أظهرت الحرب على غزة رغم بشاعتها موقف الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، فهناك دول قدمت الغالي والنفيس للشعب الغزاوي فيما وقفت دول أخرى مكتوفة الأيدي واقتصر دورها على بيانات الشجب والإدانة لما فعلته الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.
إلا أن المملكة العربية السعودية كانت من أبرز الدول الداعمة وبقوة للشعب الفلسطيني، إذ ساهمت الحرب في التقارب بين المملكة والسلطة الفلسطينية بشكل كبير، ومن أبرز دلائل التقارب هو إيداع السعودية 60 مليون دولار في حساب السلطة الفلسطينية لصالح إعادة إعمار غزة بعد عودتها إلى السلطة مجددا بعد انتهاء الحرب.
اللافت هنا أن هذه المبادرة السعودية بمثابة دفعة كبيرة وقوية للشعب الفلسطيني قبل السلطة الفلسطينية، وهذا يشير إلى أن المملكة تراهن بشكل كبير على نجاح السلطة في تولي شؤون قطاع غزة بعد الحرب، حيث قد يتم ضخ هذا المبلغ في عملية إعادة بناء غزة وإحياء عملية السلام لنصرة الشعب الفلسطيني.
ما سبق يؤكد أهمية دور السعودية في دعم قيام الدولة الفلسطينية ورفض تقسيمها، كما يبرهن على عدم وجود أي محاولة للتطبيع مع الكيان المحتل على حساب حق الشعب الفلسطيني، وهذا موقف واضح وصريح ولا يحتاج إلى تكهنات، فالسعودية قالتها بصريح العبارة إنها ضد أي صفقة تطبيع تأتي على حساب الفلسطينيين، كما أن المملكة بثقلها السياسي الوازن في الساحة العربية الإقليمية من الممكن أن تعيد الدعم العربي والغربي للسلطة الفلسطينية وتحيي آمال الشعب في حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وبالنظر إلى تاريخ الدعم السعودي للسلطة الفلسطينية يتضح لنا أنه قديم وممتد، وبعد أن حوّل الصندوق السعودي للتنمية مبلغ 60 مليون دولار إلى حساب وزارة المالية الفلسطينية، تفكر المملكة في استمرار هذا الدعم للقضية الفلسطينية على الصعد كافة، كما حرصت منذ يناير 2013 على رفع حصتها في دعم ميزانية السلطة الفلسطينية من 14 مليون دولار إلى 20 مليون دولار شهريا.
من الواضح أن سياسة المملكة العربية السعودية تهدف في المقام الأول إلى حفظ حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته، فهي ليست “شو” إعلاميا أو مزايدات سياسية، لكنها مبنية على ثوابت مهمة تهدف إلى نصرة الشعب الفلسطيني. وهذه هي سياسة المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود الذي كان أول المناصرين للشعب الفلسطيني، وتواصلت المواقف المشرفة للملكة تجاه القضية الفلسطينية حتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وبلغة الأرقام، فقد قدمت المملكة تبرعا سخيا في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967، كما قدمت في قمة بغداد عام 1978 دعما ماليا سنويا للفلسطينيين قدره مليار وسبعة وتسعون مليونا وثلاثمئة ألف دولار، وذلك لمدة عشر سنوات (من عام 1979 إلى عام 1989)، وفي قمة الجزائر الطارئة عام 1987 قررت المملكة تخصيص دعم شهري للانتفاضة الفلسطينية مقداره 6 ملايين دولار، كما قدمت أيضا في الانتفاضة الأولى عام 1987 تبرعا نقديا لصندوق الانتفاضة الفلسطيني بمبلغ مليون وأربعمئة وثلاثة وثلاثين ألف دولار، وكذلك قدمت مبلغ مليوني دولار للصليب الأحمر الدولي لشراء أدوية ومعدات طبية وأغذية للفلسطينيين.
أيضا رفعت المملكة مساهماتها الشهرية لدعم ميزانية السلطة من 7.7 مليون دولار إلى 20 مليون دولار، استجابة لقرار القمة العربية التي عقدت في البحر الميت بالأردن في عام 2017، وبزيادة رأسمال صندوقي الأقصى والقدس بقيمة 500 مليون دولار، وتبرعت المملكة بمبلغ 50 مليون دولار لدعم الأوقاف الإسلامية بالقدس، وكذلك الأمر بمبلغ 50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة “الأونروا” دعما للقدس والقضية الفلسطينية، بحيث بلغت المساعدات المقدمة من المملكة لفلسطين 7 مليارات دولار خلال الفترة من 2000 – 2019، وتواصل المملكة دعمها للشعب الفلسطيني بمبلغ 20 مليون دولار شهريا يضخ في حساب السلطة الفلسطينية.
تلك المواقف تؤكد وقوف الشعب السعودي بجانب شقيقه الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة في حياة كريمة وتحقيق آماله وطموحاته في الحرية والسلام العادل والدائم.
ومن جهة ثانية، تحاول السعودية إحياء عملية السلام بوقوفها في صف الفلسطينيين، ومن الواضح أن الإجراءات الاقتصادية ستسهم بشكل كبير في استقرار الاقتصاد الفلسطيني، وقد تؤدي إلى زيادة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية من قبل الدول العربية بسبب الدعم السعودي هذا، كما تفسح المجال للسلطة الفلسطينية لإثبات كفاءتها في إعادة إعمار غزة في حالة عودتها إليها بعد انتهاء الحرب.