الرئيسية / أخبار / أَنفاق المكسيك و تأشيرة بريطانيا الالكترونية تُنعش آمال الشباب الاردني بحياة أفضل وغدٍ أكثر كرامة

أَنفاق المكسيك و تأشيرة بريطانيا الالكترونية تُنعش آمال الشباب الاردني بحياة أفضل وغدٍ أكثر كرامة

المهندس سليم البطاينة 

لا أذكر بالتحديد من الذي كتب تلك الكلمات ، لكنني أذكُرها جيداً : نحن لا نعيش في واقع سيء .. بل نحن هذا الواقع السيء ! مرّت بي هذه الكلمات وانا أشاهد فيديو قصير لشباب أردنيين وهم يعبرون أحد الأنفاق المكسيكية على الحدود مع أمريكا هروباً من واقعهم المر بحثاً عن غدٍ أكثر كرامة وعن فرص عجزت بلادهم ان تحققها لهم.

لست أدري من أين أبدأ ؟ ولا أرغب هنا الإغراق في توصيف حال شبابنا الذين استوت عندهم الأضداد ولم يعد عندهم ما يخسرونه ، وإذا ما قررت النزول الى الشارع ، سترى يأس وبؤس ومتلازمة الفقر والبطالة فاقت كل حدود المأساوية.

هذا الموضوع لا يحتاج الى مقدمات كثيرة سوى استدعاء واقع الشباب الأردني حالياً ! فحمّى الهجرة تضرب المجتمع الأردني وهذا لم يسبق له أن حدث ،،،، فما أصعب ان تضيق الأوطان بأهلها وأن تصبح الهجرة أكثر أماناً ! ويصبح الخروج والخلاص مطلباً وحلماً لا يضاهيه حلم.

لقد كانت عبارة موحية ومهمة تلك التي قالتها السفيرة الامريكية السابقة في عمان Alice Wells عام ٢٠١٣ أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب السابع عشر الذي كنت أحد أعضائه ،،،، ما قالته السفيرة : عندما اتحدث مع الشباب الاردني يخبروني أنهم يرغبون في ترك وطنهم بحثاً عن حياة أفضل وفرص عمل جيدة.

الاغاني الوطنية لا تملأ الفراغ الذي يحدثه غياب الرغيف ، والحالة الراهنة تستوجب خروجاً عن المألوف ،،،، فـ المؤشرات مقلقة وغير مسبوقة ، والأردن يتجه نحو المزيد من الفقر والبطالة ! وأصبح طارداً لشبابه تتقاذفه مطارات بريطانيا وأنفاق المكسيك.

الشباب الاردني تائه في جحيم اللامبالاة ! يمرُ بأزمات جعلته مُموه الفكر ، وفاقداً لكل إحساس بالانتماء معلقاً بخيط عنكبوت ، ويشعر أنه خارج المعادلات السياسية ! ويرى ان المسافة بينه وبين الدولة باتت مسافة كونية ،،، وينتابني شعور ان لا احد يرى بشكل واضح قلق المشهد الداخلي الأردني على حقيقته وفي سياقه الذي لا يتوقف ، بل يتجدد بشكل يومي ، فهو مزيج من القلق والتروما.

حديث يدور كل ساعة ،، في الشارع وفي الدكاكين وفي المضافات والمناسبات يبحث عن إجابة لسؤال كبير لطالما سألناه : من المتسبب في ما نعيشه اليوم ؟ ولماذا تسوء حالتنا من يوم لآخر ؟ ولماذا تغيب الحلول ؟

البطالة هي شكلاً من أشكال الإقصاء الاجتماعي ، ودمار الأجيال في الاردن أضحى بلا سقف ! وأبناء هذا الجيل لم يحصدوا في السنوات الماضية سوى ثمار الخيبة ،،،، فـ مشكلتهم ليست مع وطنهم الأردن بل مع دولتهم التي فشلت في إدارة شؤونهم وفي تحقيق طموحاتهم ،،،،،، فقد سئموا حالة الإفلاس السياسي والفراغ التنموي الذي طال أمده ، فمنذُ سنوات وهم يسألون عن أحلامهم ! والجميع يبيعون لهم الغيب وتذاكر المستقبل الذي لا يعرفون عنه شيئا !

شرر كبير يتهدد الاردن ، ولكننا نضاعف من خطورته بالمعادلات الصفرية ! والدولة مازالت غير مُدركة ان رأس المال البشري يمثل الركيزة الاساسية للتنمية ؟ وان إفراغ الاردن من شبابه يصب في مجرى واحد : وهو إغراق جميع الاردنيين في اليأس والسلبية ،، وتحويل الاقامة في الاردن الى جحيم وكُرْه للذات ؟

شيءٌ محزن ممّا نراه ونسمعه عن حال شبابنا ،،، لكن في الاردن ستكسب أي رهان يُطلب منك في ان تحدد شخصا واحداً من بين آلاف الاردنيين ممن يشعرون بالرضا ! وربما مطلوب منا كأردنيين ان نتعلم ( اليوجا ) لنبقى متربّعين ومغمضين العينين عما نراه ونسمعه من نزيف صامت وسرّي سيفرغ الاردن من شرايينِه واوردته.

ماذا أنتم فاعلون ؟ سوق العمل التقليدي لا يمكن له ان يوفر سنوياً اكثر من ١٠٪؜ من طالبي الوظائف ،،،،، بالتأكيد يصعب ان تكون هناك اجابة صحيحة ! ولا معنى لسؤال سألناه عشرات المرات : هل لديكم أي فكرة الى أين نحن ذاهبون ؟ وإذا لم يتم التوصل الى إجابة مناسبة يجب التوقف وتسليم المفاتيح قبل ان ينتهي بنا الأمر جميعاً الى الهاوية ! فما يتم استخدامه في الإعلام هو نصف الحقيقة وتجزئة النصف الآخر حسب الرغبة !!

المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني