في ظل التحديات الأمنية المتزايدة والتصعيد بين إيران وإسرائيل، خصوصا بعد الهجمات الإيرانية الأخيرة عبر وكلائها المحليين، ستواجه إسرائيل مجموعة محدودة من الخيارات في التعامل مع معادلات الردع الجديدة.
يمكن لإسرائيل الاستمرار في تبني إستراتيجية الرد القوي والمحسوس على أي هجوم يستهدفها، وهذا يشمل الرد بشكل مباشر وعسكري على أي هجوم تتعرض له، بغض النظر عن حجمه أو قوته، ويمكنها كذلك اللجوء إلى إستراتيجية الرد المتوازن، بحيث تحافظ على قدرتها على الرد بقوة، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تجنب التصعيد الكبير الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقليمية، ويمكنها اللجوء إلى الدبلوماسية والتفاوض كوسيلة لحل النزاعات، ولو أني أستبعد ذلك مع وجود حكومة بنيامين نتنياهو، وبالنظر إلى هذه الخيارات، فإن إسرائيل تواجه تحديا كبيرا في تحديد الإستراتيجية المناسبة للتعامل مع المعادلات الجديدة في ميدان الردع مع إيران.
ويبدو أن الهجوم الإسرائيلي المحدود على مواقع عسكرية في أصفهان في وقته وبطبيعته، قد أتى في سياق تقييم متوازن للتهديدات الإيرانية السابقة على إثر عملية الوعد الصادق، حيث تظهر الهجمات المتبادلة بين الطرفين أنها مؤشرات على استمرارية احتمالات التصعيد مستقبلا، فالهجمات الإيرانية عبر وكلائها المحليين لم تكن فقط تهديدا مباشرا لإسرائيل بل للمنطقة. ومن هذا المنطلق تُمْكن رؤية الهجمات المتبادلة بين الطرفين كجزء من سياق أوسع للصراع، والذي يمكن أن يتصاعد إلى حرب شاملة إذا لم يتم التعامل معه بحكمة.
وفي إطار المواجهة بين إيران وإسرائيل تتم محاولة تغيير قواعد الاشتباك بين الطرفين، عبر وسائل وتفاهمات متبادلة برعاية أميركية لتجنب التصعيد الإقليمي، ولعل أبرزها التفاهم على تقليل التصعيد العسكري، وتفادي المواجهات واسعة النطاق عبر ردود محدودة ومقيدة ومحسوبة، دون الانجراف إلى تصعيد غير مرغوب فيه.
هذه الأحداث تتزامن مع توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن قانونا يتضمن تخصيص مساعدات ضخمة لإسرائيل وأوكرانيا، في ظل التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران، وتصاعد الصراع في قطاع غزة، فإن الولايات المتحدة مستمرة في دعمها القوي لإسرائيل التي تستعد لعملية عسكرية في رفح جنوب قطاع غزة بالرغم من التحفظات الدولية.
والدعم الأميركي ليس بغريب، فمنذ هجمات طوفان الأقصى عملت إدارة بايدن على دعم إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، لكنها واجهت صعوبة في ممارسة نفوذها على حكومة نتنياهو، خاصة مع تصاعد الانتقادات الداخلية لسياساتها. ولهذا أبدى بايدن تحفظًا على أساليب إسرائيل العسكرية في غزة، مع وعده بالضغط لإيقاف الحرب وتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية، وقد أدت هذه التوترات إلى تغيير في توجه الرأي العام الأميركي تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وتتجه واشنطن نحو تأييد إستراتيجية تشمل محاصرة حماس بطرق أقل كلفة، وتشجيع إسرائيل على تنفيذ عمليات دقيقة لملاحقة أهداف محددة داخل رفح، بدلاً من الاعتماد بشكل كبير على الضربات الجوية التي تستهدف المدنيين، وكأن إدارة بايدن تريد كسب نقاط تتلاءم مع الانتخابات الرئاسية، في محاولتها لإيجاد حل شامل يشمل وقف إطلاق النار في غزة وإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وخصوصا السعودية وإسرائيل، إلا أنها تصطدم بحاجز الطموح السياسي والواقعية القائمة على أرض الواقع؛ لأن الطموحات الأميركية لا تتوافق مع حكومة نتنياهو التي تتبنى توجهات سياسية متطرفة قد تعرقل عملية التسوية.
كما أن التفاوض مع السلطة الفلسطينية وحماس يشكل عاملًا أساسيًا في أي حل نهائي، ومع وجود توترات دائمة بين الطرفين، يبدو أن التوصل إلى توافق يعتبر تحديًا كبيرًا، إلا إذا تشكلت حكومة جديدة في إسرائيل وتوافقت الأطراف الفلسطينية.
وفي ظل هذه الحسابات المعقدة يظل دور دول الاعتدال العربي مهما، خصوصا الإمارات والسعودية ومصر والأردن، والذي يتراوح بين قيادة الدعم الإنساني والتأثير المباشر والوساطة الدبلوماسية، بهدف استقرار المنطقة؛ فمشاريع التنمية الاقتصادية لم تتأثر بالتطورات الإقليمية والصراعات المحيطة، وآخرها الإعلان عن طريق التنمية الإستراتيجي، ما يعكس استمرارية مبادرات الازدهار بالرغم من التحديات الراهنة.
المنطقة تعول على توازن وتأثير سياسة الدول العربية المحورية، وعلى إستراتيجية الإدارة الأميركية لو فكرت خارج الصندوق، وخارج حسابات الانتخابات الأميركية في ظل التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في الشرق الأوسط، فقواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران تشكل تحديًا إقليميّا جديدًا، يطرح تحديات كبيرة على الاستقرار والأمن في المنطقة، ويتطلب تفاعلًا دبلوماسيّا وتحركًا فعّالًا.