزبية ، والى وقود يُذكي نار العنف داخل دائرة مغلقة من الفوضى على يد الأحزاب ! وكارثةٌ أيضاً ان نسكت على ذلك بحجة ان ذلك أحد الطرق لإصلاح منظومة العمل السياسي ،،، وبذلك نهدم سنوات من الهدوء داخل الجامعات.
أنا شخصياً ما زلت عند موقفي ان المجتمع والدولة في الأردن لم ينضُجا بعد لإفراز أحزاب سياسية وطنية بمفهومها الحديث ! وأن الاختيار السياسي أو الأيدولوجي برأيي هو بداية الانقسام وفشل الدولة وأجهزتها بشكل عام ! فـ من أبجديات العمل السياسي هي إدراك القوة في السياسة وحصانة الشخوص السياسية وقدرتهم على إدارة الملفات الصعبة ، ووعيهم بمتطلبات المرحلة !
سأقتبس هنا عبارات تحدث بها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز قبل سنة تقريباً في أحد اللقاءات الرمضانية امام حشد كبير من الإعلاميين الأردنيين ،،، ما قاله أبا غيث : إن الأحزاب السياسية التي تتشكل حالياً لا تستطيع تحمّل عبء المرحلة القادمة من حيث ضعفِ فاعليتها وجمود هياكلها، وان الانخراط في العمل الحزبي يعيقه الضعف في الاستقرار الوظيفي والمعيشي والذي هو اولوية لدى غالبية الأردنيين ،،، وقوة الدولة الاردنية هي في وحدتها الوطنية وتماسكها الاجتماعي ،،،، والدولة القوية هي التي تملك الإعلام القوي الذي يساندها ويدافع عنها وعن مواقفها.
في كل الأحوال راجعوا حساباتكم قبل ان تندموا وقبل فوات الأوان ، فلا يمكن تجاهل دور الفقر والبطالة والإحباط وتناقص مستوى الطمأنينة لدى طلبة الجامعات من مستقبلهم المجهول ،،، فعندما تكون الطمأنينة مفقودة والقلق سائد والخوف ملموس يكون من الصعب التركيز على تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية لدى الطلاب ،،، فهناك صُناع فتن ولابسوا أقنعة ترعرعوا على الفوضى وبث الفتن تسللوا إلى داخل الجامعات عبر بوابة الأحزاب.
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني