أبدى القيادي في حماس خليل الحية استعداد الحركة لإلقاء أسلحتها والتحول إلى حزب سياسي إذا حصلت على تعهدات قوية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على طول حدود ما قبل 1967، في وقت يقول فيه مراقبون إن خطة “حماس منزوعة السلاح” تهدف إلى تأمين الخروج من مأزق الحرب مع الإبقاء على وجودها السياسي ومحاولة تحصيل الاعتراف الدولي.
لكن دوائر فلسطينية ترى أن “التنازلات” التي تعرضها حماس هي مناورة لن تجد صدى لدى السلطة الفلسطينية ولا لدى حركة فتح من أجل القبول بها في منظمة التحرير، وأنها ستسعى للحصول على غطاء مدني للإقناع بفكرة أن الأمر مرتبط بالحفاظ على أمن الفلسطينيين الذين جرتهم إلى حرب غير متكافئة، وتريد إنقاذهم بغرض الاعتراف بحدود 1967 والتخلي عن فكرة المقاومة المسلحة.
قد تجد مناورة حماس صدى لدى الأميركيين الذين يريدون إقناع إسرائيل بفكرة حل الدولتين، ويرون في مواقف حماس عنصرا مشجعا على مسار التفاوض. وقد تجد الحركة صيغة مع الإسرائيليين وإن كان الأمر يبدو صعبا، لكن مبادرتها لن تجد أي تجاوب من السلطة الفلسطينية وحركة فتح، لأن مسار حماس الجديد يستهدف سحب البساط من تحت أقدام سلطة الرئيس محمود عباس وتقديم نفسها بديلا عنه، خاصة أنها تمتلك قرار تنفيذ أي تفاهم تتوصل إليه.
ومن شأن طرح هذه الأفكار في الوقت الحالي أن يجد ترحيبا من المنظمات التي تعنى بشؤون اللاجئين لأنها تمثل مدخلا مساعدا على التوصل إلى التهدئة وإطلاق سراح المحتجزين وكف الذرائع الإسرائيلية في مواصلة الحرب والهجوم على مدينة رفح.
لكن من غير المرجح أن تتجاوب إسرائيل مع هذا السيناريو بعد أن تعهدت بتدمير حماس إثر هجمات 7 أكتوبر الدامية التي أشعلت الحرب. كما تعارض قيادتها الحالية إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.
وقال الحية في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس في إسطنبول إن حماس تريد الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة حركة فتح المنافسة لها، لتشكيل حكومة موحدة لغزة والضفة الغربية.
وأكد أن حماس ستقبل “دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرارات الدولية” على طول حدود إسرائيل قبل 1967.
وأشار إلى أن جناح الجماعة العسكري سينتهي إذا حدث ذلك. وأضاف أن الذين قاتلوا ضد المحتلين من قبل تحولوا إلى أحزاب سياسية عندما أصبحوا مستقلين وحصلوا على حقوقهم ودولتهم وتحولت قواتهم المقاتلة المدافعة إلى الجيش الوطني.
وخففت حماس حدة موقفها العلني المعهود حيال إمكانية قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. لكن برنامجها السياسي الرسمي مازال “يرفض أي بديل للتحرير الكامل لفلسطين، من النهر إلى البحر” بما يشمل الأراضي التي تشكل الآن إسرائيل.
ولا يوجد في كلام الحية ما يشير إلى تبني حل الدولتين وإنهاء الصراع مع إسرائيل وهو ما يرجح أن يكون مجرد خطوة تكتيكية لإنهاء الحرب وإنقاذ الحركة من التفكيك.
ولم يصدر رد فعل فوري من إسرائيل أو السلطة الفلسطينية، خاصة أن الأفكار التي أدلى بها الحية سبق أن سربها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته الأخيرة إلى قطر.
وتطمح السلطة الفلسطينية إلى إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهي مناطق احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وتدعم أغلبية المجتمع الدولي حل الدولتين، لكن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتشددة ترفضه.
وتستعد إسرائيل الآن لشن هجوم على مدينة رفح الجنوبية، التي فر إليها أكثر من مليون فلسطيني.
وتقول إسرائيل إنها فككت جل كتائب حماس الأولى منذ بداية الحرب، لكن الكتائب الأربع المتبقية تتحصن في رفح. وتؤكد تل أبيب على ضرورة اجتياح رفح لتحقيق الانتصار على حماس.
وقال الحية إن هذا الهجوم لن ينجح في تدمير الحركة. وذكر أن الاتصالات بين القيادة السياسية في الخارج والقيادة العسكرية داخل غزة “لم تنقطع” بسبب الحرب وأن “الاتصالات والقرارات والتوجيهات تحدث بالتشاور” بين المجموعتين.
وأكد أن القوات الإسرائيلية لم تدمر أكثر من 20 في المئة من قدرات حماس البشرية والميدانية. وتابع “إذا لم يتمكنوا من القضاء على حماس فما هو الحل؟ الحل يكمن في الاتفاق”.
وشهد وقف إطلاق النار لمدة أسبوع في نوفمبر الماضي إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة مقابل الآلاف من السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل. لكن المحادثات من أجل هدنة طويلة الأمد وإطلاق سراح الرهائن المتبقين لا تزال مجمدة، حيث يتهم كل جانب الآخر بالتصلب. وقالت قطر مؤخرا إنها “تعيد تقييم” وساطتها.
وتوجه كبار قادة حماس، الذين كانوا يقيمون سابقا في قطر، إلى تركيا خلال الأسبوع الماضي. والتقى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت. ونفى الحية أي نقل دائم لمكتب الحركة السياسي الرئيسي وقال إن حماس تريد أن ترى قطر تواصل وساطتها في المحادثات.
واتهم مسؤولون إسرائيليون وأميركيون حماس بعدم الجدية في مساعي التوصل إلى اتفاق. ونفى الحية ذلك، قائلا إن حماس قدمت تنازلات بشأن عدد السجناء الفلسطينيين الذين تريد إطلاق سراحهم مقابل الرهائن الإسرائيليين المتبقين. وذكر أن الحركة لا تعرف بالضبط عدد الرهائن الذين مازالوا في غزة ولا يزالون على قيد الحياة.
لكنه شدد على أن حماس لن تتراجع عن مطلب وقف إطلاق النار وقفا دائما وانسحاب القوات الإسرائيلية انسحابا كاملا. ويُذكر أن إسرائيل رفضت الأمرين، وتقول إنها ستواصل عملياتها العسكرية حتى تهزم حماس نهائيا وإنها ستحتفظ بوجود أمني في غزة بعد ذلك.
وقال مسؤول حماس عن الرهائن المتبقين “لماذا سنسلم الأسرى إذا لم نكن متيقنين من أن الحرب ستنتهي؟”. كما هدد الحية ضمنيا بأن حماس ستهاجم القوات الإسرائيلية أو غيرها التي قد تتمركز حول رصيف عائم تسعى الولايات المتحدة إلى بنائه على طول ساحل غزة لإيصال المساعدات عن طريق البحر.
وأضاف “نرفض رفضا قاطعا أي وجود غير فلسطيني في غزة سواء في البحر أو البر وسنتعامل مع أي قوة عسكرية موجودة في هذه الأماكن، إسرائيلية كانت أو غير ذلك… بصفتها قوة احتلال”.