تصاعدت حدة التوترات بين إيران والأردن مؤخرا بعد أن تصدت عمان لصواريخ إيرانية متجهة لإسرائيل، قبل أن تتراجع حدة التوترات على إثر اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان.
واعتبرت أوساط أن الاتصال الهاتفي ربما يكون منعطفا لتبريد الخلافات الأردنية الإيرانية العالقة، إلا أن العديد من الخبراء استبعدوا ذلك.
ويشير الخبراء أن التواصل الأردني – الإيراني مرحلي في ظل التوترات التي تعرفها المنطقة وهو يصب في مصلحة الطرفين راهنا.
وكانت عمان قد استدعت القائم بأعمال السفير الإيراني للاحتجاج على إشراك أراضيها في الهجوم على إسرائيل، في الوقت الذي واجهت فيه انتقادات شديدة من دوائر محسوبة على طهران.
وخلال الاتصال الهاتفي بين الوزيرين، قالت عمان إنها تريد علاقات “طيبة” مع طهران، فيما أكدت إيران أنها “تحترم الأردن وحريصة على أمنه وأمن المنطقة”.
وتسببت الخلافات في تقليص التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى ما دون سفير منذ 2016. وفي ذلك العام، خفَّضت عمان مستوى علاقاتها مع طهران من سفير إلى قائم بالأعمال؛ تضامنا مع السعودية إثر قطع علاقتهما مع إيران، لكن الرياض وطهران استأنفتا علاقتهما الدبلوماسية بوساطة الصين في 2023.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية – الأردنية (حكومية) بدر الماضي إن “العلاقة الأردنية – الإيرانية قائمة على عدم الثقة منذ انتهاء عهد (الرئيس الإيراني) محمد خاتمي (1997 – 2005) آخر رئيس إصلاحي”.
ويضيف أن “الأردن مازالت تساوره الشكوك في نوايا إيران تغيير سلوكها القائم على التدخل في شؤون الدول، وعدم وجود صوت إيراني واحد يمثل حقيقة الموقف السياسي والعسكري”.
وتابع “ولا تزال إيران تعتقد أن الأردن جزء من تحالف دولي معادٍ لها، ويطمح دائما لرؤية تغير جذري في التركيبة الأيدولوجية والسياسية بطهران”.
واستطرد “كما أن إيران تعتقد أنه على الأردن الانضمام إلى التحالفات التي تنسجها ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية”.
وبينما تعتبر كل من إيران وإسرائيل الدولة الأخرى العدو الأول لها، يرتبط الأردن بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ 1994، وإن تدهورت العلاقات بينهما بشدة جراء الحرب المتواصلة على غزة .
واعتبر الماضي أن “الحرب الأميركية على العراق (2003) شكلت الفرصة التي كانت تنتظرها إيران لفرض نفوذها في المنطقة العربية عبر أدواتها الجديدة والتقليدية”.
وأما الأردن، فـ”حاول دائما أن لا يسعى إلى أي مواجهة سياسية علنية مع إيران، لكن سلوك الأخيرة في الحرب السورية (منذ 2011)، أظهر النوايا الحقيقية لما تخطط له طهران”.
ورأى أن إيران “تريد إحداث قلق إستراتيجي للمملكة ومحاولة زعزعة استقرارها، عبر الرعاية الرسمية للمليشيات المتمركزة بالقرب من حدود الأردن”.
وزاد بأن “ذلك كان من خلال الدفع بمهربي المخدرات إلى الأراضي الأردنية؛ لخلخلة البنية الاجتماعية والأمنية للدولة”.
وبخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة، اعتبر الماضي أنها “جاءت لتظهر التباين الإستراتيجي بين البلدين؛ إذ لم ترد إيران أن يكون تدخلها مباشرا وواضحا لدعم المقاومة الفلسطينية”.
وأضاف أنه تم إتباع هذا الأسلوب “بالرغم من أن الشرعية السياسية التي اكتسبتها إيران كانت عبر الادعاء بأن ما تقوم به هو لتحرير فلسطين والقدس”.
ورأى أن “إيران لم تتحرك تحركا جديا لنصرة الشعب الفلسطيني إلا بعد ضرب العصب الإيراني، وهو الحرس الثوري وبعد 6 أشهر (من بدء الحرب على غزة).
وفي 13 أبريل الجاري، أطلقت إيران من أراضيها نحو 350 صاروخا وطائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل؛ ردا على هجوم صاروخي استهدف بعثة طهران الدبلوماسية بدمشق مطلع هذا الشهر؛ ما أودى بحياة عناصر من الحرس الثوري.
وحسب الماضي، فإن “التصريحات المتداولة عن عمق العلاقات بين البلدين لا تعكس الأمر الواقع”.
وتابع أن “الأردن الرسمي يعتقد بصعوبة أن تتخلى إيران عن طموحاتها أو توقف إستراتيجيتها القائمة على زعزعة استقرار المنطقة من أجل النفاذ داخل البنى السياسية والثقافية لدول العالم العربي”.
واستطرد ”تصريحات السياسيين الإيرانيين لا تمثل الموقف الحقيقي، الذي يمثله الحرس الثوري، فلم يتوان عن تشجيع الميليشيات التابعة لإيران من أجل إحداث المزيد من الضغط على صانع القرار السياسي والأمني الأردني”.
واستبعد الماضي أن تكون الحرب على غزة “بوابة لتفاهمات بين البلدين، ولكنها ستكون مدخلا لزيادة الشرخ غير المعلن بينهما في الأشهر القادمة”.
ومتفقا مع الماضي، قال عبد الله الطائي الباحث العراقي بمعهد السياسة والمجتمع (أردني مستقل تأسس عام 2020) “ما تزال حالة عدم الثقة هي السائدة في العلاقة بين عمان وطهران”.
وأضاف أن “إيران ترى في الأردن جبهة أميركية متقدمة، فيما لا تزال المملكة تنظر إليها بنظرة الشك والريبة تجاه سلوكها الإقليمي”.
وتابع “ولربما ما عزز من ذلك أردنيا، هو الأحداث بعد بدء الحرب على غزة، سواء الضربة الإيرانية (لإسرائيل) التي مرت عبر سماء المملكة (…) التي عبرت دائما عن خشيتها (…) من أن تكون أرضها كميدان للصراع الإقليمي”.
واستطرد “استهداف الفصائل العراقية لقاعدة “البرج 22″ شمال شرق الأردن، وبيان أبو علي العسكري المسؤول الأمني بكتائب حزب الله العراق المرتبط بالحرس الثوري حول استعداد فصيله لتسليح 12 ألف مقاتل أردني”.
وزاد الطائي بأن “التهديدات مستمرة على الحدود الأردنية الشمالية، فطالما يشير (الأردن) بأصابع الاتهام نحو الفصائل الموالية لإيران والمتواجدة في الجنوب السوري”.
ولفت إلى أن هذا “هو ما أكد عليه الصفدي مؤخرا عندما تحدث عن أزمة تهريب المخدرات والسلاح من سوريا، وهجمات سيبرانية تعرضت لها مؤسسات أردنية”.